( صفحه 172 )
مدفوعة بأنّ الملاك في اعتبار مراسيله هو: أنّه لا يروي ولا يرسل إلاّ عن ثقة، فكما أنّه لا يرسل إلاّ عن ثقة، كذلك لا يروي إلاّ عنه.
قال الشيخ (قدس سره) في محكيّ كتاب العُدّة: سوَّت الطائفة بين ما يرويه محمد بن أبي عمير، وصفوان بن يحيى، وأحمد بن محمد بن أبي نصر (البزنطي)، وغيرهم من الثقات الذين عُرفوا بأنّهم لا يروون ولا يرسلون إلاّ عمّن يوثَق به، وبين ما أسنده غيرهم، ولذلك عملوا بمراسيلهم إذا انفردوا عن رواية غيرهم(1).
وأمّا المناقشة في دلالتها; من جهة أنّ مدلولها غير مطابق لما هو المشاهد بالوجدان; لأنّ من نظر إلى المشرق عند الغروب رأى أنّ الحمرة قد ارتفعت من ناحيته، ثمّ زالت وحدثت حمرة اُخرى في ناحية المشرق، فالحمرة المشرقيّة تنعدم عند الغروب وتحدث حمرة اُخرى، مع أنّ الرواية مصرّحة بأنّ تلك الحمرة باقية سارية من المشرق إلى المغرب(2).
فمدفوعة ـ مضافاً إلى منع كون الحمرة المغربيّة حمرة اُخرى حادثة بعد انعدام الحمرة المشرقيّة، بعد كون الحمرة مطلقاً أثراً تابعاً للشمس تذهب تدريجاً وتنتفي عقيب سقوطها كذلك ـ بعدم دلالة الرواية إلاّ على تجاوز الحمرة المشرقيّة من قمـّة الرأس إلى ناحية المغرب، ولا يستفاد منها بوجه أنّه بعد التجاوز منها هل تكون هي الباقية الظاهرة في ناحية المغرب، أو أنّها
- (1) عُدّة الاُصول 1: 154.
- (2) التنقيح في شرح العروة الوثقى، كتاب الصلاة 1: 245، المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 11: 172 ـ 173.
( صفحه 173 )
تنعدم وتحدث حمرة اُخرى، كما لا يخفى.
كما أنّ المناقشة في دلالتها أيضاً بأنّه إن اُريد بالسقوط في قوله (عليه السلام) : «سقط القرص» سقوطه عن الأنظار ودخولها تحت الاُفق الحسّي، فلا ترتّب بين الأمرين أبداً; لأنّ سقوطه إنّما يتحقّق قبل ذهاب الحمرة المشرقيّة بعشر دقائق، أو اثنتا عشر دقيقة، وإن اُريد به معنى آخر كسقوطه عن الاُفق الحقيقي، فهو أمر مبهم لا طريق لنا إلى مشاهدته، ولم يدلّنا عليه شيء من الكتاب والسنّة(1).
مدفوعة بأنّ السقوط عن الاُفق الحسّي لم يكن يحتاج إلى البيان، وقد عرفت أنّه لا حاجة إلى جعل ذهاب الحمرة من نقطة المشرق أمارة عليه، بل المراد هو السقوط بالمعنى الآخر المحتاج إلى البيان، وقد دلّتنا عليه السنّة التي منها هذه الرواية، فهي من حيث الدلالة تامّة.
ومنها: رواية أبان بن تغلب قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : أيّ ساعة كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوتر؟ فقال: على مثل مغيب الشمس إلى صلاة المغرب(2).
والمناقشة في سندها باعتبار إسماعيل بن أبي سارة، مدفوعة بأنّه قد روى عنه ابن أبي عمير كما في محكيّ الوافي(3)، وقد مرّ أنّه لا يروي إلاّ عن ثقة، كما أنّ الإيراد على دلالتها بأنّه لو كان الوقت مذكوراً قبل صلاة المغرب، بحيث كانت هكذا «إلى وقت صلاة المغرب» لدلّت الرواية على وجود فصل زمانيّ
- (1) التنقيح في شرح العروة الوثقى، كتاب الصلاة 1: 245 ـ 246، المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 11: 173.
- (2) الكافي 3: 448 ح24، وعنه وسائل الشيعة 4: 174، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب16 ح5.
- (3) الوافي 7: 314 ح5989.
( صفحه 174 )
بين غروب الشمس، وبين وقت صلاة المغرب، ولكنّ الوقت غير مذكور قبلها، فغاية مفادها حينئذ أنّ نفس صلاة المغرب والإتيان بها كان متأخّراً عن الاستتار، وأنّه (صلى الله عليه وآله) لم يكن يأتي بها عنده، بل يفصل عادة للجماعة والأذان والإقامة(1).
قابل للدفع بأنّه كما لم يكن الوقت مذكوراً في الرواية، كذلك لا تعرّض لها لفصل النبيّ (صلى الله عليه وآله) بين الغروب، وبين صلاة المغرب، بل المذكور فيها هو الفصل بينه، وبينها مطلقاً، وهو لا يتمّ إلاّ بعد ثبوته بينهما بالإضافة إلى كلّ أحد ولو من أراد الصلاة منفرداً، وقد حصل المقدّمات قبل الوقت، كما هو ظاهر، فهذه الرواية سليمة من حيث السند والدلالة.
