( صفحه 263 )ثمّ أتاه من الغد حين زاد في الظلّ قامة، فأمره فصلّى الظهر، ثمّ أتاه حين زاد في الظلّ قامتان، فأمره فصلّى العصر، ثمّ أتاه حين غربت الشمس، فأمره فصلّى المغرب، ثمّ أتاه حين ذهب ثلث الليل، فأمره فصلّى العشاء، ثمّ أتاه حين نوّر الصبح فأمره فصلّى الصبح، ثمّ قال: ما بينهما وقت(1).
والاستدلال بها مبنيّ على دعوى ظهور الرواية في اختصاص الوقت بما بين الزمانين المختلفين، الذين جاء فيهما جبرئيل في يومين.
والجواب: ـ مضافاً إلى أنّ ظاهر الرواية هو ثبوت وقت بينهما، وأمّا أنّ الوقت هو الوقت الاختياري كما يقول به المستدلّ، أو وقت الفضيلة كما يقول به غيره، فلادلالة للرواية عليه. وبعبارة اُخرى: لابدّ من اشتمال الوقت المذكور على خصوصيّة، ولا دلالة للرواية على بيانها أصلاً ـ : أنّ الوقت الاختياري لو كان منحصراً بما بين الحدّين، فكيف صلّى النبيّ (صلى الله عليه وآله) الظهر في المرّة الثانية بعد الحدّ الثاني مع ظهور التحديد في لزوم وقوعها فيما بين الحدّين، وظهور عدم عروض الاضطرار فيها؟ فاللاّزم الحمل على وقت الفضيلة، كما لا يخفى.
ومنها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا صلّيت في السفر شيئاً من الصلوات في غير وقتها فلا يضرّك(2).
وتقريب الاستدلال بها أنّ الضرورة قاضية بعدم جواز الإتيان بالفرائض
- (1) تقدّمت في ص232 ـ 233، وقطعتين منها في ص251.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 141 ح551، وج3: 235 ح616، الاستبصار 1: 244 ح869 ، الفقيه 1: 358 ح1574، وعنها وسائل الشيعة 4: 115، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب1 ح27، وص168 ب13 ح9.
( صفحه 264 )في غير أوقاتها المعيّنة، بلا فرق في ذلك بين السفر والحضر، فلابدّ من أن يكون المراد بالوقت فيها هو الوقت الاختياري الذي لا يجوز التأخير عنه إلاّ عند الاضطرار، والسفر أيضاً من جملة الأعذار، ففي الحقيقة تكون الرواية مسوقة لبيان ذلك، وأنّ السفر أيضاً مجوِّز للتأخير عن الوقت الاختياري، فلا يتحقّق الضرر فيه، ومفهومه أنّ التأخير يضرّ في غير السفر.
وأجاب عنها بعض الأعلام أوّلاً: بأنّ قوله (عليه السلام) «شيئاً من الصلوات» نكرة في سياق الإثبات، وهي لا تدلّ على العموم، بل يلائم مع البعض، فالرواية تدلّ على أنّ بعض الصلوات كذلك، وليكن هو النوافل; لجواز الإتيان ببعضها في غير أوقاتها في خصوص السفر.
وثانياً: بأنّ الصلاة في غير وقتها أعمّ من تأخيرها عن وقتها; لشموله لتقديمها على وقتها أيضاً، ومن الواضح: عدم انطباق ذلك إلاّ على النوافل; لوضوح أنّ الفرائض لا يجوز تقديمها على أوقاتها في شيء من الموارد، بخلاف النوافل كصلاة الليل، حيث يجوز تقديمها على الانتصاف للمسافر اختياراً.
وثالثاً: بأنّه لو سلّم ما ذكر لا يكون للرواية مفهوم أصلاً; لأنّ مفهومها: إذالم تصلِّ في السفر شيئاً من الصلوات في غير وقتها فلا يضرّك، وهو من السالبة بانتفاء الموضوع; لأنّه مع عدم الإتيان بالصلاة لا موضوع حتّى يؤتى به في وقته أو في غير وقته. نعم، تقييد الموضوع بقيد في الكلام يدلّ على أنّ الحكم غير مترتّب على المطلق، بل على حصّة خاصّة منه، وإلاّ تلزم لغويّة التقييد.
وعليه: فلابدّ من القول بأنّ السفر له خصوصيّة في الحكم بعدم الضرر،
( صفحه 265 )وهذا لا يكفي في دلالة الرواية على المدّعى; لأنّه يكفي في تلك الخصوصيّة وجود الحزازة في التأخير عن وقت الفضيلة في الحضر، وانتفاؤها في السفر(1).
ويرد على الجواب الأوّل: وضوح ثبوت الإطلاق لكلمة «شيئاً»، وأنّ الاختيار إنّما هو بيد المصلّي، والغرض نفي الإتيان بجميع الصلوات في غير أوقاتها. وعليه: فمقتضى الإطلاق الشمول للنوافل كإطلاق الرجل في قوله: «أكرم رجلاً» الشامل لغير العالم أيضاً.
وعلى الجواب الثاني: أنّ إطلاق قوله (عليه السلام) : «في غير وقتها» وإن كان شاملاً للتقديم على الوقت أيضاً، إلاّ أنّ عموم قوله (عليه السلام) : «الصلوات» شامل للصلوات المفروضات أيضاً، ولا ترجيح للإطلاق على العموم لو لم نقل بالعكس من جهة توقّف الإطلاق على عدم البيان، والعامّ يصلح لأن يكون بياناً.
