( صفحه 272 )قامة دخل وقت العصر، فلم تزل في وقت العصر حتّى يصير الظلّ قامتين، وذلك المساء؟ قال: صدق(1).
وناقش فيها بضعف السند; لعدم توثيق يزيد بن خليفة.
ومنها: رواية محمد بن حكيم قال: سمعت العبد الصالح (عليه السلام) وهو يقول: إنّ أوّل وقت الظهر زوال الشمس، وآخر وقتها قامة من الزوال، وأوّل وقت العصر قامة، وآخر وقتها قامتان. قلت: في الشتاء والصيف سواء؟ قال: نعم(2).
وناقش فيها أيضاً بضعف السند; لعدم توثيق محمد بن حكيم.
ومنها: صحيحة أحمد بن عمر، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: سألته عن وقت الظهر والعصر فقال: وقت الظهر إذا زاغت الشمس إلى أن يذهب الظلّ قامة، ووقت العصر قامة ونصف إلى قامتين(3).
وناقش فيها من حيث الدلالة; لعدم إمكان إرادة أنّ وقت الفضيلة أو الوقت الأوّل إنّما هو بعد القامة إلى قامة ونصف إلى قامتين; لأنّه ممّا لا قائل به، فلا مناص من أن تكون ناظرة إلى بيان منتهى وقت الفضيلة، أو الوقت الأوّل، وأنّه ينتهي إلى قامة ونصف من الزوال إلى قامتين حسب اختلافهما
- (1) الكافي 3: 275 ح1، تهذيب الأحكام 2: 20 ح56، وعنهما وسائل الشيعة 4: 133، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب5 ح6.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 251 ح994، الاستبصار 1: 256 ح917، وعنهما وسائل الشيعة 4: 148، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب8 ح29.
- (3) تهذيب الأحكام 2: 19 ح52، الاستبصار 1: 247 ح883 ، وعنهما وسائل الشيعة 4: 143، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب8 ح9.
( صفحه 273 )في الفضيلة، وبذلك تسقط عن الدلالة على مذهب المشهور.
ومنها: صحيحة ابن أبي نصر البزنطي قال: سألته عن وقت صلاة الظهر والعصر؟ فكتب: قامة للظهر وقامة للعصر(1).
وقد ذكر أنّ دلالتها على مذهب المشهور تبتني على أن تكون الصحيحة ناظرة إلى بيان المبدأ والمنتهى معاً، بأن يراد منها أنّ مبدأ وقت فضيلة الظهر أوّل الزوال ومنتهاه قامة، ووقت فضيلة صلاة العصر من القامة الاُولى إلى الثانية، ومن البعيد كون الصحيحة ناظرة إلى ذلك; لبعد أن يكون مثل ابن أبي نصر البزنطي جاهلاً بأوّل وقت الفضيلة، وغير عالم بمبدئه.
والظاهر أنّ سؤاله إنّما هو عن منتهى الوقتين، والمبدأ بحسب ما ارتكز في ذهنه هو أوّل الزوال. وعليه: فلا يمكن الاستدلال بها للمشهور; لأنّهم ذهبوا إلى أنّ مبدأ وقت فضيلة العصر بعد القامة الاُولى لا الزوال.
أقول: وهذا الكلام عجيب جدّاً، أمّا أوّلاً: فلأنّه كيف يكون جهل مثل ابن أبي نصر بأوّل وقت الفضيلة بعيداً، ولا يكون جهله بآخره كذلك؟! وأمّا ثانياً: فلأنّه كيف ارتكز في ذهنه أنّ مبدأ وقتي الفضيلة هو الزوال، مع أنّه خلاف ما عليه المشهور، وخلاف ما يقول به أنتم أيضاً؟ وهل ارتكز في ذهنه ما ليس بواقع؟ ومن الممكن أن يكون المرتكز في ذهنه أنّ مبدأ وقت فضيلة الظهر الزوال، والعصر القامة. نعم، لا دليل على إثبات هذا الارتكاز، كما لا يخفى.
ومنها: موثقة زرارة قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن وقت صلاة الظهر
( صفحه 274 )في القيظ؟ فلم يجبني، فلمّا أن كان بعد ذلك قال لعمر بن سعيد بن هلال: إنّ زرارة سألني عن وقت صلاة الظهر في القيظ فلم اُخبره، فخرجت (فحرجت) من ذلك، فاقرأه منّي السلام وقل له: إذا كان ظلّك مثلك فصلِّ الظهر، وإذا كان ظلّك مثليك فصلِّ العصر(1).
وذكر أنّه لا يمكن أن يستدلّ بها للمشهور; لأنّها إنّما تدلّ على أنّ مبدأ وقت فضيلة الظهر بلوغ الظلّ مثل الشاخص، والعصر بلوغه مثلين، والمشهور قائلون بأنّهما منتهى وقت الفضيلة للصلاتين، فلابدّ من حملها على معنى آخر; وهو التوسعة في الوقت; لمراعاة التبريد عند اشتداد الحرارة.
ومنها: رواية المجالس، وقد ورد فيها: أتاني جبرئيل (عليه السلام) فأراني وقت الصلاة حين زالت الشمس، فكانت على حاجبه الأيمن، ثمّ أراني وقت العصر فكان ظلّ كلّ شيء مثله(2).
