( صفحه 385 )تحصيل الرأي للوقت ينبغي أن يكون بالتوجّه إلى جانب القبلة; لكون الشمس واقعة في جانبها، والموانع عامّة جائية من قبلها نوعاً، كالغيم ونحوه كما لايخفى، مع أنّ الالتزام بكونه ناظراً إلى بيان حكم اشتباه القبلة ـ الذي لم يكن مورد السؤال ـ لا ينافي دلالة الرواية على بيان حكم اشتباه الوقت.
ويدلّ على ما ذكرنا من كون محطّ نظر السائل خصوص اشتباه الوقت، وقوع هذا السؤال بعينه في رواية سماعة، مع صراحة الجواب في كون المراد منه هو اشتباه الوقت; وهي ما رواه قال: سألته عن الصلاة بالليل والنهار إذا لم تر الشمس ولا القمر؟ فقال: تعرف هذه الطيور التي عندكم بالعراق يقال لها الديكة؟ قال: نعم، قال: إذا ارتفعت أصواتها وتجاوبت فقد زالت الشمس، أو قال: فصلّه(1).
ويستفاد من هذه الرواية أنّ ارتفاع أصوات الديكة وتجاوبها علامة لزوال الشمس، وأمارة شرعيّة على تحقّقه.
ويدلّ عليه أيضاً رواية الحسين بن المختار قال: قلت للصادق (عليه السلام) : إنّي مؤذِّن، فإذا كان يوم غيم لم أعرف الوقت؟ فقال: إذا صاح الديك ثلاثة أصوات ولاءً فقد زالت الشمس ودخل وقت الصلاة(2).
والتخصيص بالزوال ليس لأجل اختصاص الحكم به; فإنّ الظاهر عموميّة الحكم، وأنّ ارتفاع أصواتها علامة لدخول الوقت مطلقاً.
- (1) وسائل الشيعة 3: 124، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب14 ح1، تحقيق الميرزا عبد الرحيم الربّاني، طبع مكتبة الإسلاميّة بطهران 1376هـ ، ويلاحظ هامش وسائل الشيعة 4: 170.
- (2) الفقيه 1: 144 ح669، تهذيب الأحكام 2: 255 ح1011، الكافي 3: 285 ح5، وعنها وسائل الشيعة 4: 170، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب14 ح1.
( صفحه 386 )كما يدلّ عليه مرسلة الصدوق قال: قال الصادق (عليه السلام) : تعلّموا من الديك خمس خصال: محافظته على أوقات الصلوات، والغيرة، والسخاء، والشجاعة، وكثرة الطروقة(1).
والمستفاد من مجموع الروايات الواردة في هذا المقام أنّه مع ثبوت العذر العامّ يكون صياح الديك وارتفاع أصواتها أمارة شرعيّة على دخول الوقت، والظاهر أنّه لا فرق فيها بين حصول الظنّ منها وعدمه، كما أنّ مطلق الظنّ من أيّ طريق حصل يكون كذلك.
نعم، رواية سماعة بن مهران ـ الدالّة على وجوب الاجتهاد في تحصيل الوقت ـ ظاهرة في تحصيل المراتب العالية مع إمكانها; لأنّه معنى الجهد والاجتهاد، فاللاّزم حينئذ الاقتصار على الظنّ القوي إن أمكن، وإلاّ فما دونه.
المقام الثالث: في ذي العذر الخاصّ، كالمحبوس والأعمى ونحوهما، والظاهر أنّه لا دليل فيه على جواز الاقتصار على الظنّ; لأنّ مورد الروايات المتقدّمة هو العذر العامّ، وإلغاء الخصوصيّة بدعوى كون المراد مطلق العذر، لم يقم عليه دليل، ولايساعده فهم العرف بعد كون الحكم على خلاف القاعدة المقتضية للزوم تحصيل العلم بدخول الوقت وإحراز الشرط، فلا يجوز له ترك الاحتياط بالتأخير إلى أن يحصل له العلم بدخول الوقت.
هذا تمام الكلام في مبحث الأوقات(2).
- (1) الفقيه 1: 305 ح1396، وعنه وسائل الشيعة 4: 171، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب14 ح4.
- (2) وقد وقع الفراغ من تسويد هذه الأوراق بيد العبد المفتاق محمّد الموحّدي اللنكراني، الشهير بالفاضل في اليوم السابع والعشرين من شهر ربيع الثاني من شهور سنة 1397 من الهجرة النبويّة على مهاجرها آلاف الثناء والتحيّة، ونسأل الله ـ تعالى ـ إعطاء التوفيق لإكمال هذا الشرح وإتمام هذا المشروع بحقّ أوليائه الطاهرين من النبيّ والأئمّة الهُداة المعصومين، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين، وكان ذلك في الحوزة المقدّسة العلميّة بقم المحميّة، منه (قدس سره) .
( صفحه 387 )
( صفحه 388 )
( صفحه 389 )
المقدّمة الثانية في القبلة
اعتبار الاستقبال في النافلة وعدمه
[اعتبار الاستقبال في النافلة وعدمه ]
مسألة 1: يجب الاستقبال مع الإمكان في الفرائض; يوميّة كانت أو غيرها، حتّى صلاة الجنائز، وفي النافلة إذا أتى بها على الأرض حال الاستقرار. وأمّا حال المشي والركوب وفي السفينة، فلا يعتبر فيها 1 .
1ـ اعتبار الاستقبال وشرطيّته في الصلوات المفروضة في الجملة ممّا لا ريب فيه، بل هو من ضروريّات الفقه، بل الدين، وانعقد عليه إجماع المسلمين(1)، ويشهد له الكتاب(2) والسنّة المتواترة الواردة في تفسيره(3)،
- (1) المعتبر 2: 64، منتهى المطلب 4: 168، مجمع الفائدة والبرهان 2: 57، ذخيرة المعاد: 215 س12، كشف اللثام 3: 150، الحدائق الناضرة 6: 371، مفتاح الكرامة 5: 326 ـ 327، مستمسك العروة الوثقى 5: 213، بداية المجتهد 1: 113، المجموع 3: 189.
- (2) سورة البقرة 2: 144، 149 و 150.
- (3) وسائل الشيعة 4: 296، كتاب الصلاة، أبواب القبلة ب1 ح4، وص301 ب2 ح11 و 12، وص308 ب6 ح4، وص312 ب9 ح3.