( صفحه 328 )ـ على ما حكي ـ هو الأخير، وفي التهذيب(1) أيضاً كذلك، إلاّ أنّه كتب فوقه زياد بن أبي عتاب نقلاً عن بعض النسخ، وفي غيرهما أحد الأوّلين.
ولكنّ الظاهر هو الأخير بلحاظ الاستبصار والتهذيب، مع عدم التعرّض لهما في الكتب الرجاليّة، ومع كون الراوي عنه هو ثابت بن شريح، الذي ذكر في شأنه أنّه يروي عن زياد بن أبي غياث(2)، فالرواية من جهة السند معتبرة.
وأمّا من جهة الدلالة، فربما(3) يقال بدلالتها على المنع; من جهة ظهور الأمر بالبدئة بالفريضة إذا حضرت في وجوبها، وعدم جواز الإتيان بالنافلة في ذلك الوقت.
ولكنّ الظاهر ورود هذا الأمر في مقام توهّم الحظر; والشاهد عليه ذيل الرواية الواقع تفريعاً على الصدر; فإنّ مفاده يرجع إلى أنّ ترك النافلة والاشتغال بالفريضة غير مضرّ، فهو يدلّ على أنّ السائل إنّما كان يتوهّم لزوم البدئة بالنافلة قبل الفريضة، وعدم جواز الاشتغال بالثانية قبل الاُولى، ولعلّ منشأ التوهّم تقيّد المسلمين عملاً بالإتيان بالنافلة قبل الفريضة، واستمرار فعلهم على ذلك.
وعليه: فالأمر بالبدأة بالفريضة إنّما يكون ناظراً إلى رفع هذا التوهّم، ومرجعه إلى جوازها وعدم كون ترك النافلة قبل الفريضة بمضرّ، مع أنّ
- (1) تهذيب الأحكام 1: 206، مع مقدّمة لآية الله العظمى المرعشي النجفي (قدس سره) ، مؤسّسة انتشارات فراهاني، طهران 1363 ش.
- (2) رجال النجاشي: 171، الرقم 425، جامع الرواة 1: 335، المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 11: 329.
- (3) مصباح الفقيه 9: 322.
( صفحه 329 )تقييد النافلة بكونها قبل الفريضة ظاهر في النافلة الموقّتة; وهي النوافل الرواتب التي يكون وقتها قبل الفريضة، ومحلّ البحث كما عرفت(1) هي النوافل المبتدئة ومثلها من قضاء تلك النوافل، فالرواية لا دلالة لها على المنع في المقام بوجه.
ومنها: رواية نجيّة بالنون والجيم والياء مشدّدة، أو بدونه، أو بخية بالباء والخاء، أو نجبة بالنون والجيم والباء، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : تدركني الصلاة ويدخل وقتها فأبدأ بالنافلة؟ قال: فقال أبو جعفر (عليه السلام) : لا، ولكن ابدأ بالمكتوبة واقض النافلة(2).
ولكنّ التعبير بقضاء النافلة ظاهر في النافلة المشروعة الموقّتة، والكلام كما عرفت إنّما هو في غيرها، ولابدّ من حمل الرواية على ما إذا انقضى الوقت المعيّن للنافلة، الذي يجوز أن تكون فيه مزاحمة للفريضة، كالذراع والذراعين في نافلتي الظهرين على ما تقدّم(3)، وسيأتي الكلام أيضاً في المراد من وقت الفريضة، المذكور في مثل الرواية. وكيف كان، فهي لا ترتبط بالمقام أصلاً.
ومنها: صحيحة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) أنّه سئل عن رجل صلّى بغير طهور، أو نسي صلوات لم يصلّها، أو نام عنها؟ فقال: يقضيها إذا ذكرها، في أيّ ساعة ذكرها من ليل أو نهار، فإذا دخل وقت الصلاة ولم يتمّ ما قد فاته، فليقض ما لم يتخوّف أن يذهب وقت هذه الصلاة التي قد حضرت، وهذه
- (1) في ص323 ـ 324.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 167 ح662، وص247 ح983، وعنه وسائل الشيعة 4: 227، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب35 ح5.
- (3) في ص98 ـ 103 و 324.
( صفحه 330 )أحقّ بوقتها فليصلّها، فإذا قضاها فليصلِّ ما فاته ممّا قد مضى، ولا يتطوّع بركعة حتّى يقضي الفريضة كلّها(1).
والمراد من قوله (عليه السلام) : «يقضيها إذا ذكرها....» يحتمل أن يكون وجوب القضاء بنحو الفوريّة مع التذكّر، كما يقول به القائل بالمضايقة، ويحتمل أن يكون صحّة القضاء وعدم محدوديّته بوقت خاصّ، وأنّه يجوز الإتيان به في أيّة ساعة من ساعات الليل والنهار.
وعليه: فلا دلالة له على لزوم الفوريّة والمضايقة، ولكنّ الظاهر هو الاحتمال الأوّل، وعليه يتفرّع قوله (عليه السلام) : «فإذا دخل»، ومراده أنّه مع دخول وقت الصلاة الأدائيّة وعدم إتمام ما قد فاته من الصلوات، يجب عليه الاستمرار على الإتيان بالقضاء ما لم يتخوّف أن يذهب وقت هذه الصلاة التي قد حضرت; فإنّها أحقّ بوقتها.