وإن شئت قلت: إنّ هنا إطلاقين: أحدهما: الإطلاق المذكور. والثاني: إطلاق قوله (عليه السلام) : «شيئاً»، ولا ترجيح للأوّل على الثاني، كما لايخفى.
وأمّا الجواب الثالث: فهو صحيح بعد أنّه لا مفهوم للقضيّة الشرطيّة أصلاً، كما قد قرّر في محلّه(2).
ومنها: رواية أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث: إنّ الصلاة إذا ارتفعت في وقتها رجعت إلى صاحبها; وهي بيضاء مشرقة تقول: حفظتني حفظك الله، وإذا ارتفعت في غير وقتها بغير حدودها رجعت إلى صاحبها;
- (1) التنقيح في شرح العروة الوثقى، كتاب الصلاة 1: 140 ـ 141، المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 11: 99 ـ 100.
- (2) معتمد الاُصول 1: 236 ـ 256، دراسات في الاُصول 2: 112 ـ 121، كفاية الاُصول: 231 ـ 237.
( صفحه 266 )وهي سوداء مظلمة تقول: ضيّعتني ضيّعك الله(1).
والرواية على نسخة الكافي ـ على ما حكي(2) ـ مشتملة على لفظة «أوّل»، فهي هكذا: «إذا ارتفعت في أوّل وقتها». وعلى هذه النسخة لا يجوز الاستدلال بها; لوضوح عدم وجوب الإتيان بالصلاة في أوّل وقتها، ولا قائل بوجوب إيقاعها في أوّل الوقت الأوّل، ولا يلتزم به حتّى صاحب الحدائق.
نعم، على نسخة غيره قابلة للاستدلال بها لو لم يكن الارتفاع في غير الوقت مقيّداً بغير الحدود. وأمّا مع هذا التقييد كما في الرواية، يكون مفادها: أنّ رجوعها إلى صاحبها سوداء مظلمة إذا أتى بها في غير الوقت الأوّل فيما إذا كانت حدودها غير مرعيّة ولم يهتمّ بشأنها، وهذا خارج عمّا هو محلّ الكلام.
ومنها: بعض الروايات(3) الاُخر، الذي يظهر الاستدلال به والجواب عنه ممّا ذكرنا في هذه الروايات، ولا نطيل بإيراده على التفصيل.
إذا عرفت ما ذكرنا من أنّ اختلاف الوقتين إنّما هو بالفضيلة والإجزاء دون الاختياريّة والاضطراريّة، يقع الكلام في أوقات الفضيلة في ضمن مسائل:
المسألة الاُولى: في وقت فضيلة الظهرين، والكلام فيه تارة: من حيث
- (1) الكافي 3: 268 ح4، الفقيه 1: 134 ح627، تهذيب الأحكام 2: 239 ح946، وعنها وسائل الشيعة 4: 108، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب1 ح2.
- (2) التنقيح في شرح العروة الوثقى، كتاب الصلاة 1: 142.
- (3) أي المذكور في الحدائق الناضرة 6: 94 ـ 99.
( صفحه 267 )المبدأ، واُخرى: من حيث المنتهى.
أمّا من حيث المبدأ، فالمعروف بين الأصحاب(1) ـ رضي الله عنهم ـ أنّ مبدأ وقت الفضيلة لصلاة الظهر هو الزوال إلى أن يبلغ الظلّ الحادث بعد الانعدام أو بعد الانتهاء مثل الشاخص، ووقت فضيلة العصر من المثل إلى المثلين، ونفى السيّد في العروة(2) البُعد عن أن يكون مبدأ وقت فضيلة صلاة العصر أيضاً هو الزوال، ومنتهاه هو المثلان.
ويمكن الاستدلال لكون مبدأ وقت الفضيلة في صلاة الظهر هو الزوال بالأخبار الكثيرة المتقدّمة(3)، الدالّة على أنّه إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين، بضميمة الأخبار الدالّة على فضيلة أوّل الوقت، وأنّه «رضوان الله» و«أنّ فضله على آخر الوقت كفضل الآخرة على الدنيا»، وأشباه ذلك من التعبيرات الواردة في الروايات(4).
كما أنّه يدلّ على ما ذكره المشهور موثّقة معاوية بن وهب المتقدّمة(5)، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أتى جبرئيل (عليه السلام) رسول الله (صلى الله عليه وآله) بمواقيت الصلاة، فأتاه حين زالت الشمس، فأمره فصلّى الظهر، ثمّ أتاه حين زاد الظلّ قامة، فأمره فصلّى العصر ـ إلى أن قال: ـ ثمّ أتاه من الغد حين زاد في الظلّ قامة، فأمره فصلّى
- (1) التنقيح في شرح العروة الوثقى، كتاب الصلاة 1: 207، وفي ذكرى الشيعة 2: 325 ومسالك الأفهام 1: 141 ـ 142، والحدائق الناضرة 6: 123 ـ 124، ومفتاح الكرامة 5: 58 و 74، أنّه المشهور.
- (2) العروة الوثقى 1: 367.
- (3) في ص134 ـ 135، 137 ـ 138 و 139.
- (4) وسائل الشيعة 4: 118 ـ 124، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب3.
- (5) في ص232 ـ 233، 251 و 262 ـ 263.