( صفحه 76 )
لا تنافي الإتيان بها في وقتها، غاية الأمر الانتقال إلى الطهارة الترابيّة، كما في الفريضة، وسقوط شرط الاستقرار الذي هو شرط الكمال في النافلة لا الصحّة، ويظهر ذلك من المحقّق الهمداني في المصباح(1).
والجواب: ظهور هذه الروايات في تعدّد الوقت واختلافه، ولا منافاة; فإنّه حيث يكون صلاة الليل نافلة مخصوصة لها مزايا كثيرة، اُريد بذلك التوسعة بالإضافة إلى الوقت لخصوص المعذور، غاية الأمر التوسّع في العذر وتعميم موارده، فلا يستفاد منها وحدة الوقت أصلاً.
الرابع: موثّقة سماعة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا بأس بصلاة الليل فيما بين أوّله إلى آخره، إلاّ أنّ أفضل ذلك بعد انتصاف الليل(2).
الخامس: صحيحة محمد بن عيسى قال: كتبت إليه أسأله: يا سيّدي روي عن جدّك أنّه قال: لا بأس بأن يصلّي الرجل صلاة الليل في أوّل الليل؟ فكتب: في أيّ وقت صلّى فهو جائز إن شاء الله(3).
وهاتان الروايتان تامّتان من حيث السند والدلالة، والجمع بينهما، وبين الروايات المتقدّمة الدالّة على أنّ أوّل وقتها هو انتصاف الليل ـ بعد ثبوت الإطلاق لكلتيهما من جهة ثبوت العذر وعدمه ـ هو حملهما على صورة العذر، وحملها على حال الاختيار، والشاهد للجمع هو الأخبار الدالّة على
- (1) مصباح الفقيه 9: 263 ـ 270.
- (2) تهذيب الأحكام 3: 233 ح607، وج2: 337 ح1394، وعنه وسائل الشيعة 4: 252، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب44 ح9.
- (3) تهذيب الأحكام 2: 337 ح1393، وعنه وسائل الشيعة 4: 253، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب44 ح14.
( صفحه 77 )
جواز التقديم على الانتصاف في موارد العذر، الظاهرة في اختصاص المعذورين بوقت خاصّ، وثبوت تعدّد الوقت واختلافه، فلا تعارض في البين كما لا يخفى.
المقام الثاني: في منتهى وقت صلاة الليل، والمعروف بل المتسالم عليه بينهم هو امتداد وقت صلاة الليل إلى طلوع الفجر الصادق(1)، وفي مقابله احتمالان:
أحدهما: الامتداد إلى طلوع الشمس، ومنشؤه استدامة الليل إليه وإطلاق صلاة الليل عليها.
والآخر: الامتداد إلى طلوع الفجر الكاذب، ونسب ذلك إلى السيّد المرتضى (قدس سره) (2).
أمّا الاحتمال الثاني: فيردّه رواية إسماعيل بن جابر، أو عبد الله بن سنان قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : إنّي أقوم آخر الليل وأخاف الصبح، قال: إقرأ الحمد واعجل واعجل(3).
ورواية محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يقوم من آخر الليل وهو يخشى أن يفجأه الصبح، أيبدأ بالوتر، أو يصلّي الصلاة على
- (1) مسائل الناصريّات: 198 مسألة 176، الخلاف 1: 533 مسألة 272، المعتبر 2: 54، منتهى المطلب 4: 97، جامع المقاصد 2: 21 ـ 22، مجمع الفائدة والبرهان 2: 33.
- (2) حكى عنه في مختلف الشيعة 2: 56 مسألة 12، وذكرى الشيعة 2: 371. وفي مفتاح الكرامة 5: 116 نسبه إلى جمل العلم والعمل، ولكن لم نعثر عليه في النسخ الموجودة لدينا من الجمل، وكذا في بقيّة كتبه عاجلاً.
- (3) الكافي 3: 449 ح27، تهذيب الأحكام 2: 124 ح273، الاستبصار 1: 280 ح1019، وعنها وسائل الشيعة 4: 257، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب46 ح1.
( صفحه 78 )
وجهها حتّى يكون الوتر آخر ذلك؟! قال: بل يبدأ بالوتر، وقال: أنا كنت فاعلاً ذلك(1).
ورواية معاوية بن وهب قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: أما يرضى أحدكم أن يقوم قبل الصبح ويوتر ويصلّي ركعتي الفجر ويكتب له بصلاة الليل(2).
ولكن دلالة هذه الروايات الثلاثة على خلاف ما نسب إلى السيّد إنّما تتمّ على تقدير أن يكون مراده هو امتداد مجموع إحدى عشرة ركعة إليه، فينقضي وقتها بطلوعه وإن لم يطلع الفجر الصادق بعد; لصراحتها في جواز الوتر وعدم انقضاء وقته قبل الصبح.
