( صفحه 349 )واشتمال الرواية على أنّ الملاك في الغروب هي غيبوبة القرص ـ مع أنّه كما عرفت(1) هو ذهاب الحمرة المشرقيّة وتجاوزها عن قـمّة الرأس ـ لا يقدح في الاستدلال بذيلها، الدالّ على بطلان الصلاة الواقعة بتمامها قبل الوقت; لأنّه حكم مستقلّ لا يكون متفرّعاً على الصدر، ولذا يستفاد من الرواية حكم جميع الصلوات من غير أن يختصّ بصلاة المغرب.
وصحيحة اُخرى لزرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، في رجل صلّى الغداة بليل، غرّه من ذلك القمر، ونام حتّى طلعت الشمس فأخبر أنّه صلّى بليل، قال: يعيد صلاته(2). فالبطلان في هذا الفرض واضح.
وامّا الصحّة في الفرض الثاني، ففيها خلاف، فالأشهر بل المشهور كما في الجواهر الصحّة(3)، وعن المرتضى والإسكافي والعمّـاني وجمع من المتأخّرين، كالعلاّمة في أوّل كلامه في المختلف، وابن فهد، والصيمري، والأردبيلي البطلان، بل نسبه المرتضى إلى محقّقي أصحابنا ومحصّليهم(4).
والدليل الوحيد على الصحّة ما رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن علي بن محبوب، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن إسماعيل بن رباح،
- (1) في ص162 ـ 191.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 254 ح1008، وص140 ح548، الكافي 3: 258 ح4، وعنهما وسائل الشيعة 4: 167، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب13 ح5.
- (3) جواهر الكلام 7: 443، وفي التنقيح الرائع 1: 171، وجامع المقاصد 2: 29، ومسالك الأفهام 1: 148، أنّه المشهور.
- (4) جوابات المسائل الرسيّة الاُولى (رسائل الشريف المرتضى) 2: 350، وحكى عن الإسكافي والعمّاني في مختلف الشيعة 2: 68 مسألة 18، ثمّ قال: وهو الأقوى، المقتصر: 68، غاية المراد 1: 122، مجمع الفائدة والبرهان 2: 53 ـ 54، وكذا في مدارك الأحكام 3: 101، ومفاتيح الشرائع 1: 95 مفتاح 106.
( صفحه 350 )عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا صلّيت وأنت ترى أنّك في وقت ولم يدخل الوقت فدخل الوقت وأنت في الصلاة، فقد أجزأت عنك. وباسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير مثله. ورواه الكليني، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، ورواه الصدوق بإسناده عن إسماعيل بن رياح(1).
وعن جماعة(2) تضعيف الرواية باعتبار جهالة إسماعيل، ولكن حيث إنّ الراوي عنه هو ابن أبي عمير، الذي اشتهر فيه أنّه لا يروي إلاّ عن ثقة، مع وقوع أحمد بن محمد بن عيسى في بعض أسانيده، وهو معروف بكثرة التثبّت، وأنّ جميع أسانيده مشتملة على الأجلاّء والأعيان، مضافاً إلى استناد المشهور إلى الرواية، مع كون الحكم فيها على خلاف القاعدة، فلا مجال للخدشة في السند.
وأمّا من جهة الدلالة، فهي ظاهرة في الإجزاء وعدم وجوب الإعادة فيما إذا صلّى وهو يرى أنّه في وقت ودخل الوقت وهو في الصلاة، والظاهر أنّ المراد من قوله (عليه السلام) : «وأنت ترى» صورة الاعتقاد الجازم واليقين بدخول الوقت، فإلحاق صورة التعويل على الأمارة المعتبرة بها يتوقّف على أن تكون الأمارة المعتبرة صالحة للقيام مقام القطع المأخوذ موضوعاً للأثر إذا كان المراد أخذه على نحو الطريقيّة، لا على أنّه صفة خاصّة.
- (1) تهذيب الأحكام 2: 35 ح110، وص141 ح550، وفيه (رياح)، الكافي 3: 286 ح11، الفقيه 1: 143 ح666، وعنها وسائل الشيعة 4: 206، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب25 ح1، وفيه: عن الفقيه «أبي رياح».
- (2) مختلف الشيعة 2: 69 مسألة 18، مجمع الفائدة والبرهان 2: 53، مدارك الأحكام 3: 100 ـ 101.
( صفحه 351 )ومنه يظهر اختصاص الحكم بالأمارة المعتبرة; لعدم الدليل على تنزيلها إذا لم تكن كذلك منزلة العلم، فلا يبقى وجه للإلحاق.
ودعوى شمول «قاعدة لا تعاد» بالإضافة إليه; لأنّ الوقت وإن كان من جملة الاُمور الخمسة المستثناة فيها، إلاّ أنّ الظاهر كون المراد به ما إذا وقع مجموع الصلاة فاقدة لهذا الشرط، دون ما إذا وقع البعض كذلك.
