( صفحه 333 )وإنّما يعمل بالمتواترات أو ما قامت القرينة القطعيّة على صحّته، فنقله عن كتاب حريز دليل على وصوله إليه بطريق قطعيّ قابل للاعتماد عليه.
وبعبارة اُخرى: يدّعي الحلّي القطع بكون الرواية موجودة في كتاب حريز، وبهذا تكون الرواية قريبة من الحسّ، فتشملها الأدلّة القائمة على حجّية الخبر الواحد(1).
وفي هذا الجواب نظر; لأنّ عدم اعتماده على الخبر الواحد لا يكون دليلاً على وصول كتاب حريز إليه بطريق قطعيّ، كيف؟ ونفس الكتاب إنّما يكون الناقل بالإضافة إلى الروايات المنقولة فيه هو حريز، ولا يكون إلاّ واحداً، خصوصاً في مثل هذه الرواية، حيث ينقلها عن الإمام مع الواسطة كزرارة، مع أنّ قطعه لا يكون حجّة بالإضافة إلينا; لاحتمال الخطأ والاشتباه في مستند القطع، مع أنّ نقل الخبر الواحد لا يكون فيه أيّ محذور ممّن لا يعتمد عليه، كيف؟ ونقل أخبار الضعاف كثير مع عدم اعتماد الناقل عليها. وبالجملة: فالرواية من حيث السند مخدوشة.
وأمّا من حيث الدلالة، فمقتضى إطلاق النافلة فيها ـ الشامل للنوافل المبتدئة ومايشابهها، وظهور كون الوقت هو وقت الاجزاء لا الفضيلة ـ ثبوت النهي عن التطوّع فيما هو محلّ البحث في المقام.
ومنها: رواية أبي بكر، عن جعفر بن محمّد (عليهما السلام) قال: إذا دخل وقت صلاة فريضة فلا تطوّع(2).
- (2) تهذيب الأحكام 2: 167 ح660، وص340 ح1405، الاستبصار 1: 292 ح1071، وعنهما وسائل الشيعة 4: 228، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب35 ح7.
( صفحه 334 )والراوي ممّن ورد فيه التوثيق العامّ; لوقوعه في أسانيد كتاب كامل الزيارات(1)، ودلالتها كالرواية السابقة.
ومنها: رواية محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال لي رجل من أهل المدينة: يا أبا جعفر ما لي لا أراك تتطوّع بين الأذان والإقامة كما يصنع الناس؟ فقلت: إنّا إذا أردنا أن نتطوّع كان تطوّعنا في غير وقت فريضة، فإذا دخلت الفريضة فلا تطوّع(2).
واُورد عليها بأنّها بالدلالة على الجواز أولى من الدلالة على المنع; لأنّ مفادها أنّه (عليه السلام) إنّما كان لا يتطوّع بين الأذان والإقامة، وأمّا قبلهما فلا. وبعبارة اُخرى: أنّ ما لم يكن يأت به الإمام (عليه السلام) إنّما هو خصوص التطوّع بينهما، لا مطلقاً ولو بعد دخول الوقت وقبلهما(3).
ويدفعه: وضوح أنّ الجواب لا يكون مفاده مجرّد عدم التطوّع بين الأذان والإقامة، بل بيان قاعدة كلّية; وهو كون تطوّعهم (عليهم السلام) في غير وقت فريضة. نعم، يمكن المناقشة في كون المراد من الوقت هو وقت الإجزاء، ولكنّ الإيراد لا يكون مبنيّاً على هذه المناقشة.
نعم، ذكر سيّدنا العلاّمة الاُستاذ (قدس سره) أنّ الاستدلال بهذه الرواية مشكل; لأنّها تتضمّن قضيّة في واقعة شخصيّة، ولا يعلم المراد من الصلاة التي كان
- (1) كامل الزيارات: 43 ح10، وص76 ح69، وص356 ح613، وص465 ح706، وص467 ح712.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 167 ح661، وص247 ح982، الاستبصار 1: 252 ح906، وعنهما وسائل الشيعة 4: 227، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب35 ح3.
- (3) التنقيح في شرح العروة الوثقى، كتاب الصلاة 1: 482، المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 11: 331.
( صفحه 335 )بناء الناس على الإتيان بها بين الأذان والإقامة، وحينئذ فمن المحتمل أن يكون اعتقادهم على استحباب ركعتين مخصوصتين بين الأذان والإقامة في قبال سائر النوافل غير مشروعتين عندنا، وحيث لم يكن للإمام (عليه السلام) ردّ السائل; لكون ذلك المعنى أمراً مركوزاً عند الناس، فأجاب (عليه السلام) بما يوافق مذهبهم تورية; لأنّهم رووا عن أبي هريرة، عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: إذا اُقيمت الصلاة فلا صلاة إلاّ المكتوبة(1).
مضافاً إلى أنّه لو سلّم كون الركعتين من النوافل اليوميّة، فيمكن أن يقال بعدم دلالة الرواية على المنع; لأنّ غاية مدلولها أنّ بناءهم (عليهم السلام) على الإتيان بالنافلة قبلاً، فلا يستفاد منها المنع، ولكن ظاهر الذيل ينافي ذلك(2).
