( صفحه 81 )
وبعضها يشتمل على عنوان الثلث، كرواية رجاء بن أبي الضحّاك، الحاكية لفعل الرضا (عليه السلام) ، المشتملة على قوله: فإذا كان الثلث الأخير من الليل قام من فراشه بالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والاستغفار فاستاك ثمّ توضّأ، ثمّ قام إلى صلاة الليل، فيصلّي ثماني ركعات ويسلِّم، الحديث(1).
ورواية إسماعيل بن سعد الأشعري قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن ساعات الوتر؟ قال: أحبّها إليّ الفجر الأوّل. وسألته عن أفضل ساعات الليل؟ قال: الثلث الباقي، الحديث(2).
فإنّ المراد من أفضل ساعات الليل إمّا الأفضليّة بلحاظ خصوص صلاة الليل، وإمّا الأفضليّة بلحاظ جميع العبادات التي منها صلاة الليل قطعاً، بقرينة عدم ثبوت خصوصيّة مخرجة، ومسبوقيّة السؤال من ساعة الوتر، فتدبّر.
وبعضها يدلّ على عنوان آخر الليل، كرواية مرازم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: متى اُصلّي صلاة الليل؟ قال: صلّها في آخر الليل، الحديث(3).
ورواية سليمان بن خالد، المشتملة على قول أبي عبد الله (عليه السلام) : وثمان ركعات من آخر الليل، تقرأ في صلاة الليل بـ (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ)، و(قُلْ يا أَيُّهَا في الركعتين الاُوليين، الحديث(4).
- (1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 180 ـ 181 ح5، وعنه وسائل الشيعة 4: 56، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض ب13 قطعة من ح24.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 339 ح1401، وعنه وسائل الشيعة 4: 272، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب54 ح4.
- (3) تهذيب الأحكام 2: 335 ح1382، وعنه وسائل الشيعة 4: 272، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب54 ح3.
- (4) تقدّم تخريجها في ص31.
( صفحه 82 )
والجمع بين هذه الروايات إنّما هو بحمل ما ورد فيه عنوان السحر على أنّ المراد به هو الثلث الباقي بقرينة ما تدلّ عليه، فيكون وقت الفضيلة هو الثلث، وحمل ما دلّ على آخر الليل على أنّه أفضل أجزاء السحر بالإضافة إليها، والشاهد هي رواية أبي بصير الظاهرة في مغايرة عنوان السحر وآخر الليل; بمعنى كون الثاني أضيق من الأوّل.
ويؤيّده أنّ السؤال في رواية مرازم ليس عن وقت صلاة الليل مطلقاً، بل عن الوقت الذي يصلّي الراوي في ذلك الوقت، والجواب أيضاً قد ورد بنحو الخطاب.
وعليه: فيرتفع البعد عن أن يكون المراد أفضل الأوقات، كما أنّ رواية ابن خالد بلحاظ اشتمالها على بيان خصوصيّة السورة في صلاة الليل، تكون ناظرة إلى الوقت الأفضل، وعلى ما ذكرنا فالجمع يصير في كمال الوضوح، ولا حاجة إلى ملاحظة أمر آخر في أصل الحكم أو في تفسير السحر، فتدبّر.
الأمر الثاني: قد ورد في جملة من الروايات أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) كان يفرّق بين ركعات صلاة الليل.
فقد روى الحلبي ـ في الصحيح أو الحسن ـ عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان إذا صلّى العشاء الآخرة أمر بوضوئه وسواكه، فوضع عند رأسه مخمراً فيرقد ما شاء الله، ثمّ يقوم فيستاك ويتوضّأ ويصلّي أربع ركعات، ثمّ يرقد، ثمّ يقوم فيستاك ويتوضّأ ويصلّي أربع ركعات، ثمّ يرقد حتّى إذا كان في وجه الصبح قام فأوتر، ثمّ صلّى الركعتين، ثمّ قال: لقد كان لكم في رسول الله (صلى الله عليه وآله) أسوة حسنة.
( صفحه 83 )
قلت: متى كان يقوم؟ قال: بعد ثلث الليل. قال الكليني: وفي حديث آخر: بعد نصف الليل(1).
ومن المعلوم أنّ الرواية بلحاظ اشتمالها على قوله (عليه السلام) : «لقد كان لكم...» تنفي احتمال اختصاص هذه الكيفيّة بالنبيّ (صلى الله عليه وآله) ، ولا مانع من الالتزام بذلك; بمعنى أنّ أفضل الكيفيّات هو التفريق بالنحو المذكور في الرواية، ولا ينافي ذلك ما ذكرنا(2) من أنّ وقت فضيلتها هو السحر، وأفضل منه هو آخر الليل، الذي هو القريب من الفجر; فإنّ ذلك إنّما هو في مورد الجمع بين الركعات; بمعنى أنّه إذا أراد الجمع والإتيان بها دفعة واحدة، فالترتيب في الفضيلة ما ذكر.
