( صفحه 291 )في الوقت المختصّ.
أمّا التقديم كذلك في الوقت المشترك، فلا إشكال في صحّة ما أتى به; لأنّ اعتبار الترتيب يختصّ بحال الذكر، ولا يوجب الإخلال به سهواً بطلان الصلاة; وذلك لاقتضاء حديث «لا تعاد»(1) الصحّة في غير الاُمور الخمسة المستثناة فيه، مضافاً إلى الأخبار الخاصّة الدالّة على ذلك(2)، فأصل صحّة المأتيّ به ممّا لا إشكال فيه، إنّما الإشكال في أنّه هل يكون صحيحاً بالعنوان الذي وقع عليه وهي العصريّة، وعليه: فلابدّ من الإتيان بالصلاة اللاّحقة بعنوان أنّها صلاة الظهر، أو انّه يكون اختصاص هذا الإشكال بالظهرين وعدم جريانه في العشاءين؟ لأنّه ـ مضافاً إلى ورود الدليل في خصوص الظهرين ـ لا يمكن ذلك في العشاءين؟ لأنّه لا يعقل احتساب العشاء الذي هو أربع ركعات بعنوان صلاة المغرب.
ومنشأ الإشكال وجود روايتين:
إحداهما: صحيحة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، الطويلة المشتملة على قوله (عليه السلام) : إذا نسيت الظهر حتّى صلّيت العصر، فذكرتها وأنت في الصلاة، أو بعد فراغك، فانوها الاُولى ثمّ صلِّ العصر; فإنّما هي أربع مكان أربع(3).
ثانيتهما: رواية الحلبي المضمرة قال: سألته عن رجل نسي أن يصلّي الاُولى حتّى صلّى العصر، قال: فليجعل صلاته التي صلّى الاُولى، ثمّ ليستأنف
- (1) تقدّم في ص155.
- (2) وسائل الشيعة 4: 290 ـ 293، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب63.
- (3) تأتي في ص293.
( صفحه 292 )العصر، الحديث(1).
هذا، ولكن إعراض المشهور عن الروايتين، والفتوى بخلافهما مع كونهما بمرئى ومسمع منهم، خصوصاً مع الفتوى على طبق سائر فقرات الرواية الاُولى، بل هذه الفقرة بالإضافة إلى التذكّر في الأثناء، يوجب الوهن فيهما ويسقطهما عن الحجّية، كما قد حقّق في محلّه(2).
وأمّا التقديم كذلك في الوقت المختصّ، بحيث وقع تمام الصلاة اللاّحقة في الوقت المختصّ بالسابقة، وبعبارة اُخرى: صار جميع أجزاء الوقت المختصّ بها ظرفاً لتمام اللاّحقة أو بعضها، فالظاهر أنّه يوجب البطلان، بناءً على ما ذكرنا(3) في معنى اختصاص الوقت; من أنّ مرجعه إلى بطلان الشريكة إذا وقعت فيه مع عدم أداء صاحبتها، كما هو المفروض من عدم الإتيان بالسابقة بعد.
نعم، بناءً على القول برجوع الاختصاص إلى اعتبار الترتيب، وأنّه لا معنى للاختصاص غيره، فاللاّزم الحكم بالصحّة; لاقتضاء حديث «لا تعاد»(4)اختصاص شرطيّة الترتيب بحال الذكر، ولكن قد عرفت بطلان هذا المبنى فراجع(5).
- (1) تهذيب الأحكام 2: 269 ح1074، الاستبصار 1: 287 ح1052، وعنهما وسائل الشيعة 4: 292، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب63 ح4.
- (2) تقدّم في ص25.
- (3) في ص154.
- (4) تقدّم في ص155 و 291.
- (5) في ص154.
( صفحه 293 )الثالث: الصورة المفروضة مع كون التذكّر في الأثناء، وفيه صور: فإنّه تارة: يكون التذكّر في أثناء اللاّحقة مع عدم التمكّن من العدول; لتجاوزه عن محلّه. واُخرى: يكون مع التمكّن منه. وعلى كلا التقديرين، تارة: يكون في الوقت الاختصاصي، واُخرى: في الوقت المشترك.
الصورة الاُولى: ما إذا تذكّر في أثناء اللاّحقة في الوقت المشترك مع التمكّن من العدول، كما في العصر بالإضافة إلى الظهر، وفي العشاء بالنسبة إلى المغرب فيما إذا لم يدخل في ركوع الركعة الرابعة، والمعروف في هذه الصورة لزوم العدول إلى السابقة وإتمام ما بيده ظهراً أو مغرباً، ثمّ استئناف اللاّحقة عصراً أو عشاءً.
وتدلّ عليه روايات، عمدتها صحيحة زرارة المتقدّمة، المشتملة على قوله (عليه السلام) : إذا نسيت الظهر حتّى صلّيت العصر، فذكرتها وأنت في الصلاة أو بعد فراغك، فانوها الاُولى ثمّ صلِّ العصر، فإنّما هي أربع مكان أربع، وإن ذكرت أنّك لم تصلِّ الاُولى وأنت في صلاة العصر، وقد صلّيت منهار كعتين فانوها الاُولى، ثمّ صلِّ الركعتين الباقيتين وقم فصلِّ العصر... فإن كنت قد صلّيت العشاء الآخرة ونسيت المغرب فقم فصلِّ المغرب، وإن كنت ذكرتها وقد صلّيت من العشاء الآخرة ركعتين أو قمت في الثالثة فانوها المغرب ثمّ سلّم، ثمّ قم فصلِّ العشاء الآخرة، الحديث(1).