مدفوعة بوضوح أنّ المراد منها رعاية تلك الاُمور الخمسة بالنحو المذكور في دليل اعتبارها، ومن المعلوم أنّ مقتضى دليل شرطيّة الوقت لزوم رعايته في جميع الأجزاء، فمقتضى القاعدة البطلان.
ثمّ إنّ إطلاق قوله (عليه السلام) : «وأنت في الصلاة» يشمل ما لو كان في أيّ جزء من أجزاء الصلاة وإن كان قبل التسليم، أو فيه قبل تمامه; لأنّه أيضاً من أجزاء الصلاة، فما لم يتحقّق بتمامه لم يتحقّق الفراغ من الصلاة، كما هو الظاهر.
( صفحه 352 ) [حصول العذر بعد دخول الوقت [ حصول العذر بعد دخول الوقت
مسألة 15: لو مضى من أوّل الوقت مقدار أداء الصلاة وتحصيل مقدّماتها، كالطهارة المائيّة أو الترابيّة وغيرها على حسب حاله، ثمّ حصل أحد الأعذار كالجنون والحيض، وجب عليه القضاء، وإلاّ لم يجب. نعم، لو كانت المقدّمات حاصلة أوّل الوقت، كفى فيه مقدار أدائها حسب حاله وتكليفه الفعلي، وإن ارتفع العذر في آخر الوقت، فإن وسع الطهارة والصلاتين وجبتا، أو الطهارة وصلاة واحدة وجبت صاحبة الوقت. وكذا الحال في إدراك ركعة مع الطهور، فإن بقي مقدار تحصيل الطهور وإدراك ركعة أتى بالثانية، وإن زاد عليها بمقدار ركعة مع تحصيل الطهور وجبتا معاً 1 .
1ـ الكلام في هذه المسألة يقع في مقامين:
المقام الأوّل: في حصول العذر بعد دخول الوقت، وفيه فروع ثلاثة:
الأوّل: ما إذا مضى من أوّل الوقت مقدار أداء الصلاة وتحصيل المقدّمات بحسب حاله وتكليفه الفعلي; من القصر والإتمام، والوضوء والغسل، والتيمّم وغيرها من الشرائط، أو مقدار أداء الصلاة مع كون المقدّمات حاصلة أوّل الوقت.
الثاني: ما إذا مضى من أوّل الوقت مقدار أداء الصلاة الاضطراريّة، كالصلاة مع الطهارة الترابيّة أو جالساً، بحيث لو كان عالماً بطروّ العذر حين الدخول لكان الواجب عليه الإتيان بها بتلك الكيفيّة; لعدم سعة الوقت لأزيد منها.
( صفحه 353 )الثالث: ما إذا مضى من أوّل الوقت مقدار لا يسع للإتيان بالصلاة بتلك
الكيفيّة أيضاً.
وينبغي قبل التعرّض للروايات الخاصّة الواردة في المسألة ملاحظة أدلّة القضاء العامّة، وكذا ملاحظة الروايات الدالّة على أنّه لا تقضي الحائض الصلاة، فنقول:
أمّا أدلّة القضاء العامّة، فيظهر من بعضها أنّ وجوب القضاء معلّق على عنوان الفوت، ومن بعضها وجوبه فيما إذا ترك المكلّف ما كانت مكتوبة عليه في الوقت من الفريضة، كصحيحة زرارة المتقدّمة(1) في مسألة التطوّع في وقت الفريضة، المشتملة على قوله (عليه السلام) : ولا يتطوّع بركعة حتى يقضي الفريضة كلّها.
أمّا ما علّق فيه الوجوب على عنوان الفوت، فالظاهر أنّ الفوت ليس معناه مجرّد عدم الإتيان مطلقاً; ضرورة أنّ ترك الصلاة للحائض في جميع الوقت لا يوجب تحقّق عنوان الفوت; فإنّ حرمة الصلاة لا تكاد تجتمع مع عنوان الفوت; فإنّ المتفاهم عرفاً من هذا العنوان هو ذهاب شيء مرغوب فيه عن يد المكلّف; سواء كان لازماً أو راجحاً، فإذا كان العمل ذا مفسدة أو غير راجح عقلاً وشرعاً، فلا ينطبق على تركه عنوان الفوت.
نعم، لا يكون صدقه متوقّفاً على ثبوت التكليف بالأداء; فإنّه قد يتحقّق مع عدم ثبوت هذا التكليف أيضاً، كما في النائم والناسي ومن اُكره على ترك الصلاة بحيث صار اللاّزم على المكلّف تركها; فإنّ صدق الفوت فيهم إنّما هو لأجل ذهاب مثوبة الصلاة ومصلحتها من يدها، والإكراه لا يوجب