( صفحه 86 )
عن أحدهما حتّى يقال: إنّ طريقه إليه صحيح، بل ولم يظهر أنّه رواها مسندة ولم يصل إلينا سندها، أو رواها مرسلة من الابتداء.
نعم، لو كان نقل الرواية في تهذيبه أو استبصاره لحكمنا بأنّها كانت موجودة فيه; لأنّه (قدس سره) ذكر في المشيخة(1) أنّه يروي فيهما عن أصل المبدوّ به في السند(2).
ويمكن دفعه ـ مضافاً إلى اعتماد المشهور على هذه الرواية واستنادهم إليها، الجابر لضعفهما على تقديره، وإلى قاعدة التسامح في أدلّة السنن(3) بناءً على إثباتها للاستحباب الشرعي ـ بأنّه مع وجود الطريق الصحيح إلى أصل هشام وكتابه كما في الفهرست(4)، وعدم إشعار في نقل الشيخ بكون الرواية منقولة عن لفظه دون أصله، وعدم إشعار بإرسال الرواية، هل يكون الاحتمال المذكور في كلام هذا البعض مورداً لاعتناء العقلاء وترتيب الأثر عليه؟
خصوصاً مع الاقتصار على الرواية عن أصل المبدوّ به في السند في كتابي التهذيب والاستبصار، المعدّين للاستنباط والوصول إلى الأحكام الإلهيّة، وعدم كون كتاب المصباح معدّاً إلاّ لبيان المستحبّات والآداب، فالإنصاف تماميّة الرواية سنداً كتماميّتها من حيث الدلالة. وعليه: فلا يبقى خدشة
- (1) تهذيب الأحكام 10، المشيخة: 4.
- (2) التنقيح في شرح العروة الوثقى، كتاب الصلاة 1: 104، المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 11: 74.
- (3) تقدّمت تخريجها في ص26.
- (4) الفهرست للشيخ الطوسي: 257، الرقم 782.
( صفحه 87 )
في مشروعيّة صلاة الغفيلة بالكيفيّة المعروفة.
الجهة الثانية: روى الصدوق في جملة من كتبه ـ مرسلة في بعضها بالإرسال المعتبر، ومسندة في أكثرها ـ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: تنفّلوا في ساعة الغفلة ولو بركعتين خفيفتين; فإنّهما تورثان دار الكرامة. قال: وفي خبر آخر: دار السلام وهي الجنّة، وساعة الغفلة ما بين المغرب والعشاء الآخرة(1).
وذيل الحديث في الثواب والمعاني هكذا: قيل: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وما ساعة الغفلة؟ قال: ما بين المغرب والعشاء(2).
وعليه: فينتفي احتمال كون الذيل في غيرهما من الصدوق نفسه، كما لايخفى.
وفي كتاب فلاح السائل بعد نقل رواية الصدوق زاد: قيل: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومامعنى خفيفتين؟ قال: تقرأ فيهما الحمد وحدها(3).
والمستفاد من هذه الروايات استحباب عنوان التنفّل في ساعة الغفلة التي هي ما بين المغرب والعشاء الآخرة، ولا يعتبر فيه كيفيّة خاصّة وكم مخصوص، بل يتحقّق بركعتين فاقدتين للسورة أيضاً.
وعليه: يقع الكلام في اتّحادها مع صلاة الغفيلة التي تضمّنتها رواية هشام
- (1، 2) الفقيه 1: 357 ح1564، علل الشرائع: 343 ب45 ح1، معاني الأخبار: 265 ح1، ثواب الأعمال: 68، باب «ثواب التنفّل في ساعة الغفلة» ح1، أمالي الصدوق: 648 ح882 ، تهذيب الأحكام 2: 243 ح963، وعنها وسائل الشيعة 8 : 120، كتاب الصلاة، أبواب بقيّة الصلوات المندوبة ب20 ح1.
- وفي بحار الأنوار 87 : 95 ـ 96 ح14 عن الأمالي وثواب الأعمال ومعاني الأخبار والعلل.
- (3) فلاح السائل: 435 ح301، وعنه بحار الأنوار 87 : 100 ح19، ومستدرك الوسائل 6: 303، كتاب الصلاة، أبواب بقيّة الصلوات المندوبة ب15 ح2.
( صفحه 88 )
المتقدّمة، وعدمه; بمعنى أنّه هل يكون هنا استحبابان تعلّق أحدهما بعنوان التنفّل في ساعة الغفلة، والآخر بالصلاة بالكيفيّة المعروفة، أو أنّه لا يكون في البين إلاّ تكليف استحبابيّ واحد، غاية الأمر أنّ الإتيان بها بتلك الكيفيّة أفضل؟
والظاهر هو التعدّد وإن جاز التداخل في مقام الامتثال; لأنّ الرواية الدالّة على مطلوبيّة مطلق التنفّل في ساعة الغفلة إنّما تدلّ على أنّ المطلوب هو عدم خلوّ هذا الزمان ـ الذي هو زمان الغفلة ـ من التنفّل الذي يكون حقيقته التوجّه إلى المعبود، والتخضّع والتخشّع لديه، فالمطلوب فيه أمر عامّ ينطبق على القليل والكثير، ولا دلالة لها على كيفيّة مخصوصة.
