( صفحه 201 )
التخصّص على التخصيص فيما إذا دار الأمر بينهما، مع أنّ الظاهر أنّ مورد الترجيح ما إذا كان مراد المتكلّم مجهولاً، حيث إنّه بسبب أصالة العموم النافية للتخصيص يستكشف المراد.
وأمّا في مثل المقام ممّا إذا كان المراد معلوماً; لأنّ المفروض ثبوت الوجوب بالنسبة إلى الحائض بعد الانتصاف; سواء كان من باب التخصيص، أو التخصّص، فلا مجال حينئذ للتمسّك بأصالة العموم، ولكنّك عرفت ظهورها في نفسها في أنّ الإتيان إنّما بنحو الأداء.
وقد انقدح من جميع ما ذكرنا أنّ التعارض المترائى إنّما هو بين ثلاث طوائف من الطوائف المتقدّمة; وهي الأخبار الدالّة على الشفق، وأخبار الانتصاف، وأخبار طلوع الفجر، وحينئذ نقول: لا ينبغي الإشكال في ترجيح أخبار الانتصاف على أخبار الشفق; لظهور الثانية في عدم جواز التأخير عن الشفق، وصراحة الاُولى في جواز التأخير عنه، فتحمل أخبار الشفق على كونها بصدد بيان وقت الفضيلة، بناءً على كون اختلاف الوقتين إنّما هو بالفضيلة والإجزاء، كما هو الحقّ على ما سيأتي إن شاء الله تعالى(1).
وأمّا أخبار الفجر، فإن كان مفادها الامتداد إلى طلوع الفجر ولو في حال الاختيار، إمّا بناءً على دلالة رواية عبيد بن زرارة(2) على الإطلاق.
وإمّا بناءً على إلغاء الخصوصيّة من الروايات الواردة في النائم، والناسي،
- (1) في ص252 ـ 266.
- (2) تقدّمت في ص197.
( صفحه 202 )
والحائض(1)، فمضافاً إلى معارضتها للأخبار المتقدّمة(2)، تكون مخالفة لظاهر الكتاب; وهو قوله ـ تعالى ـ : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ)(3)، بناءً على كون المراد بالغسق انتصاف الليل، كما هو كذلك بحسب اللغة(4)، والروايات المفسِّرة للآية، التي تقدّم بعضها(5).
وجه المخالفة: أنّ ظاهر الآية هو امتداد وقت المجموع إلى الانتصاف وعدم جواز التأخير عنه، فكيف يجتمع معه الامتداد إلى طلوع الفجر اختياراً، كما يدلّ عليه أخبار الفجر(6) على ما هو المفروض؟ نعم، لا تنافي الآية الروايات(7) الدالّة على الامتداد إلى الشفق; لأنّ مفادها شروع وقت المجموع بالزوال وانتهاؤه بالانتصاف، ولازمه جواز الدخول في الصلاة الاُولى بمجرّد تحقّق الزوال، كما أنّ لازمه عدم امتداد وقت الآخرة، وعدم بقائه بعد الانتصاف.
وأمّا كون وقت الثالثة أيضاً مستمرّة إلى الانتصاف، فلا دلالة للآية عليه، فمن الممكن استمراره إلى زوال الشفق، كما أنّه لا دلالة للآية على جواز الشروع في الثانية بمجرّد الزوال. نعم، يستفاد منها عدم جواز الشروع فيها قبل الزوال، كما أنّه يستفاد منها عدم استمرار وقت الثالثة إلى ما بعد
- (1) تقدّمت في ص197 ـ 200.
- (2) في ص194 ـ 195.
- (3) سورة الإسراء 17: 78.
- (4) مجمع البحرين 2: 1319.
- (5) في ص131 ـ 132، وتأتي بعضها في ص221.
- (6) تقدّمت في ص197 ـ 200.
- (7) تقدّمت في ص194 ـ 195.
( صفحه 203 )
الانتصاف. وأمّا استمراره إليه فلا.
وعلى ما ذكرنا فالآية إنّما تنفي أخبار الفجر فقط على خلاف ما صرّح به بعض الأعلام(1) من جعل الآية قرينة على التصرّف في أخبار الشفق أيضاً، مع أنّه عرفت عدم ثبوت المنافاة بوجه.
وبالجملة: لا محيص بملاحظة الآية من التصرّف في أخبار الفجر بالحمل على موارد الاضطرار، أو رفع اليد عنها لو لم يمكن الالتزام بالحمل المذكور.
وأمّا لو كان مفاد أخبار الفجر هو الامتداد إليه في الجملة ولو في خصوص مواردها من النائم، والناسي، والحائض، فلابدّ من ملاحظة أنّها هل تكون معرضاً عنها عند المشهور، ولازمه سقوطها عن الحجّية ولو بالنسبة إلى المضطرّ، أم لا؟
قد يقال(2) بعدم ثبوت الإعراض; لأنّه ـ مضافاً إلى ذهاب من تقدّم(3)إلى القول بالامتداد إلى الفجر ـ يظهر من الشيخ (قدس سره) في موضع آخر من محكيّ الخلاف عدم الخلاف في ذلك، حيث قال: إذا أدرك بمقدار ما يصلّي فيه خمس ركعات قبل المغرب لزمته الصلاتان بلا خلاف، وإن لحق أقلّ من ذلك لم يلزمه الظهر عندنا، وكذلك القول في المغرب والعشاء الآخرة قبل طلوع الفجر(4).