نعم، يمكن أن يكون مراده هو امتداد خصوص ثمان ركعات التي عبّر عنها بصلاة الليل في روايات(3) متعدّدة، فيجوز الإتيان بالشفع والوتر بعد الفجر الأوّل، وعلى هذا التقدير يدفعه روايات(4) الامتداد إلى الفجر الثاني، الظاهرة في امتدادها بتمامها إليه، ويمكن أن يستفاد من رواية إسماعيل أو عبد الله المتقدّمة خلافه; نظراً إلى إطلاق: «إقرأ الحمد» الشامل لجميع الركعات، وعدم الاختصاص بالوتر، فتدبّر.
- (1) الكافي 3: 449 ح28، تهذيب الأحكام 2: 125 ح274، الاستبصار 1: 281 ح1020، وعنها وسائل الشيعة 4: 257، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب46 ح2.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 337 ح1391، وص341 ح1411، وعنه وسائل الشيعة 4: 258، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب46 ح3.
- (3) وسائل الشيعة 4: 45، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض ب13 ح6، 7، 16، 24 و 25.
- (4) وسائل الشيعة 4: 257، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب46.
( صفحه 79 )
وأمّا الاحتمال الأوّل: فيدفعه صحيحة جميل بن دراج قال: سألت أبا الحسن الأوّل (عليه السلام) عن قضاء صلاة الليل بعد الفجر إلى طلوع الشمس؟ فقال: نعم، وبعد العصر إلى الليل، فهو من سرّ آل محمّد المخزون(1).
ومرسلة الصدوق قال: قال الصادق (عليه السلام) : قضاء صلاة الليل بعد الغداة وبعد العصر من سرّ آل محمّد المخزون(2).
وغيرهما من الروايات(3) الدالّة على تحقّق عنوان القضاء بطلوع الفجر.
بقي الكلام في هذه المسألة في أمرين:
الأوّل: ذكروا(4) أنّ الإتيان بصلاة الليل في السحر أفضل، وأفضل منه آخر الليل، الذي هو القريب من الفجر، ويستفاد من قوله ـ تعالى ـ : (وَبِالاَْسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)(5) ثبوت مزيّة لهذه القطعة المسمـّاة بالسحر، وقد اختلف في تفسيره، فالمشهور بين الناس تفسيره بالثلث الباقي من الليل(6)، وربما يفسّر بأضيق من ذلك، وقد فسّر في اللغة بقبل الفجر، أو قبيله، أو سدس الليل ونحوها(7)، ولابدّ من ملاحظة الروايات الواردة ليظهر أصل
- (1) تهذيب الأحكام 2: 173 ح689، الاستبصار 1: 290 ح1060، وعنهما وسائل الشيعة 4: 273، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب56 ح1.
- (2) الفقيه 1: 315 ح1429، وعنه وسائل الشيعة 4: 274، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب56 ح3.
- (3) وسائل الشيعة 4: 274 ـ 279، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب56 ح2، وب57.
- (4) راجع ص77.
- (5) سورة الذاريات 51: 18.
- (6) راجع التفسير الكبير للفخر الرازي 3: 167، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي 4: 38 ـ 39، وروح المعاني: 3: 137، والجواهر الحسان في تفسير القرآن (تفسير الثعالبي) 1: 236 ـ 237.
- (7) لسان العرب 3: 253، معجم تهذيب اللغة 2: 164، القاموس المحيط 2: 108، المصباح المنير 1: 267.
( صفحه 80 )
الحكم، ولعلّه يظهر المراد من السحر أيضاً.
فنقول: الروايات الواردة في هذا الباب مختلفة من حيث العنوان المأخوذ فيها، فبعضها يشتمل على عنوان السحر.
كرواية أبي بصير الواردة فيما يستحبّ أن لا يقصر عنه من التطوّع، المشتملة على قول أبي عبد الله (عليه السلام) : ومن (في خ ل) السحر ثمان ركعات، ثمّ يوتر، والوتر ثلاث ركعات مفصولة، ثمّ ركعتان قبل صلاة الفجر، وأحبّ صلاة الليل إليهم آخر اللّيل(1).
ويستفاد من هذه الرواية ـ بعد حمل السحر على وقت الفضيلة لا أصل الوقت، بقرينة الروايات المتقدّمة(2)، الدالّة على أنّ أوّل وقتها بعد انتصاف الليل، ووضوح عدم كون السحر تمام النصف الباقي من الليل ـ مغايرة عنوان السحر لعنوان آخر الليل، وأنّه أفضل من السحر، كما لا يخفى.
ورواية فضل بن شاذان، عن الرضا (عليه السلام) في كتابه إلى المأمون، المشتملة على قوله (عليه السلام) : وثمان ركعات في السحر، الحديث(3).
ورواية الأعمش، عن جعفر بن محمّد (عليهما السلام) ، المشتملة على قوله (عليه السلام) : وثمان ركعات في السحر; وهي صلاة الليل، الحديث(4).
- (1) تهذيب الأحكام 2: 6 ح11، الاستبصار 1: 219 ح777، وعنهما وسائل الشيعة 4: 59، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض ب14 ح2.
- (2) في ص 70 ـ 71 و 73 ـ 76.
- (3) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 123 ح1، تحف العقول: 417، وعنهما وسائل الشيعة 4: 54، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض ب13 ح23.
- (4) الخصال: 603 ح9، وعنه وسائل الشيعة 4: 57، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض ب13 ح25.