ومقتضى الصحيحة أنّه لا فرق في ذلك بين الظهرين، وبين العشاءين،
- (1) الكافي 3: 291 ح1، تهذيب الأحكام 3: 158 ح340، وعنهما وسائل الشيعة 4: 290، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب63 ح1، وقد تقدّمت قطعة منها في ص291.
( صفحه 294 )كما قد وقع التصريح به فيها.
ولكن ورد التفصيل بينهما في رواية حسن بن زياد الصيقل قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل نسي الاُولى حتّى صلّى ركعتين من العصر؟ قال: فليجعلها الاُولى وليستأنف العصر، قلت: فإنّه نسي المغرب حتّى صلّى ركعتين من العشاء ثمّ ذكر، قال: فليتمّ صلاته ثمّ ليقض بعد المغرب.
قال: قلت له: جعلت فداك، قلت: حين نسي الظهر ثمّ ذكر وهو في العصر: يجعلها الاُولى ثمّ يستأنف، وقلت لهذا: يتمّ صلاته بعد المغرب؟!(1) فقال: ليس هذا مثل هذا، إنّ العصر ليس بعدها صلاة، والعشاء بعدها صلاة(2).
بناءً على كون المراد من قوله (عليه السلام) : «فليتمّ صلاته» في الجواب عن السؤال الثاني، هو إتمامها عشاءً بإضافة الركعتين الأخيرتين إليهما.
وبعبارة اُخرى: إتمامها بالنيّة التي صلّى الركعتين بها; وهي نيّة العشاء. وعليه: فيكون مفعول قوله (عليه السلام) : «ثمّ ليقض» هو المغرب المذكور بعده، وكلمة «بعد» مبنية على الضمّ والمضاف إليه محذوف; فمعنى الرواية: أنّه يجب عليه إتمام الصلاة التي شرع فيها بنيّة العشاء عشاءً، ثمّ قضاء المغرب بعد العشاء، ومعنى القضاء: هو الإتيان، كما يستعمل فيه في الروايات كثيراً، لا القضاء المصطلح; وإن كان يمكن توجيهه أيضاً ـ كما أفاده سيّدنا العلاّمة الاُستاذ (قدس سره) ـ
- (1) هكذا في الطبع الجديد من الوسائل، ولكنّ الظاهر عدم صحّته; لأنّه لم يحكم الإمام (عليه السلام) بوجوب إتمام صلاته بعد المغرب، بل حكم بوجوب إتمامها وقضاء المغرب بعدها، والصحيح ما في الطبع المعروف بـ «أمير بهادر»، وهو: «يتمّ صلاته ثمَّ ليقض بعد المغرب»، كما في جواب الإمام (عليه السلام) . منه، وكذا في التهذيب.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 270 ح1075، وعنه وسائل الشيعة 4: 293، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب63 ح5.
( صفحه 295 )من أنّ التعبير بالقضاء إنّما هو لأنّ المعروف بين المسلمين تباين وقتي المغرب والعشاء، وكذا الظهر والعصر، لا كما يقول به الإماميّة من الاشتراك(1)، ولكن هذا التوجيه بعيد.
وكيف كان، فمرجع اعتراض السائل حينئذ إلى أنّه ما الفرق بين المسألتين حيث حكم في الاُولى بالعدول، وفي الثانية بإتمامها عشاءً والإتيان بالمغرب بعدها، والمراد من الجواب ثبوت الفرق بينهما; وهو: أنّه لا تجوز الصلاة بعد العصر، إمّا على طريق الكراهة، وإمّا على نحو الحرمة، بخلاف العشاء، فيرجع إلى أنّ القضاء بعد العصر إنّما تكون مثل النافلة بعدها في الحرمة أو الكراهة، بخلاف القضاء بعد العشاء; وإن كان يمكن المناقشة في هذا الفرق بأنّ لازمه عدم احتساب اللاّحقة عصراً ولو تذكّر بعد الفراغ; لأنّ لازمه وقوع صلاة بعد العصر، كما لايخفى.
وبالجملة: فالظاهر دلالة الرواية على التفصيل، وأنّه لا مجال للعدول في صلاة العشاء.
وتوهّم كون المراد من قوله (عليه السلام) : «فليتمّ صلاته»: هو إتمامها مغرباً بإضافة ركعة إليهما، وبوجوب القضاء: هو قضاء العشاء بعد المغرب، بحيث كانت كلمة «بعد» مضافة إلى المغرب، فلا تكون الرواية منافية لصحيحة زرارة، الدالّة على العدول من العشاء إلى المغرب أيضاً.
مدفوع ـ مضافاً إلى كونه خلاف الظاهر في نفسه ـ بأنّه لا يبقى وجه حينئذ لاعتراض السائل على الإمام (عليه السلام) ; بأنّه ما الفرق بين المسألتين؟، وتوجيهه
- (1) نهاية التقرير 2: قبل عشر صفحات من «الثاني من أفعال الصلاة: القيام».