( صفحه 265 )وهذا لا يكفي في دلالة الرواية على المدّعى; لأنّه يكفي في تلك الخصوصيّة وجود الحزازة في التأخير عن وقت الفضيلة في الحضر، وانتفاؤها في السفر(1).
ويرد على الجواب الأوّل: وضوح ثبوت الإطلاق لكلمة «شيئاً»، وأنّ الاختيار إنّما هو بيد المصلّي، والغرض نفي الإتيان بجميع الصلوات في غير أوقاتها. وعليه: فمقتضى الإطلاق الشمول للنوافل كإطلاق الرجل في قوله: «أكرم رجلاً» الشامل لغير العالم أيضاً.
وعلى الجواب الثاني: أنّ إطلاق قوله (عليه السلام) : «في غير وقتها» وإن كان شاملاً للتقديم على الوقت أيضاً، إلاّ أنّ عموم قوله (عليه السلام) : «الصلوات» شامل للصلوات المفروضات أيضاً، ولا ترجيح للإطلاق على العموم لو لم نقل بالعكس من جهة توقّف الإطلاق على عدم البيان، والعامّ يصلح لأن يكون بياناً.
وإن شئت قلت: إنّ هنا إطلاقين: أحدهما: الإطلاق المذكور. والثاني: إطلاق قوله (عليه السلام) : «شيئاً»، ولا ترجيح للأوّل على الثاني، كما لايخفى.
وأمّا الجواب الثالث: فهو صحيح بعد أنّه لا مفهوم للقضيّة الشرطيّة أصلاً، كما قد قرّر في محلّه(2).
ومنها: رواية أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث: إنّ الصلاة إذا ارتفعت في وقتها رجعت إلى صاحبها; وهي بيضاء مشرقة تقول: حفظتني حفظك الله، وإذا ارتفعت في غير وقتها بغير حدودها رجعت إلى صاحبها;
- (1) التنقيح في شرح العروة الوثقى، كتاب الصلاة 1: 140 ـ 141، المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 11: 99 ـ 100.
- (2) معتمد الاُصول 1: 236 ـ 256، دراسات في الاُصول 2: 112 ـ 121، كفاية الاُصول: 231 ـ 237.
( صفحه 266 )وهي سوداء مظلمة تقول: ضيّعتني ضيّعك الله(1).
والرواية على نسخة الكافي ـ على ما حكي(2) ـ مشتملة على لفظة «أوّل»، فهي هكذا: «إذا ارتفعت في أوّل وقتها». وعلى هذه النسخة لا يجوز الاستدلال بها; لوضوح عدم وجوب الإتيان بالصلاة في أوّل وقتها، ولا قائل بوجوب إيقاعها في أوّل الوقت الأوّل، ولا يلتزم به حتّى صاحب الحدائق.
نعم، على نسخة غيره قابلة للاستدلال بها لو لم يكن الارتفاع في غير الوقت مقيّداً بغير الحدود. وأمّا مع هذا التقييد كما في الرواية، يكون مفادها: أنّ رجوعها إلى صاحبها سوداء مظلمة إذا أتى بها في غير الوقت الأوّل فيما إذا كانت حدودها غير مرعيّة ولم يهتمّ بشأنها، وهذا خارج عمّا هو محلّ الكلام.
ومنها: بعض الروايات(3) الاُخر، الذي يظهر الاستدلال به والجواب عنه ممّا ذكرنا في هذه الروايات، ولا نطيل بإيراده على التفصيل.
إذا عرفت ما ذكرنا من أنّ اختلاف الوقتين إنّما هو بالفضيلة والإجزاء دون الاختياريّة والاضطراريّة، يقع الكلام في أوقات الفضيلة في ضمن مسائل:
المسألة الاُولى: في وقت فضيلة الظهرين، والكلام فيه تارة: من حيث
- (1) الكافي 3: 268 ح4، الفقيه 1: 134 ح627، تهذيب الأحكام 2: 239 ح946، وعنها وسائل الشيعة 4: 108، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب1 ح2.
- (2) التنقيح في شرح العروة الوثقى، كتاب الصلاة 1: 142.
- (3) أي المذكور في الحدائق الناضرة 6: 94 ـ 99.
( صفحه 267 )المبدأ، واُخرى: من حيث المنتهى.
أمّا من حيث المبدأ، فالمعروف بين الأصحاب(1) ـ رضي الله عنهم ـ أنّ مبدأ وقت الفضيلة لصلاة الظهر هو الزوال إلى أن يبلغ الظلّ الحادث بعد الانعدام أو بعد الانتهاء مثل الشاخص، ووقت فضيلة العصر من المثل إلى المثلين، ونفى السيّد في العروة(2) البُعد عن أن يكون مبدأ وقت فضيلة صلاة العصر أيضاً هو الزوال، ومنتهاه هو المثلان.
ويمكن الاستدلال لكون مبدأ وقت الفضيلة في صلاة الظهر هو الزوال بالأخبار الكثيرة المتقدّمة(3)، الدالّة على أنّه إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين، بضميمة الأخبار الدالّة على فضيلة أوّل الوقت، وأنّه «رضوان الله» و«أنّ فضله على آخر الوقت كفضل الآخرة على الدنيا»، وأشباه ذلك من التعبيرات الواردة في الروايات(4).