ومنها: صحيحة بكر بن محمد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سأله سائل عن وقت المغرب؟ فقال: إنّ الله ـ تعالى ـ يقول في كتابه لإبراهيم: (فَلَمّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي)(2)، فهذا أوّل الوقت، وآخر ذلك غيبوبة الشفق، وأوّل وقت العشاء الآخرة ذهاب الحمرة، وآخر وقتها إلى غسق الليل; يعني نصف اللّيل(3).
وقد اُورد على الاستدلال بها بأنّ الأنجم قد ترى قبل ذهاب الحمرة
- (1) التنقيح في شرح العروة الوثقى، كتاب الصلاة 1: 246 ـ 247، المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 11: 173.
- (2) سورة الأنعام 6: 76.
- (3) تهذيب الأحكام 2: 30 ح88 ، الاستبصار 1: 264 ح953، الفقيه 1: 141 ح657، وعنها وسائل الشيعة 4: 174، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب16 ح6.
( صفحه 175 )
وتجاوزها عن قمـّة الرأس بزمان، ولا تتوقّف رؤية الكوكب على تجاوز الحمرة، بل هي دالّة على تحقّق المغرب بسقوط القرص(1).
ويدفعه ـ مضافاً إلى كونه خلاف الوجدان ـ رواية شهاب بن عبد ربّه قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) : يا شهاب إنّي اُحبّ إذا صلّيت المغرب أن أرى في السماء كوكباً(2);
فإنّ ظهورها في تأخّر رؤية الكوكب عن سقوط القرص واستتاره لا مجال لإنكاره.
ضرورة أنّه بناءً على الملازمة بينه وبين السقوط لا وجه للتعبير بكونه محبوباً; لعدم جواز التقديم على السقوط على كلا القولين، فهي تدلّنا على التأخير عنه; وإن كان التعبير عن التأخير بكونه محبوباً لا يدلّ على كونه أمراً لازماً حتميّاً، إلاّ أنّها تصير مبنية للرواية المصرّحة بكون الرؤية أوّل الوقت، واشتمال سند هذه الرواية على محمد بن حكيم لا يقدح بعد رواية ابن أبي عمير وصفوان عنه، كما في محكيّ الوافي(3).
ومنها: ما رواه محمد بن علي قال: صحبت الرضا (عليه السلام) في السفر، فرأيته يصلّي المغرب إذا أقبلت الفحمة من المشرق; يعني السواد(4).
- (1) التنقيح في شرح العروة الوثقى، كتاب الصلاة 1: 247 ـ 248، المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 11: 174.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 261 ح1040، الاستبصار 1: 268 ح971، علل الشرائع: 350 ب60 ح2، وعنها وسائل الشيعة 4: 175، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب16 ح9.
- (3) الوافي 7: 272 ح5890، وج10: 104 ح9239 وص138 ح9316.
- (4) تهذيب الأحكام 2: 29 ح86 ، الاستبصار 1: 265 ح958، وعنهما وسائل الشيعة 4: 175، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب16 ح8 .
( صفحه 176 )
واُورد على الاستدلال به ـ مضافاً إلى ضعف السند بمحمد بن علي; لعدم توثيقه، وإلى أنّ فعله (عليه السلام) لا دلالة له على أنّ الاستتار ليس بوقت لصلاة المغرب; لاحتمال أنّه كان يصلّي بعد تحقّق وقتها لاستحبابه; لاستحباب المسّ بالمغرب قليلاً ـ بأنّ الفحمة إنّما تقبل بالاستتار، كما أنّ البياضة عند الفجر إنّما تقبل بطلوع القرص عن تحت الاُفق; فإنّ الشمس بمجرّد دخولها تحت الاُفق يشاهد أنّ الفحمة أخذت بالارتفاع فتتصاعد متدرّجاً، ولا ملازمة بين إقبال الفحمة، وزوال الحمرة المشرقيّة، وتجاوزها عن قمـّة الرأس(1).
ولكن هذا الإيراد مبنيّ على كون المراد بالسواد هي الحمرة، مع أنّه يمكن أن يقال: إنّ المراد بالفحمة هو السواد الحاصل بعد ذهاب الحمرة المشرقيّة; فإنّه بذهابها وتجاوزها عن قمـّة الرأس يقبل السواد من المشرق ويتصاعد على التدريج، فتدبّر.
ومنها: رواية عمّار الساباطي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إنّما أمرت أبا الخطّاب أن يصلّي المغرب حين تغيب الحمرة من مطلع الشمس، فجعل هو الحمرة التي من قبل المغرب، وكان يصلّي حين يغيب الشفق(2).
واُورد عليها أيضاً ـ مضافاً إلى ضعف السند بعلي بن يعقوب ـ بأنّ اشتمال الرواية على لفظة «مطلع الشمس»، الظاهرة في خصوص نقطة خروجها، يمنع عن الدلالة على مذهب المشهور، بل ظاهرها هو: أنّ الاعتبار بارتفاع
- (1) التنقيح في شرح العروة الوثقى، كتاب الصلاة 1: 249، المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 11: 175.
- (2) الاستبصار 1: 265 ح960، مستطرفات السرائر: 95 ح8 ، وعنهما وسائل الشيعة 4: 175، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب16 ح10، وفي بحار الأنوار 83 : 55 ح8 عن مستطرفات السرائر.