( صفحه 258 )الاختيار والاضطرار، لا أنّها تثبته، فتدبّر.
مع أنّ في سند الرواية إسماعيل بن سهل، الذي ضعّفه أصحابنا على ما حكي عن النجاشي(1).
ومنها: رواية إبراهيم الكرخي قال: سألت أبا الحسن موسى (عليه السلام) : متى يدخل وقت الظهر؟ قال: إذا زالت الشمس. فقلت: متى يخرج وقتها؟ فقال: من بعدما يمضي من زوالها أربعة أقدام، إنّ وقت الظهر ضيّق ليس كغيره. قلت: فمتى يدخل وقت العصر؟ فقال: إنّ آخر وقت الظهر هو أوّل وقت العصر. فقلت: فمتى يخرج وقت العصر؟ فقال: وقت العصر إلى أن تغرب الشمس، وذلك من علّة وهو تضييع.
فقلت له: لو أنّ رجلاً صلّى الظهر بعدما يمضي من زوال الشمس أربعة أقدام، أكان عندك غير مؤدٍّ لها؟ فقال: إن كان تعمّد ذلك ليخالف السنّة والوقت لم تقبل منه، كما لو أنّ رجلاً أخّر العصر إلى قرب أن تغرب الشمس متعمّداً من غير علّة لم تقبل منه، إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد وقّت للصلاة المفروضات أوقاتاً، وحدّ لها حدوداً في سنّته للناس، فمن رغب عن سنّة من سننه الموجبات كان مثل من رغب عن فرائض الله(2).
واُجيب(3) عنها ـ مضافاً إلى أنّها ضعيفة السند بإبراهيم الكرخي; لعدم
- (1) رجال النجاشي: 28، الرقم 56.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 26 ح74، الاستبصار 1: 258 ح926، وعنهما وسائل الشيعة 4: 149، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب8 ح32.
- (3) التنقيح في شرح العروة الوثقى، كتاب الصلاة 1: 133، المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 11: 95.
( صفحه 259 )توثيقه ـ بأنّ غاية مفادها هي حرمة التأخير إلى الوقت الثاني إذا كان بصورة الإعراض عن السنّة والتهاون بها، وبتعبير الرواية «إن كان تعمّد ذلك ليخالف السنّة والوقت»، ولا دلالة لها على الحرمة فيما هو محلّ البحث أصلاً.
ومنها: رواية داود بن فرقد قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً)(1)، قال: كتاباً ثابتاً، وليس إن عجّلت قليلاً أو أخّرت قليلاً بالذي يضرّك ما لم تضيّع تلك الإضاعة; فإنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول لقوم: (أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً)(2)،(3).
والاستدلال، بها مبنيّ على أن يكون التعجيل والتأخير راجعين إلى الوقت الاختياري والإضاعة راجعة إلى الوقت الاضطراري، بحيث أخّر الصلاة إليه من غير عذر وضرورة.
واُورد عليه بأنّه دعوى لا مثبت لها; لأنّ التعجيل والتأخير سواء أرجعا إلى الوقت الأوّل أو الثاني لم يدلّ دليل على أنّ الإضاعة بالمعنى المذكور; لاحتياجه إلى قرينة وهي مفقودة في الرواية، وإنّما تدلّ على أنّه أشار بالإضاعة إلى إضاعة خاصّة، ولعلّها كانت معهودة بينه وبين السائل(4).
أقول: الظاهر أنّه حيث كان السؤال عن تفسير قوله ـ تعالى ـ الظاهر
- (1) سورة النساء 4: 103.
- (2) سورة مريم 19: 59.
- (3) الكافي 3: 270 ح13، وعنه وسائل الشيعة 4: 29، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض ب7 ح4.
- (4) التنقيح في شرح العروة الوثقى، كتاب الصلاة 1: 134، المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 11: 96.
( صفحه 260 )في ثبوت الوقت للصلاة، وأجاب الإمام (عليه السلام) بأنّه ليس المراد بالموقوت هو بيان الوقت، بل المراد به هو الثبوت وعدم التغيّر; للإشارة إلى الفرق بين الصلاة، وبين الصوم اللذين يشتركان في أنّهما قد كتبا على الناس; بأنّ الصلاة كتاب ثابت لا يجوز تركها بوجه، فقد وقع من هذه الجهة شبهة في ذهن السائل من جهة عدم الاهتمام بالوقت.
وأجاب الإمام (عليه السلام) بأنّه ليس الوقت في الأهمّية مثل أصل الصلاة، فالتعجيل والتأخير قليلاً لا يوجب تحقّق الضرر، بل المضرّ هي الإضاعة المتحقّقة بترك الصلاة رأساً، وعدم الاعتناء بشأنها كذلك، فالرواية على هذا التقدير إنّما تكون في مقام مقايسة الوقت مع أصل الصلاة، وأنّه ليس الوقت من جهة الأهمّية كأصل الصلاة. وعليه: لا ارتباط لها بالمقام أصلاً.
