( صفحه 268 )الظهر، ثمّ أتاه حين زاد في الظلّ قامتان، فأمره فصلّى العصر...، ثمّ قال: ما بينهما وقت.
لدلالتها على أنّ ما بين الزوال وصيرورة الظلّ قامة وقت لصلاة الظهر، كما أنّ ما بين القامة والقامتين وقت للعصر، وقد مرّ(1) أنّ المراد من الوقت الأوّل هو وقت الفضيلة.
وقد ذكر بعض الأعلام أنّ الأخبار الواردة في المقام على طوائف ثلاث:
الاُولى: ما دلّ على أنّ مبدأ وقت الفضيلة لصلاة الظهر بلوغ الظلّ قدماً بعد الزوال، ولصلاة العصر قدمين; وهي جملة من الأخبار:
منها: صحيحة إسماعيل بن عبد الخالق قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن وقت الظهر؟ فقال: بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك إلاّ في يوم الجمعة، أو في السفر; فإنّ وقتها حين تزول(2).
ومنها: موثّقة سعيد الأعرج، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن وقت الظهر، أهو إذا زالت الشمس؟ فقال: بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك، إلاّ في السفر أو يوم الجمعة; فإنّ وقتها إذا زالت(3).
ومنها: موثقة ذريح المحاربي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سأل أبا عبد الله اُناس وأنا حاضر ـ إلى أن قال: ـ فقال بعض القوم: إنّا نصلّي الاُولى إذا كانت على قدمين، والعصر على أربعة أقدام؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : النصف من ذلك
- (1) في ص263.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 21 ح59، وج3: 13 ح45، الاستبصار 1: 412 ح1577، وص247 ح885 ، وعنهما وسائل الشيعة 4: 144، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب8 ح11.
- (3) تقدّمت في ص136.
( صفحه 269 )أحبّ إليّ(1).
والنصف منهما هو القدم والقدمان.
أقول: لم يظهر لي وجه دلالة هذه الطائفة على كون مبدأ وقت الفضيلة بلوغ الظلّ قدماً أو قدمين; فإنّ ظاهرها أنّ ذلك مبدأ وقت الإجزاء; لظهور الوقت فيه أوّلاً، فهذه الطائفة لا دلالة لها في نفسها على ذلك; لظهورها في كون ذلك وقت الإجزاء.
نعم، لو لوحظت مع الروايات الكثيرة المتقدّمة(2)، الدالّة على أنّ مبدأ وقت الإجزاء هو الزوال، لأمكن حمل هذه الطائفة على بيان وقت الفضيلة، ولكنّه لا شاهد لهذا الحمل; لإمكان حملها على كون التأخير إنّما هو لرعاية النافلة ومكانها، كما وقع التصريح بذلك في بعض روايات الطائفة الآتية، وليس التأخير لأجل ذلك ملازماً لعدم كون أوّل الوقت وقت الفضيلة حتّى بالإضافة إلى من يأتي بالنافلة; فإنّ الترك في أوّل الوقت يمكن أن يكون لأجل مزاحمة ما هو أهمّ وأفضل.
وكيف كان، فلم تظهر دلالة هذه الطائفة على كون ما ذكر فيها مبدأً لوقت الفضيلة.
الطائفة الثانية: ما دلّت على أنّ وقت الفضيلة لصلاة الظهر ما إذا بلغ الظلّ قدمين، ولصلاة العصر ما إذا بلغ أربعة أقدام، وقد يعبّر عنهما بالذراع
- (1) تهذيب الأحكام 2: 246 ح978، الاستبصار 1: 249 ح897 ، وعنهما وسائل الشيعة 4: 146، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب8 ح22، وتقدّم صدره في ص138.
- (2) في ص134 ـ 135، 137 ـ 138 و 139.
( صفحه 270 )والذراعين، وذكر أنّ الأخبار في ذلك كثيرة، ولا يبعد دعوى تواترها إجمالاً، مضافاً إلى اشتمالها على جملة من الصحاح والأخبار المعتبرة:
منها: صحيحة فضيل بن يسار، وزرارة بن أعين، وبكير بن أعين، ومحمد بن مسلم، وبريد بن معاوية العجلي، عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) أنّهما قالا: وقت الظهر بعد الزوال قدمان، ووقت العصر بعد ذلك قدمان.
ورواه الشيخ عن الفضيل والجماعة المذكورين مثله، وزاد: وهذا أوّل وقت إلى أن يمضي أربعة أقدام للعصر(1).