والظاهر أنّ المراد من الوقت الذي يتخوّف ذهابه هو وقت الفضيلة لا الإجزاء; لظهور قوله (عليه السلام) : «فإذا قضاها فليصلّ...» في وقوع الصلوات الفائتة البعديّة في وقت إجزاء الحاضرة، وإلاّ لم يكن لذكر هذه الجملة فائدة إلاّ التأكيد، وهو خلاف الظاهر، فتدبّر.
وأمّا قوله (عليه السلام) : «ولا يتطوّع بركعة...» فيحتمل فيه أمران:
أحدهما: أن لا يكون مفاده حكماً جديداً مستقلاًّ في الصلوات الفائتة، بل متفرّعاً على المضايقة في القضاء، ومرجعه إلى أنّه حيث كان القضاء مبنيّاً
- (1) الكافي 3: 292 ح3، تهذيب الأحكام 2: 172 ح685، وج3: 159 ح341، وعنهما وسائل الشيعة 8 : 257، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات ب2 ح3.
( صفحه 331 ) على الفوريّة والمضايقة، فاللاّزم أن لا يشتغل بغيرها حتى النافلة ولو بركعة; إذ ليس حالها حال الفريضة الحاضرة في تقدّمها على الفائتة مع تخوّف ذهاب وقتها، بل يكون الأمر بالعكس; لعدم محذور في تفويت النافلة ولو من دون مزاحم، فضلاً عمّا إذا كان لها مزاحم أقوى; وهو القضاء الواجب المبنيّ على المضايقة.
ثانيهما: أن يكون مفاده حكماً جديداً مستقلاًّ في باب القضاء، وأنّه كما يكون محكوماً بوجوب الفوريّة والمضايقة، كذلك يترتّب عليه النهي عن التطوّع ولو بركعة ما دام لم يتحقّق الفراغ عنها، ولم يقض الفريضة كلّها، ومرجعه إلى أنّ النافلة لأجل كونها كذلك لا تصلح لأن تزاحم القضاء الواجب ولو مع قطع النظر عن لزوم الفوريّة فيه، كما هو الشأن في الحكمين المستقلّين في مورد واحد.
ومن المعلوم أنّ صلاحيّة الرواية للاستدلال بها في المقام إنّما هي على تقدير كون المراد من الجملة الأخيرة هو الاحتمال الثاني; ضرورة أنّه على تقدير كون المراد منها هو الاحتمال الأوّل لا ترتبط بمسألة التطوّع في وقت الفريضة; لأنّ محلّ النزاع فيها ما إذا لم يكن هناك تضيّق أصلاً.
هذا، والظاهر هو الاحتمال الثاني; لأنّ لازم الاحتمال الأوّل أن لا يكون الموضوع المنهيّ عنه هو خصوص التطوّع والتنفّل، بل كلّ ما يوجب الإخلال بالإتيان بالفوائت، بل الموضوع بناءً عليه ترك الاشتغال بها، مع أنّ الظاهر مدخليّة عنوان التطوّع والتنفّل في تعلّق النهي كما لا يخفى، كما أنّ الظاهر كون النهي نهياً ذاتيّاً يترتّب عليه أحكامه وآثاره، ولازم الاحتمال الأوّل كونه نهياً عرضيّاً لا يترتّب عليه أثر.
( صفحه 332 )ضرورة أنّ التنفّل بناءً عليه لا يكون مخالفة للزوم الفوريّة والنهي عنه معاً، بحيث يكون هناك مخالفة تكليفين، بل لا يكون إلاّ مخالفة تكليف واحد وهو وجوب الفوريّة، مع أنّ ظاهر النهي هو الذاتيّ الاستقلالي لا العرضي. وعليه: فيتمّ الاستدلال بها للمقام، نعم، ربما يقال بأنّ مورده الصلاة الفائتة، فكيف يمكن الاستدلال بها للفريضة الأدائيّة؟
ودعوى شمولها لها تحتاج إلى القطع بالملازمة بين الأداء والقضاء، ولكنّه مدفوع بأنّه لا خفاء في جواز إلغاء الخصوصيّة من الفريضة الفائتة; لأنّ المستفاد من هذه الجملة كما عرفت أنّ عدم جواز مزاحمة النافلة للفائتة إنّما هو لأنّه لا محذور في تفويتها دونها. ومن المعلوم ثبوت هذا الملاك في الأدائيّة لو لم يكن بطريق أولى، كما لا يخفى.
ومنها: ما رواه محمد بن إدريس في آخر السرائر نقلاً من كتاب حريز بن عبد الله، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لا تصلّ من النافلة شيئاً في وقت الفريضة; فإنّه لا تقضى نافلة في وقت فريضة، فإذا دخل وقت الفريضة فابدأ بالفريضة(1).
واُورد على سندها بأنّ الحلّي (قدس سره) لم يروها عن كتاب حريز من دون واسطة; للفصل الكثير بين العصرين، فكيف يمكن له النقل عنه أو عن كتابه من دون واسطة؟ وحيث إنّها غير معلومة، فالرواية ساقطة عن الاعتبار(2).
واُجيب عن الإيراد بأنّه حيث إنّ الحلّي ممّن لا يعتمد على الخبر الواحد،
- (1) مستطرفات السرائر: 73 ح7، وعنه وسائل الشيعة 4: 228، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب35 ح8 .
- (2، 3) التنقيح في شرح العروة الوثقى، كتاب الصلاة 1: 476.