ومنها: رواية أبي بصير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) : إنّ الموتور أهله وماله من ضيّع صلاة العصر. قلت: وما الموتور؟ قال: لا يكون له أهل ولا مال في الجنّة. قلت: وما تضييعها؟ قال: يدعها حتّى تصفرّ وتغيب.
ورواه في الوسائل عن الصدوق أيضاً مع زيادة في صدره وذكر «أو» مكان «الواو» في قوله: «حتى تصفرّ وتغيب»(1).
والاستدلال بها مبنيّ على أن يكون العطف بـ «أو»، مع أنّه لم يثبت كما عرفت، مضافاً إلى أنّ العطف بـ «أو» في مثل المقام ـ ممّا يكون الأمر الأوّل
- (1) تهذيب الأحكام 2: 256 ح1018، الاستبصار 1: 259 ح930، الفقيه 1: 141 ح654، المحاسن 1: 164 ح239، معاني الأخبار: 171 ح1، عقاب الأعمال: 275 ح3، وعنها وسائل الشيعة 4: 152 و 153، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب9 ح1 و 7.
( صفحه 261 )متحقّقاً قبل الأمر الثاني دائماً ـ ممّا لا وجه له; لعدم المعقوليّة.
مع أنّه على تقدير تسليم ذلك لا دلالة للرواية على حرمة التأخير واستحقاق العقوبة بسببه. غاية الأمر أنّ التأخير يوجب تحقّق الموتوريّة، وفقدان الأهل والمال في الجنّة، وكونه كلاًّ على أهلها، وهذه منقصة يمكن أن تكون ناشئة من ترك الصلاة في وقت الفضيلة وعدم رعايته، فلا دلالة للرواية على مدّعاه، مع أنّ الظاهر من قوله (عليه السلام) : «يدعها» هو استمرار الترك الناشئ من البناء العملي على التأخير.
وقد عرفت(1) خروج مثل هذا الفرض ممّا يكون التأخير بداع الإعراض عن السنّة والتهاون بها، وعدم الاعتناء بشأنها عن محلّ الكلام، ويؤيّده توصيفه بـ «التعمّد» في بعض الروايات(2).
ومنها: صحيحة أبان بن تغلب قال: كنت صلّيت خلف أبي عبد الله (عليه السلام) بالمزدلفة، فلـمّا انصرف التفت إليّ فقال: يا أبان، الصلوات الخمس المفروضات من أقام حدودهنّ، وحافظ على مواقيتهنّ لقى الله يوم القيامة، وله عنده عهد يدخله به الجنّة، ومن لم يقم حدودهنّ ولم يحافظ على مواقيتهنّ لقي الله ولا عهد له، إن شاء عذّبه، وإن شاء غفر له(3).
واُجيب عن الاستدلال بها أنّها نظير ما دلّ على أنّ أوّل الوقت
- (1) في ص255.
- (2) وسائل الشيعة 4: 154، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب9 ح8 و 10.
- (3) الكافي 3: 267 ح1 و 2، تهذيب الأحكام 2: 239 ح945، ثواب الأعمال: 48 ح1، وعنها وسائل الشيعة 4: 107، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب1 ح1.
( صفحه 262 )رضوان الله، وآخره عفو الله(1)، فمفادها أنّ من صلاّها في أوقات الفضيلة فقد وعده الله أن يدخله الجنّة بذلك، ومن صلاّها في غير تلك الأوقات فليس له وعد من الله سبحانه، بل له أن يدخله الجنّة، وله أن لا يدخلها(2).
والحقّ أنّ المراد بالمواقيت في الرواية هي مواقيت الإجزاء، ومفادها أنّ عدم رعايتها وعدم المحافظة عليها يوجب استحقاق العذاب وإن كان غير تارك لأصل الصلاة. غاية الأمر أنّ تحقّق العذاب متوقّف على مشيئة الله، والشاهد لما ذكرنا جعل عدم المحافظة في عداد عدم إقامة حدود الصلوات، الظاهر في عدم الاهتمام بشرائطها وخصوصيّاتها المعتبرة فيها.
وعليه: فمراد الرواية أنّ إتيان الصلاة في الوقت مع جميع الخصوصيّات موجب لثبوت العهد المذكور، والإخلال بالوقت أو بالحدود مع عدم الترك رأساً موجب لاستحقاق العذاب. وعليه: فلا تكون الرواية نظير الرواية المذكورة في الجواب، فتدبّر.
ومنها: موثّقة معاوية بن وهب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أتى جبرئيل رسول الله (صلى الله عليه وآله) بمواقيت الصلاة، فأتاه حين زالت الشمس، فأمره فصلّى الظهر، ثمّ أتاه حين زاد الظلّ قامة، فأمره فصلّى العصر، ثمّ أتاه حين غربت الشمس، فأمره فصلّى المغرب، ثمّ أتاه حين سقط الشفق، فأمره فصلّى العشاء، ثمّ أتاه حين طلع الفجر، فأمره فصلّى الصبح.
- (1) تقدّم في ص256.
- (2) التنقيح في شرح العروة الوثقى، كتاب الصلاة 1: 137، المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 11: 97 ـ 98.