فإنّ ظاهره عدم انقضاء الوقت إلاّ بطلوع الفجر، وأنّ ذلك محلّ اتّفاق بين
- (1) التنقيح في شرح العروة الوثقى، كتاب الصلاة 1: 160 ـ 169.
- (2) نهاية التقرير 1: 145.
- (3) في ص192ـ193.
- (4) الخلاف 1: 273 مسألة 14.
( صفحه 204 )
المسلمين من العامّة والخاصّة، وحينئذ كيف يمكن دعوى الإعراض وثبوت الشهرة على خلاف أخبار الفجر.
ويؤيّدها الأخبار الكثيرة(1) الدالّة على حرمة تأخير العشاء عن انتصاف الليل، وكذا ما دلّ على ثبوت كفّارة صوم يوم على من أخّر العشاء عنه(2); وإن كان يجري فيهما احتمال كون الحرمة، وكذا الكفّارة ليس لأجل خروج وقتها بذلك، بل نفس الحكم بالحرمة ربما يشعر بعدم انقضاء الوقت،
فتدبّر.
وكيف كان، فعلى تقدير عدم ثبوت الإعراض يكون مقتضى الجمع بين أخبار الفجر(3)، وبين الآية وروايات الانتصاف(4)، هو حملهما على بيان وقت المختار، وحملها على موارد الاضطرار، ولا مجال لحملها على التقيّة بعد كون الحمل عليها إنّما هو في مورد عدم إمكان الجمع من حيث الدلالة.
مضافاً إلى أنّ المشهور(5) بين العامّة غير ذلك; فإنّ القائل بالامتداد إلى الفجر منهم إنّما هو مالك على ما تقدّم(6)، والفتوى المشهورة هو الامتداد
إلى الشفق(7).
وما تقدّم من عبارة الخلاف لا دلالة له على كون الامتداد إلى الفجر ممّا لا خلاف فيه بينهم; لأنّ الجمع بين الصلاتين عندهم يختلف وجهه مع ما هو
- (1) لاحظ وسائل الشيعة 4: 183، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب17.
- (2) وسائل الشيعة 4: 214 و 216، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب29 ح3 و 8 .
- (3) تقدّمت في ص197 ـ 200.
- (4) تقدّمت في ص197.
- (5 ـ 7) يلاحظ ص191 ـ 192.
( صفحه 205 )
الوجه فيه عند الإماميّة; فإنّ الوجه فيه عندنا هو ثبوت الوقتين لكلتا الصلاتين، فإذا أتى بالظهرين بعد الزوال بلا فصل فهو جائز عندنا من حيث دخول وقت العصر بمجرّد الفراغ عن الظهر، كما أنّه لو أتى بهما في آخر الوقت يكون وجه جوازه بقاء وقت الظهر وعدم خروجه بعد.
وأمّا الجمع عندهم فهو عبارة عن وقوع إحدى الصلاتين في الوقت المختصّ بالاُخرى، كأنّ إحدى الصلاتين تضيف الاُخرى في وقتها، ولذا يكون جوازه متوقّفاً على الدليل، ولا يجوز إلاّ في موارد مخصوصة(1).
وكيف كان، فحمل أخبار الفجر على التقيّة لا وجه له أصلاً، فاللاّزم الالتزام بالامتداد إلى طلوع الفجر بالإضافة إلى المضطرّ، والأحوط عدم قصد الأداء والقضاء، بل يأتي بها بقصد ما في الذمّة.
بقي الكلام فيما يعرف به انتصاف الليل وما هو المناط فيه، فالمنسوب إلى أكثر أهل اللغة والمفسِّرين، والفقهاء والمحدِّثين، والحكماء الإلهيّين والرياضيّين، أنّ المناط نصف ما بين غروب الشمس وطلوع الفجر الثاني، وأنّ ما بين الطلوعين يكون من النهار(2)، ونسب إلى جماعة قليلين ـ كظاهر محكيّ الكفاية، وظاهر الذكرى، والمفاتيح، وشرحها ـ أنّ المناط نصف ما بين غروب الشمس وطلوعها، وأنّ ما بين الطلوعين يكون من الليل(3).
واحتمل أن يكون ما بين الطلوعين خارجاً من الليل والنهار معاً. وعليه:
- (1) تقدّم ذكرها وتخريجها في ص148 ـ 149.
- (2) بحار الأنوار 83 : 74 ـ 145 ب10، جواهر الكلام 7: 355 ـ 377.
- (3) كفاية الفقه، المشتهر بـ «كفاية الأحكام» 1: 77 ـ 78، ذكرى الشيعة 2: 406 ـ 407 مسألة 15، مفاتيح الشرائع 1: 94 مفتاح 105، مصابيح الظلام 5: 498 ـ 499.