( صفحه 7 )
فضل الصلاة وأهمّيتها
[ فضل الصلاة وأهمّيتها ]
وهي التي تنهى عن الفحشاء والمنكر، وهي عمود الدين، إن قبلت قبل ماسواها، وإن ردّت ردَّ ما سواها 1 .
1ـ وهي أحبّ الأعمال إلى الله تعالى، ولا شيء بعد المعرفة أفضل منه، قال مولانا الصادق (عليه السلام) في الصحيح: ما أعلم شيئاً بعد المعرفة أفضل من هذه الصلاة، ألا ترى أنّ العبد الصالح عيسى بن مريم (عليه السلام) قال: (وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيّاً)(1)، (2). وهي آخر وصايا الأنبياء (عليهم السلام) (3)، وأوّل ما ينظر فيه من عمل ابن آدم، وهي عمود الدين، إن قبلت قُبِل ما سواها،
- (1) سورة مريم 19: 31.
- (2) الكافي 3: 264 ح1، الفقيه 1: 135 ح634، تهذيب الأحكام 2: 236 ح932، وعنها وسائل الشيعة 4: 38، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض ب10 ح1.
- (3) الكافي 3: 264 ح2، الفقيه 1: 136 ح638، وعنهما وسائل الشيعة 4: 38، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض ب10 ح2.
( صفحه 8 )
وإن ردّت ردَّ ما سواها(1).
والظاهر أنّ المراد من القبول هي الصحّة والتماميّة، لا القبول الذي هو أخصّ من الصحّة، ويؤيّده التعبير بالصحّة أو التماميّة في بعض الروايات الاُخر(2)، والذي ينبغي التعرّض له هنا أمران:
الأوّل: في المراد من توصيفها بكونها ناهية عن الفحشاء والمنكر في الآية الشريفة، قال الله ـ تعالىـ: (أَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ)(3)، وهذا منتهى الثناء، كما قال صاحب الدرّة:
تنهى عن المنكر والفحشاء *** أقصر فذاك منتهى الثناء(4)
وقد وقع الاختلاف في المراد من الكريمة، ومنشؤه ما يرى من عدم اجتناب بعض المصلِّين ـ مع تماميّة صلاته وصحّتها ـ عن ارتكاب بعض المنكرات، والإتيان ببعض الفواحش، فكيف تكون الصلاة ناهية عن الفحشاء والمنكر، ولأجله اختلفت الآراء في المراد منها.
فمنهم: من ذكر أنّ الصلاة في الآية بمعنى الدعاء; والمراد الدعوة إلى أمر الله; والمعنى أقم الدعوة إلى أمر الله; فإنّ ذلك يردع الناس عن الفحشاء والمنكر(5).
- (1) تهذيب الأحكام 2: 237 ح936، الفقيه 1: 134 ح626، وعنهما وسائل الشيعة 4: 34، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض ب8 ح13 و 10، أمالي الصدوق: 739 ـ 740.
- (2) وسائل الشيعة 4: 31 و 35، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض ب8 ح1 و ذ ح13.
- (3) سورة العنكبوت 29: 45.
- (4) الدّرة النجفيّة: 85 .
- (5) روح المعاني 20: 495.
( صفحه 9 )
ويرد عليه ـ مضافاً إلى أنّه لا معنى لإقامة الدعوة إلى أمر الله ـ : أنّ تفسير الصلاة بذلك صرف الكلام عن الظاهر من دون مسوّغ.
ومنهم: من قال: إنّ الصلاة في الآية في معنى النكرة، والمراد أنّ بعض أنواع الصلاة أو أفرادها يوجب الانتهاء عن الفحشاء والمنكر، وهو كذلك، وليس المراد الاستغراق حتّى يرد الإشكال(1).
وفيه: أنّه لا يلائم سياق الحكم والتعليل في الآية; فإنّه كما أنّ الصلاة التي اُمر بإقامتها لا يراد بها إلاّ الطبيعة التي هي مفاد لفظها، كذلك المراد بالصلاة الواقعة في التعليل لا يكاد يكون إلاّ نفس الطبيعة، وإلاّ يختلّ السياق ولا تصلح العلّة للعلّية، كما لا يخفى.
ومنهم: من ذكر أنّ المراد نهيها عن الفحشاء والمنكر ما دامت قائمة والمصلّي في صلاته، كأنّه قيل: إنّ المصلّي ما دام مصلّياً يكون بعيداً عن الاشتغال بالمعصية والإتيان بالفحشاء والمنكر(2).
