( صفحه 277 )ولكنّ الظاهر أنّ الكراهة ليس لأجل استحباب التأخير، بل لأجل أنّ اتّخاذه وقتاً دائماً موجب لمعروفيّة زرارة بذلك، وهو ينافي مقام التقيّة، ويؤيّده تخصيص الكراهة بزرارة بقوله: «أكره لك»، فالرواية لا دلالة لها على استحباب التأخير ذاتاً.
ومنها: ما في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال في كتاب كتبه إلى اُمراء البلاد: أمّا بعد، فصلّوا بالناس الظهر حتّى تفيء الشمس مثل مربض العنز، الحديث(1).
ولكنّ الظاهر أنّ الأمر بذلك إنّما هو لملاحظة حال الناس من جهة التهيّؤ للصلاة بعد الزوال، والاشتغال بالنافلة أحياناً، ودرك فضيلة الجماعة، ولا دلالة له على استحباب التأخير من حيث هو، فالأمر بذلك إنّما هو لملاحظة ما هو أهمّ من حيث الفضيلة من فضيلة أوّل الوقت; وهي النافلة أحياناً، والجماعة، كما لا يخفى.
ومنها: مكاتبة محمد بن الفرج قال: كتبت أسأل عن أوقات الصلاة؟ فأجاب: إذا زالت الشمس فصلِّ سبحتك، وأحبّ أن يكون فراغك من الفريضة والشمس على قدمين، الحديث(2).
ودلالتها ظاهرة، ولكنّها مكاتبة أوّلاً، ومضمرة ثانياً.
ومنها: موثّقة عبيد بن زرارة قال: سألت أباعبدالله (عليه السلام) عن أفضل وقت الظهر؟
- (1) نهج البلاغة للدكتور صبحي الصالح: 426، كتاب: 52، وعنه وسائل الشيعة 4: 162، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب10 ح13.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 250 ح991، الاستبصار 1: 255 ح914، وعنهما وسائل الشيعة 4: 149، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب8 ح31.
( صفحه 278 )قال: ذراع بعد الزوال. قال: قلت: في الشتاء والصيف سواء؟ قال: نعم(1).
هذا ولكنّ الظاهر أنّها لا تصلح لمعارضة ما تقدّم ممّا يدلّ على أنّ أوّل الوقت أفضل من حيث هو، وأنّه لا خصوصيّة للذراع إلاّ من جهة مزاحمة النافلة للفريضة إلى هذا الحدّ، فانظر إلى مثل رواية الحارث بن المغيرة وعمر بن حنظلة ومنصور بن حازم جميعاً، قالوا: كنّا نقيس الشمس بالمدينة بالذراع، فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : ألا اُنبّئكم بأبين من هذا؟ إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر، إلاّ أنّ بين يديها سبحة، وذلك إليك إن شئت طوّلت، وإن شئت قصّرت(2).
وفي طريق آخر: ذلك إليك، فإن أنت خفّفت سبحتك فحين تفرغ من سبحتك، وإن طوّلت فحين تفرغ من سبحتك(3).
وبملاحظتها لا يبقى ارتياب في أنّه لا موضوعيّة للذراع، وأنّ الملاك هو الإتيان بالنافلة والاشتغال بالفريضة بعده، فالتأخير لا فضيلة فيه من حيث هو أصلاً.
هذا كلّه في أوّل وقت فضيلة الظهر.
وأمّا مبدأ وقت فضيلة العصر، فقد عرفت(4) أنّ المشهور أنّه هو المثل،
- (1) تهذيب الأحكام 2: 249 ح988، الاستبصار 1: 254 ح911، وعنهما وسائل الشيعة 4: 147، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب8 ح25.
- (2) الكافي 3: 276 ح4، وعنه وسائل الشيعة 4: 131، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب5 ح1.
- (3) الكافي 3: 276 ذح 4، تهذيب الأحكام 2: 22 ح63، الاستبصار 1: 250 ح898 ، وعنها وسائل الشيعة 4: 132، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب5 ح2.
- (4) في ص267.
( صفحه 279 )وعمدة الدليل عليه موثّقة معاوية بن وهب المتقدّمة(1)، الواردة في إتيان جبرئيل (عليه السلام) بمواقيت الصلاة، المشتملة على قوله (عليه السلام) : ثمّ أتاه حين زاد الظلّ قامة، فأمره فصلّى العصر ـ إلى أن قال: ـ ثمّ أتاه حين زاد في الظلّ قامتان، فأمره فصلّى العصر...، ثمّ قال: ما بينهما وقت.
فإنّ ظهورها في أنّ مبدأ الوقت ـ الذي عرفت(2) أنّ المراد به هو وقت الفضيلة ـ هي زيادة الظلّ قامة ممّا لا ينبغي أن ينكر.