قال: وهي ضعيفة السند; لاشتماله على عدّة من المجاهيل.
ثمّ ذكر أنّه لم تبق رواية للمشهور إلاّ رواية واحدة; وهي رواية معاوية بن وهب المتقدّمة(3)، وهي لا تصلح للاستدلال بها; لأنّه بعد دلالة جملة كثيرة من الروايات فيها صحاح ـ بل لايبعد دعوى تواترها الإجمالي ـ على خلاف مفادها، وأنّ مبدأ وقت الفضيلة هو القدم أو القدمان، فلا محالة
- (1) تهذيب الأحكام 2: 22 ح62، الاستبصار 1: 248 ح891 ، وعنهما وسائل الشيعة 4: 144، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب8 ح13.
- (2) أمالي الطوسي: 30 قطعة من ح31، وعنه وسائل الشيعة 4: 161، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب10 ح12.
- (3) في ص232 ـ 233، 251، 262 ـ 263 و 267.
( صفحه 275 )تكون الموثّقة من الروايات الشاذّة النادرة، والمخالفة للسنّة القطعيّة والأخبار المشهورة الواضحة، فلا مناص من طرحها، مع أنّها موافقة للعامّة أيضاً، فأوّل وقت الفضيلة هو القدم والقدمان في الظهر أو القدمان وأربعة أقدام في العصر حسب الاختلاف في الفضيلة(1).
أقول: قد عرفت(2) أنّ الطائفتين الاُوليين لا دلالة لهما على مبدأ وقت الفضيلة، وأنّ التحديد الواقع فيهما إنّما هو بلحاظ النافلة ومكانها، فلا يتحقّق التعارض بينهما، وبين الموثّقة حتّى تكون من الروايات الشاذّة النادرة; لدلالتها على مبدأ وقت الفضيلة دونهما، مع أنّ الضعف في جملة من روايات الطائفة الأخيرة مجبور بالشهرة واستناد المشهور، مع أنّ أوّل المرجّحات على تقدير ثبوت التعارض هي الشهرة الفتوائيّة المطابقة مع الموثّقة.
إذن فلا محيص عن الأخذ بها، خصوصاً مع موافقتها للآيات(3) الآمرة بالاستباق إلى الخيرات والمسارعة إلى مغفرة من الربّ; لوضوح أنّ الصلاة من أعظم الخيرات وأهمّ أسباب المغفرة، ومع موافقتها للروايات الدالّة على أنّ أوّل الوقت أفضل(4)، والأخبار الآمرة بالتعجيل في الإتيان بالنوافل، والتخفيف ما استطاع المكلّف(5).
ويؤيّد عدم كون التحديد الواقع في الطائفتين الاُوليين ناظراً إلى بيان مبدأ
- (1) التنقيح في شرح العروة الوثقى، كتاب الصلاة 1: 208 ـ 217.
- (2) في ص268 ـ 271.
- (3) سورة البقرة 2: 148، سورة آل عمران 3: 133.
- (4) وسائل الشيعة 4: 118 ـ 124، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب3.
- (5) وسائل الشيعة 4: 131 ـ 135، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب5.
( صفحه 276 )وقت الفضيلة صحيحة محمد بن أحمد بن يحيى: إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين، وبين يديها سبحة وهي ثماني ركعات، فإن شئت طوّلت، وإن شئت قصّرت(1).
وفي موثّقة ذريح المحاربي: إذا زالت الشمس فهو وقت لا يحبسك منه إلاّ سبحتك، تطيلها أو تقصّرها(2).
وقد انقدح ممّا ذكرنا أنّ مبدأ وقت الفضيلة في صلاة الظهر هو الزوال، ولا فرق فيه بين المتنفّل وغيره، غاية الأمر أنّ النافلة تزاحم الفريضة إلى أن يبلغ الظلّ الذراع، من دون أن يكون أصل الفضيلة منتفياً، وكان التأخير مستحبّاً في نفسه، وغير المتنفّل يكون وقت الفضيلة له بعد الزوال أيضاً بلا مزاحم.
نعم، يمكن الاستشهاد لاستحباب التأخير مطلقاً، كما حكي عن الفيض في الوافي، وصاحب المنتقى(3) بروايات:
منها: رواية زرارة قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : أصوم فلا أقيل حتّى تزول الشمس، فإذا زالت الشمس صلّيت نوافلي ثمّ صلّيت الظهر، ثمّ صلّيت نوافلي، ثمّ صلّيت العصر ثمّ نمت، وذلك قبل أن يصلّي الناس، فقال: يا زرارة إذا زالت الشمس فقد دخل الوقت، ولكنّي أكره لك أن تتّخذه وقتاً دائماً(4).
- (1 ، 2) تقدّمتا في ص137 ـ 138.
- (3) الوافي 7: 221، منتقى الجُمان 1: 401 ـ 402، وحكى عنهما في الحدائق الناضرة 6: 138 ـ 139، وجواهر الكلام 7: 137 ـ 138.
- (4) تهذيب الأحكام 2: 247 ح981، الاستبصار 1: 252 ح905، وعنهما وسائل الشيعة 4: 134، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب5 ح10.