ومنها: صحيحة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن وقت الظهر؟ فقال: ذراع من زوال الشمس، ووقت العصر ذراعاً (ذراعان خ ل) من وقت الظهر، فذاك أربعة أقدام من زوال الشمس، ثمّ قال: إنّ حائط مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان قامة، وكان إذا مضى منه ذراع صلّى الظهر، وإذا مضى منه ذراعان صلّى العصر، الحديث(2).
ومنها: صحيحة عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث قال: كان حائط مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) قبل أن يظلّل قامة، وكان إذا كان الفيء ذراعاً وهو قدر مربض عنز صلّى الظهر، فإذا كان ضعف ذلك صلّى العصر(3).
ومنها: صحيحة إسماعيل الجعفي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله)
- (1) تقدّمت في ص135.
- (2) تقدّمت في ص98.
- (3) الكافي 3: 295 ح1، تهذيب الأحكام 3: 261 ح738، وعنهما وسائل الشيعة 4: 142، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب8 ح7.
( صفحه 271 )إذا كان الفيء في الجدار ذراعاً صلّى الظهر، وإذا كان ذراعين صلّى العصر. قلت: الجدران تختلف، منها قصير ومنها طويل؟ قال: إنّ جدار مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يومئذ قامة، وإنّما جعل الذراع والذراعان لئلاّ يكون تطوّع في وقت فريضة(1).
أقول: اشتمال رواية زرارة على تعليل التأخير إلى الذراع بمكان النافلة ورعايتها ظاهر في أنّ الذراع والذراعين لا يكونان مبدءين لوقت الفضيلة، وإلاّ لكان المناسب التعليل بذلك، خصوصاً مع اشتمال كثير من روايات هذه الطائفة على حكاية عمل رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وأنّه كان يؤخِّر إلى الوقتين; فإنّه لو كان الوقتان مبدءين للفضيلة، ولا يكون وجه لبيان أنّ النكتة فيه رعاية النافلة، ولحاظ المتنفّلين المشتغلين بالنافلة بعد الزوال، كما لايخفى.
فهذه الطائفة أيضاً لا دلالة لها على خلاف ما عليه المشهور أصلاً.
الطائفة الثالثة: ما استدلّ به على مذهب المشهور...، وهي أيضاً عدّة روايات:
منها: رواية يزيد بن خليفة قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : إنّ عمر بن حنظلة أتانا عنك بوقت، فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : إذاً لا يكذب علينا. قلت: ذكر أنّك قلت: إنّ أوّل صلاة افترضها الله على نبيّه الظهر; وهو قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ)(2)، فإذا زالت الشمس لم يمنعك إلاّ سبحتك، ثمّ لا تزال في وقت إلى أن يصير الظلّ قامة، وهو آخر الوقت فإذا صار الظلّ
- (1) تقدّمت في ص101 ـ 102.
- (2) سورة الإسراء 17: 78.
( صفحه 272 )قامة دخل وقت العصر، فلم تزل في وقت العصر حتّى يصير الظلّ قامتين، وذلك المساء؟ قال: صدق(1).
وناقش فيها بضعف السند; لعدم توثيق يزيد بن خليفة.
ومنها: رواية محمد بن حكيم قال: سمعت العبد الصالح (عليه السلام) وهو يقول: إنّ أوّل وقت الظهر زوال الشمس، وآخر وقتها قامة من الزوال، وأوّل وقت العصر قامة، وآخر وقتها قامتان. قلت: في الشتاء والصيف سواء؟ قال: نعم(2).
وناقش فيها أيضاً بضعف السند; لعدم توثيق محمد بن حكيم.
ومنها: صحيحة أحمد بن عمر، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: سألته عن وقت الظهر والعصر فقال: وقت الظهر إذا زاغت الشمس إلى أن يذهب الظلّ قامة، ووقت العصر قامة ونصف إلى قامتين(3).
وناقش فيها من حيث الدلالة; لعدم إمكان إرادة أنّ وقت الفضيلة أو الوقت الأوّل إنّما هو بعد القامة إلى قامة ونصف إلى قامتين; لأنّه ممّا لا قائل به، فلا مناص من أن تكون ناظرة إلى بيان منتهى وقت الفضيلة، أو الوقت الأوّل، وأنّه ينتهي إلى قامة ونصف من الزوال إلى قامتين حسب اختلافهما
- (1) الكافي 3: 275 ح1، تهذيب الأحكام 2: 20 ح56، وعنهما وسائل الشيعة 4: 133، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب5 ح6.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 251 ح994، الاستبصار 1: 256 ح917، وعنهما وسائل الشيعة 4: 148، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب8 ح29.
- (3) تهذيب الأحكام 2: 19 ح52، الاستبصار 1: 247 ح883 ، وعنهما وسائل الشيعة 4: 143، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب8 ح9.