والظاهر أنّه لا يمكن موافقة المشهور في هذه الجهة; لدلالة روايات متكثّرة ـ قد مرّ بعضها(3) ـ على أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يصلّي العصر إذا مضى من الظلّ ذراعان، كما أنّه يصلّي الظهر إذا مضى منه ذراع، وتأخير الظهر إلى الذراع قد عرفت(4) وجهه، أمّا تعجيل العصر قبل المثل إذا كان هو مبدأ وقت الفضيلة، فلا يمكن توجيهه بشيء أصلاً، مع أنّها ظاهرة في استمرار عمل النبيّ (صلى الله عليه وآله) على ذلك، وهل يمكن الالتزام باستمرار عمله على ترك فضيلة وقت العصر، والإتيان بصلاتها قبل المثل؟ وليس ذلك إلاّ لأجل عدم كون المثل مبدأ وقت الفضيلة.
هذا، مضافاً إلى الروايات(5) الدالّة على الإتيان بها بعد نافلة الظهر وفريضتها، ونافلة العصر بلا فصل.
- (1) في ص232 ـ 233، 262 ـ 263 و 267.
- (2) في ص263 و 268.
- (3) في ص270 ـ 271.
- (4) في ص98 ـ 99، 133 ـ 138 و 271.
- (5) وسائل الشيعة 4: 131 ـ 135، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب5.
( صفحه 280 )ومن الواضح: ظهورها في أنّ الإتيان بها بعدها موجب لوقوعها في وقت الفضيلة، ومن هنا يظهر أنّ مبدأ وقتها ليس هو الذراعين أيضاً، بل هو مشترك مع الظهر في هذه الجهة، غاية الأمر أنّه بعد مقدار أداء الظهر كما عرفت(1)، ولا ينافيه تأخير النبيّ (صلى الله عليه وآله) إلى الذراعين; لأنّ وجه التأخير ما عرفت(2) من مكان النافلة ومزاحمتها، فلابدّ من حمل موثّقة معاوية على اختلاف مرتبتي الفضيلة، وأنّ مرتبتها الكاملة من الزوال، والناقصة من المثل، فتدبّر.
هذا كلّه من حيث المبدأ.
وأمّا من حيث المنتهى، فالموثّقة ظاهرة في امتداد الظهر إلى المثل، والعصر إلى المثلين، وكذا صحيحة البزنطي المتقدّمة(3)، الدالّة على أنّ الوقت قامة للظهر وقامة للعصر وكذا بعض الروايات الاُخر(4).
نعم، قد يتوهّم أنّ منتهى وقت فضيلة صلاة العصر ثمانية أقدام(5); أي قامة وسبع قامة، ويستدلّ عليه بصحيحة الفضلاء المتقدّمة(6) عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) على نقل الشيخ (قدس سره) ، أنّهما قالا: وقت الظهر بعد الزوال قدمان،
- (1) في ص138 ـ 150.
- (2) في ص98 ـ 99، 133 ـ 138 و 271.
- (3) في ص136 و 273.
- (4) وسائل الشيعة 4: 140 ـ 151، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب8 .
- (5) شرائع الإسلام 1: 61، بحار الأنوار 83 : 35 ـ 36، مصباح الفقيه 9: 207، وقال فيه: «لكن لم نعرف مَن صرّح بذلك»، التنقيح في شرح العروة الوثقى 1: 223 ـ 224.
- (6) في ص135 و 270.
( صفحه 281 )ووقت العصر بعد ذلك قدمان، وهذا أوّل وقت إلى أن تمضي أربعة أقدام للعصر.
نظراً إلى أنّ المشار إليه بقوله (عليه السلام) : «وهذا أوّل» إلخ، هو أربعة أقدام، فيصير المعنى: أنّ أربعة أقدام من الزوال أوّل وقت العصر، ويمتدّ ذلك إلى أن تمضي أربعة أقدام أيضاً، فيصير المجموع ثمانية أقدام.
ولكنّ الظاهر أنّ الجملة الأخيرة تأكيد للجملة الثانية، والمشار إليه بقوله (عليه السلام) : «وهذا» هو القدمان، الذي هو آخر وقت نافلة الظهر من جهة المزاحمة للفريضة، فالمراد أنّ مزاحمة نافلة العصر تمتدّ إلى أن تمضي أربعة أقدام للعصر، وبعد مضيّها وحصول الذراعين ترتفع المزاحمة، فالمراد بـ «أربعة أقدام» هي أربعة أقدام من الزوال، كما في القدمين، وعلى ما ذكرنا فلا معارض للروايات الدالّة على مذهب المشهور من حيث المنتهى أصلاً.
المسألة الثانية: في وقت فضيلة العشاءين، والكلام فيها تارة: في المغرب، واُخرى: في العشاء.
أمّا المغرب، فوقت فضيلتها من المغرب إلى ذهاب الشفق; وهي الحمرة المغربيّة، ويدلّ عليه ـ مضافاً إلى بعض الروايات الآتية في العشاء ـ ما عرفت(1) من أنّ الجمع بين الطوائف المختلفة من الروايات الواردة في أصل وقت فريضة المغرب، يقتضي حمل ما يدلّ منها على أنّ آخر الوقت سقوط الشفق على أنّه آخر وقت الفضيلة، بناءً على ما مرّ تحقيقه(2) من كون
- (1) في ص201 ـ 202.
- (2) في ص252 ـ 266.