والرواية الاُخرى تدلّ على استحباب ركعتين بالكيفيّة الخاصّة، وهو عنوان آخر يغاير العنوان المأخوذ في تلك الروايات من حيث المفهوم، ولكن لا يأبى من الاجتماع معه في الخارج ومقام الامتثال، فالعنوانان في عالم تعلّق الحكم متغايران، وفي عالم الامتثال يمكن تصادقهما على أمر واحد، فإذا قصد كليهما يتحقّق امتثالان، وإذا أتى بالركعتين بغير تلك الكيفيّة لا تتحقّق صلاة الغفيلة.
كما أنّه إن أتى بها بدون قصد امتثال الأمر المتعلّق بالتنفّل ساعة الغفلة لا يتحقّق امتثال أمره، وإن كان يمكن أن يقال بأنّ المقصود من الأمر المتعلّق به، هو أن لا يكون ذلك الوقت خالياً من التوجّه إلى الله، من دون أن يكون للمأمور به عنوان خاصّ مستقلّ، فلا حاجة في امتثاله إلى قصد متعلّقه، بل الظاهر هو ذلك. وعليه: فلا يتوقّف على قصد عنوان التنفّل في ساعة الغفلة،
( صفحه 89 )
بل يتحقّق الامتثالان معاً بقصد صلاة الغفيلة.
الجهة الثالثة: في اتّحاد صلاة الغفيلة مع نافلة المغرب وعدمه، ونقول:
ربما يقال(1) بالاتّحاد، وأنّ الرواية المتضمّنة لصلاة الغفيلة ناظرة إلى أدلّة نافلة المغرب، والمقصود من قوله (عليه السلام) في هذه الرواية: «من صلّى بين العشاءين ركعتين...» هو الركعتان من أربع ركعات المعروفة بنافلة المغرب، فكأنّه قال: من صلّى الركعتين من نافلة المغرب بهذه الكيفيّة يترتّب عليها أثر مخصوص; وهو قضاء حاجته، وإعطاء الله إيّاه ما سأل.
ويترتّب على ذلك عدم جواز الاقتصار على الغفيلة، ولزوم الإتيان بركعتين آخرتين قبلها أو بعدها بناءً على ما ذكرنا سابقاً(2) من عدم تعدّد النوافل المركّبة وترتّب الأثر على مجموعها.
كما أنّه يترتّب على ذلك عدم جواز الإتيان بالغفيلة بعد الإتيان بنافلة المغرب بأجمعها.
والذي يقرّب هذا القول أمران:
أحدهما: أنّه ليس في الروايات المتعرّضة لتعداد النوافل(3) اليوميّة من التعرّض لصلاة الغفيلة عين ولا أثر، لاسيّما ما يدلّ(4) على أنّ مجموع عددها بضميمة الفرائض لا يتجاوز عن إحدى وخمسين ركعة، وما ورد(5)منها حكاية لعمل النبيّ أو الوصيّ صلوات الله وسلامه عليهما، حيث لا إشعار فيها بثبوت صلاة الغفيلة والإتيان بها زائدة على نافلة المغرب.
- (1) راجع نهاية التقرير 1: 63 ـ 64.
- (2) في ص26 ـ 36.
- (3 ـ 5) وسائل الشيعة 4: 45، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض ب13.
( صفحه 90 )
ثانيهما: النهي عن التطوّع(1) في وقت الفريضة، حيث إنّه على تقدير استقلال صلاة الغفيلة تكون مصداقاً للتطوّع في وقت فريضة العشاء، وهو منهيّ عنه، فلا محالة تحسب جزءاً من نافلة المغرب لتخرج من هذا العنوان.
ويدفع الأوّل: أنّ عدم التعرّض في تلك الروايات لصلاة الغفيلة إنّما هو لأجل عدم كونها من الرواتب اليوميّة المضافة إلى الفرائض، أو إلى اليوم والليل، بل هي عبادة مستقلّة يترتّب عليها أثر مخصوص، غاية الأمر أنّ وقتها بين العشاءين، فلاتكون جزءاً للرواتب.
ويدفع الثاني ـ مضافاً إلى لزوم ملاحظة أنّ النهي هل هو تحريميّ أو تنزيهيّ؟ وأنّ المراد بالتطوّع هل هو مطلق التطوّع أو خصوص النوافل الابتدائيّة التي لايكون لها عنوان خاصّ؟ وأنّ الوقت هل هو الوقت الاختصاصي، أو الأعمّ منه ومن وقت الفضيلة، بل الإجزاء؟: ـ أنّ الدليل على خروجها عن ذلك العنوان هو الدليل الدالّ على مشروعيّتها وثبوتها في الشرع، فلا فرق بينها، وبين أصل نافلة المغرب من هذه الجهة أصلاً.
فانقدح أنّ اتّحاد صلاة الغفيلة مع نافلة المغرب ممّا لا سبيل إليه، ويبعّده أيضاً أنّ ظاهر دليل الغفيلة(2) تشريع الصلاة بالكيفيّة المخصوصة، لا بيان الخصوصيّة في الصلاة المشروعة، فافهم.
وربما يقال(3) بتغايرهما بحيث لا يمكن تصادقهما حتّى في مقام الامتثال
- (1) وسائل الشيعة 4: 226 ـ 229، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب35، ويأتي البحث عنه مفصّلاً في ص305 ـ 327، مسألة13.
- (2) تقدّم في ص84 ـ 87 .
- (3) راجع نهاية التقرير 1: 63.