ويرد عليه ـ مضافاً إلى أنّ الاشتغال بالصلاة لا ينافي فعل بعض المعاصي، كالنظر إلى الأجنبيّة مثلاً ـ: أنّ الظاهر كون النهي مترتّباً على فعل الصلاة; بمعنى أنّ أثر الصلاة المترتّب عليها بعد وقوعها بأجمعها في الخارج هو النهي عن الفحشاء والمنكر، فلا معنى لدعوى تحقّق الانتهاء في الأثناء، كما لا يخفى.
ومنهم: من قال: إنّ الآية على ظاهرها ـ والصلاة بمنزلة الشخص الذي
- (1) روح المعاني 20: 494.
- (2) روح المعاني 20: 494، جامع البيان عن تأويل آي القرآن (تفسير الطبري) 11: 190، مجمع البيان 8 : 26، منهج الصادقين 7: 163.
( صفحه 10 )
ينهى ـ في أنّ النهي لا يستلزم الانتهاء، وليس نهي الصلاة بأعظم من نهيه تعالى، كما في قوله ـ تعالى ـ: (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَاْلإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ)(1)، ونهيه ـ تعالى ـ لا يستلزم الانتهاء، فكذلك نهي الصلاة(2).
ويدفعه: أنّ الظاهر من الآية تحريك المكلّف إلى إقامة الصلاة; لأنّها عمل عباديّ يورث حصول صفة روحيّة في المقيم لها، بحيث يرتدع عن الفحشاء والمنكر بسبب ردع الصلاة ونهيها، وليس المراد الدعوة إلى إتيانها; لكونها ناهية في نفسها وإن لم يكن المصلّي منتهياً ومرتدعاً، ففي الحقيقة إقامة الصلاة لابدّ وأن يكون لها أثر وفائدة بالنسبة إلى المصلّي; وهو لا يكون إلاّ انتهاؤه، فعاد الإشكال(3).
والحقّ في معنى الآية ما أفاده بعض الأعاظم من المفسِّرين(4); من أنّ الردع أثر طبيعة الصلاة التي هي توجّه خاصّ عباديّ إلى الله سبحانه، ويتضمّن الاعتراف بالجهالة والافتقار إلى الهداية، والإقرار بيوم الدين، ووقوع الغضب على طائفة من المتمرّدين، وتكون مشروطة بشرائط خاصّة، الموجبة للتوجّه والالتفات إلى المحرَّم، وتمييزه عن المحلّل، وغير ذلك من الجهات الموجودة فيها.
- (1) سورة النحل 16: 90.
- (2) روح المعاني 20: 493 ـ 494، التبيان في تفسير القرآن 8 : 190، مجمع البيان 8 : 26، منهج الصادقين 7: 163.
- (3) ذكر هذه الآراء وردّها في الميزان في تفسير القرآن 16: 134 ـ 135.
- (4) الميزان في تفسير القرآن 16: 135.
( صفحه 11 )
غاية الأمر أنّ هذا الأثر إنّما يكون بنحو الاقتضاء، دون الاستيجاب والعلّية التامّة، فربما تخلّف عن أثرها; لمقارنة بعض الموانع، ولو قيس حال بعض من يسمّى بالإسلام وهو تارك للصلاة، مع من يأتي بأدنى مراتب الصلاة ممّا يسقط به التكليف، لا يوجد الأوّل إلاّ مضيّعاً بإضاعة الصلاة وفريضة الصوم والحجّ والزكاة والخمس وعامّة الواجبات الدينيّة، ولا يفرّق بين طاهر ونجس وحلال وحرام، والثاني إلاّ مرتدعاً عن كثير من الاُمور التي يقترفها تارك الصلاة، وإذا قيس إليه من هو فوقه في الاهتمام بأمر الصلاة لا يوجد إلاّ كونه أكثر ارتداعاً منه، وعلى هذا القياس.
الأمر الثاني: فيما يستفاد من الكتاب والسنّة بالإضافة إلى تارك الصلاة. أمّا الكتاب، فقوله ـ تعالى ـ : (فَإِذَا انْسَلَخَ اْلأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَد فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(1).
قال الفاضل الجواد الكاظمي في كتابه مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام: استدلّ بهذه الآية على أنّ تارك الصلاة عمداً يجب قتله: لأنّه ـ تعالى ـ أوجب الامتناع من قتل المشركين بشرطين:
أحدهما: أن يتوبوا من الشرك.
والثاني: أن يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، والحكم المعلّق على مجموع لا يتحقّق إلاّ مع تحقّق المجموع، ويكفي في حصول نقيضه; أعني إباحة قتلهم فوت واحد من المجموع، ويلزم ما ذكرناه، والآية وإن كانت في المشركين،