هذه هي الروايات الدالّة على المنع، وقد أفاد الاُستاذ (قدس سره) أنّ المراد بوقت الفريضة يحتمل أن يكون جميع الوقت الوسيع من أوّله إلى آخره، ويحتمل أن يكون المراد به الوقت الذي لا تكون النافلة فيه مزاحمة للفريضة، كالذراع والذراعين في الظهرين، وسقوط الشفق في العشاء، ويحتمل أن يكون المراد به الوقت الذي تنعقد فيه الجماعة لأجل المكتوبة، كما أنّ هنا احتمالاً رابعاً; وهو أن يكون المراد به الوقت الذي يتعيّن فيه الإتيان بالفريضة; لصيرورتها قضاءً لو أخّرت عنه.
ولا إشكال في عدم كون المراد به هو الاحتمال الأخير; لكون الروايات
- (1) المسند لابن حنبل 3: 473 ح9880، وص600 ح10703، وص629 ح10876، صحيح مسلم 1: 413 ـ 414 ح710، سنن أبي داود: 200 ح1266، سنن ابن ماجة 2: 50 ح1151، سنن الترمذي 2: 282 ح421، سنن النسائي 2: 126 ح861 و 862 ، الكامل لابن عدي 1: 32، 233، 295 و 316.
- (2) نهاية التقرير 1: 212.
( صفحه 336 )المتقدّمة آبية عن الحمل عليه، بل صريحة في خلافه، كما أنّ الظاهر بطلان الاحتمال الأوّل أيضاً; لأنّ أكثر روايات المنع قد وردت في خصوص الرواتب اليوميّة، أو الأعمّ منها، ولا يمكن حملها على خصوص النافلة المبتدئة.
وحينئذ بعدما استقرّ عمل النبيّ (صلى الله عليه وآله) والأئمـّة المعصومين (عليهم السلام) ـ وكذا جميع الصحابة، بل أكثر الناس ـ على الإتيان بالرواتب قبل الفريضة في نافلة الظهرين، وقبل سقوط الشفق في نافلة المغرب، وقبل طلوع الحمرة المشرقيّة في نافلة الصبح، لا ينبغي الشكّ والارتياب في استحباب الإتيان بالنافلة الراتبة في أوّل الزوال مثلاً، وكون جواز ذلك بل أفضليّته من الاُمور المرتكزة عند الناس.
وحينئذ، فإذا اُلقي إليهم هذه العبارات الدالّة على عدم جواز الإتيان بالنافلة في وقت الفريضة، لا يفهمون منه عدم الجواز في وقت يصحّ فيه الإتيان بالفريضة، بل لا يتبادر إلى أذهانهم إلاّ أوّل أوقات الفضيلة للفريضة، التي تكون خاتمة الأوقات المضروبة للنوافل التي تزاحم فيها مع الفريضة.
وحينئذ فيكون مدلول الروايات أخصّ من مدّعى المانعين; لأنّ مدّعاهم المنع في جميع الوقت الوسيع الذي يصحّ فيه الإتيان بالفريضة، فلابدّ من التزامهم بالتخصيص فيها; لخروج الرواتب عن هذا الحكم قطعاً. وأمّا بناءً على ما ذكرنا يكون خروج الرواتب بنحو التخصّص; إذ لا تعرّض في الروايات لما قبل الذراع والذراعين مثلاً، وحينئذ فلا دليل على المنع في غير الرواتب أيضاً(1).
- (1) نهاية التقرير 1: 214 ـ 217.
( صفحه 337 )وبالجملة: استقرار عمل النبيّ (صلى الله عليه وآله) ومن بعده قرينة متّصلة على أنّ المراد بوقت الفريضة ليس مجموع الوقت الوسيع من أوّله إلى آخره. نعم، يستفاد من روايات المنع، منع الإتيان بالرواتب بعد دخول وقت الفضيلة للفريضة، فيكون غيرها أولى بعدم الجواز.
وذكر أيضاً في تأييد الاحتمال الثالث ـ وهو أن يكون المراد بالوقت هو وقت انعقاد الجماعة للفريضة ـ ما حاصله: أنّ التتبّع في الأخبار يعطي أنّ المراد بالوقت في لسان الأخبار ليس خصوص ما هو المتبادر منه عند أذهاننا، ويؤيّد ذلك مارواه العامّة عن أبي هريرة، عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: إذا اُقيمت الصلاة فلا صلاة إلاّ المكتوبة(1).
والظاهر أنّه ليس لهم في المسألة إلاّ هذه الرواية، ولعلّها هي التي أشار إليها عمر بن يزيد فيما رواه الصدوق بإسناده عنه، أنّه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرواية التي يروون أنّه «لا يتطوّع في وقت فريضة» ما حدّ هذا الوقت؟ قال: إذا أخذ المقيم في الإقامة، فقال له: إنّ الناس يختلفون في الإقامة، فقال: المقيم الذي يصلّي معه(2) (3).
أقول: ويؤيّد ما أفاده في ترجيح الاحتمال الثاني; وهو كون المراد وقت الفضيلة، التعليل الوارد في بعض روايات نافلتي الظهرين، الدالّة على بقاء مزاحمتهما إلى الذراع والذراعين; وهو قوله (عليه السلام) : وإنّما جعل الذراع والذراعان
- (1) تقدّم في ص335.
- (2) الفقيه 1: 252 ح1136، تهذيب الأحكام 3: 283 ح841 ، وعنهما وسائل الشيعة 4: 228، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب35 ح9.
- (3) نهاية التقرير 1: 218 ـ 219.