كما أنّه يدلّ على ما ذكره المشهور موثّقة معاوية بن وهب المتقدّمة(5)، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أتى جبرئيل (عليه السلام) رسول الله (صلى الله عليه وآله) بمواقيت الصلاة، فأتاه حين زالت الشمس، فأمره فصلّى الظهر، ثمّ أتاه حين زاد الظلّ قامة، فأمره فصلّى العصر ـ إلى أن قال: ـ ثمّ أتاه من الغد حين زاد في الظلّ قامة، فأمره فصلّى
- (1) التنقيح في شرح العروة الوثقى، كتاب الصلاة 1: 207، وفي ذكرى الشيعة 2: 325 ومسالك الأفهام 1: 141 ـ 142، والحدائق الناضرة 6: 123 ـ 124، ومفتاح الكرامة 5: 58 و 74، أنّه المشهور.
- (2) العروة الوثقى 1: 367.
- (3) في ص134 ـ 135، 137 ـ 138 و 139.
- (4) وسائل الشيعة 4: 118 ـ 124، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب3.
- (5) في ص232 ـ 233، 251 و 262 ـ 263.
( صفحه 268 )الظهر، ثمّ أتاه حين زاد في الظلّ قامتان، فأمره فصلّى العصر...، ثمّ قال: ما بينهما وقت.
لدلالتها على أنّ ما بين الزوال وصيرورة الظلّ قامة وقت لصلاة الظهر، كما أنّ ما بين القامة والقامتين وقت للعصر، وقد مرّ(1) أنّ المراد من الوقت الأوّل هو وقت الفضيلة.
وقد ذكر بعض الأعلام أنّ الأخبار الواردة في المقام على طوائف ثلاث:
الاُولى: ما دلّ على أنّ مبدأ وقت الفضيلة لصلاة الظهر بلوغ الظلّ قدماً بعد الزوال، ولصلاة العصر قدمين; وهي جملة من الأخبار:
منها: صحيحة إسماعيل بن عبد الخالق قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن وقت الظهر؟ فقال: بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك إلاّ في يوم الجمعة، أو في السفر; فإنّ وقتها حين تزول(2).
ومنها: موثّقة سعيد الأعرج، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن وقت الظهر، أهو إذا زالت الشمس؟ فقال: بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك، إلاّ في السفر أو يوم الجمعة; فإنّ وقتها إذا زالت(3).
ومنها: موثقة ذريح المحاربي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سأل أبا عبد الله اُناس وأنا حاضر ـ إلى أن قال: ـ فقال بعض القوم: إنّا نصلّي الاُولى إذا كانت على قدمين، والعصر على أربعة أقدام؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : النصف من ذلك
- (1) في ص263.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 21 ح59، وج3: 13 ح45، الاستبصار 1: 412 ح1577، وص247 ح885 ، وعنهما وسائل الشيعة 4: 144، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب8 ح11.
- (3) تقدّمت في ص136.
( صفحه 269 )أحبّ إليّ(1).
والنصف منهما هو القدم والقدمان.
أقول: لم يظهر لي وجه دلالة هذه الطائفة على كون مبدأ وقت الفضيلة بلوغ الظلّ قدماً أو قدمين; فإنّ ظاهرها أنّ ذلك مبدأ وقت الإجزاء; لظهور الوقت فيه أوّلاً، فهذه الطائفة لا دلالة لها في نفسها على ذلك; لظهورها في كون ذلك وقت الإجزاء.
نعم، لو لوحظت مع الروايات الكثيرة المتقدّمة(2)، الدالّة على أنّ مبدأ وقت الإجزاء هو الزوال، لأمكن حمل هذه الطائفة على بيان وقت الفضيلة، ولكنّه لا شاهد لهذا الحمل; لإمكان حملها على كون التأخير إنّما هو لرعاية النافلة ومكانها، كما وقع التصريح بذلك في بعض روايات الطائفة الآتية، وليس التأخير لأجل ذلك ملازماً لعدم كون أوّل الوقت وقت الفضيلة حتّى بالإضافة إلى من يأتي بالنافلة; فإنّ الترك في أوّل الوقت يمكن أن يكون لأجل مزاحمة ما هو أهمّ وأفضل.
وكيف كان، فلم تظهر دلالة هذه الطائفة على كون ما ذكر فيها مبدأً لوقت الفضيلة.
الطائفة الثانية: ما دلّت على أنّ وقت الفضيلة لصلاة الظهر ما إذا بلغ الظلّ قدمين، ولصلاة العصر ما إذا بلغ أربعة أقدام، وقد يعبّر عنهما بالذراع
- (1) تهذيب الأحكام 2: 246 ح978، الاستبصار 1: 249 ح897 ، وعنهما وسائل الشيعة 4: 146، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب8 ح22، وتقدّم صدره في ص138.
- (2) في ص134 ـ 135، 137 ـ 138 و 139.