وأمّا إذا أراد التفريق، فالترتيب إنّما هو بالنحو المذكور في الرواية، وهو بهذا النحو أفضل من الجمع مع رعاية الفضيلة بمراتبها، كما لايخفى.
- (1) الكافي 3: 445 ح13، وعنه وسائل الشيعة 4: 270، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب53 ح2و3.
- (2) في ص79.
( صفحه 84 )
[ صلاة الغفيلة ]
صلاة الغفيلة
مسألة 2: الأقوى ثبوت استحباب صلاة الغفيلة، وليست من الرواتب; وهي ژركعتان بين صلاة المغرب، وسقوط الشفق الغربي على الأقوى، يقرأ في الاُولى بعد الحمد: (وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَ نَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَ كَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ)(1).
وفي الثانية بعد الحمد: (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلاّ هُوَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَة إِلاّ يَعْلَمُها وَلا حَبَّة فِي ظُلُماتِ اْلأَرْضِ وَلا رَطْب وَلا يابِس إِلاّ فِي كِتاب مُبِين )(2) فإذا فرغ رفع يديه وقال:
«اللّهمّ إنّي أسألك بمفاتح الغيب التي لا يعلمها إلاّ أنت أن تصلّي على محمّد وآل محمّد، وأن تفعل بي كذا وكذا»، فيدعو بما أراد، ثمّ قال: «اللّهمّ أنت وليّ نعمتي، والقادر على طلبتي تعلم حاجتي، فأسألك بحقّ محمّد وآل محمّد عليه وعليهم السلام لمّا قضيتها لي»، وسأل الله حاجته، أعطاه الله عزّ وجلّ ما سأله إن شاء الله1.
1ـ الكلام في صلاة الغفيلة يقع من جهات:
الجهة الاُولى: في أصل ثبوتها ومشروعيّتها بهذه الكيفيّة المعروفة المذكورة في المتن، وعمدة الدليل عليها ما رواه الشيخ في المصباح، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من صلّى بين العشاءين ركعتين يقرأ
- (1) سورة الأنبياء 21: 87 ـ 88 .
- (2) سورة الأنعام 6: 59.
( صفحه 85 )
في الاُولى الحمد، وقوله: (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً ـ إلى قوله: ـ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ)، وفي الثانية الحمد وقوله: (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلاّ هُوَ)إلى آخر الآية، فإذا فرغ من القراءة رفع يديه وقال: اللّهمّ إنّي أسألك بمفاتح الغيب التي لا يعلمها إلاّ أنت، أن تصلّي على محمّد وآل محمّد، وأن تفعل بي كذا وكذا.
وتقول: اللّهمّ أنت وليّ نعمتي، والقادر على طلبتي، تعلم حاجتي، فأسألك بحقّ محمّد وآله لما قضيتها لي، وسأل الله حاجته، أعطاه الله ما سأل.
ورواه السيّد رضي الدين عليّ بن طاووس في كتاب فلاح السائل عن علي بن محمّد بن يوسف، عن أحمد بن محمّد بن محمّد بن سليمان الزراري، عن أبي جعفر الحسني محمد بن الحسين الأشتر، عن عباد بن يعقوب، عن علي بن الحكم، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) نحوه، وزاد في ذيله: فإنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) قال: لا تتركوا ركعتي الغفيلة، وهما بين العشاءين(1).
والنقل عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) يحتمل أن يكون صادراً من السيّد، ويحتمل أن يكون من كلام الإمام (عليه السلام) ، والأظهر هو الثاني.
وأورد بعض الأعلام على رواية الشيخ (قدس سره) بأنّ طريق الشيخ إلى أصل هشام بن سالم وكتابه وإن كان صحيحاً وقابلاً للاعتماد عليه، إلاّ أنّه لم يعلم أنّ هذه الرواية كانت موجودة في أصل هشام وكتابه، وأنّه رواها
- (1) مصباح المتهجّد: 106 ـ 107، فلاح السائل: 431 ح295، وعنهما بحار الأنوار 87 : 96 ح15، وفي وسائل الشيعة 8 : 121، كتاب الصلاة، أبواب بقيّة الصلوات المندوبة ب20 ح2، وفي مستدرك الوسائل 6: 303، كتاب الصلاة، أبواب بقيّة الصلوات المندوبة ب15 ح6875 عن فلاح السائل.