(الصفحة 124)مسألة 3 : لو لم يكن للمدّعي بيّنة واستحلف المنكر فحلف ، سقطت دعوى المدّعي في ظاهر الشرع ، فليس له بعد الحلف مطالبة حقّه ولا مقاصّته ، ولا رفع الدعوى إلى الحاكم ، ولا تسمع دعواه ، نعم لا تبرأ ذمّة المدّعى عليه ، ولا تصير العين الخارجيّة بالحلف خارجاً عن ملك مالكها ، فيجب عليه ردّها وإفراغ ذمّته ، وإن لم يجز للمالك أخذها ولا التقاصّ منه ، ولا يجوز بيعها وهبتها وسائر التصرّفات فيها ، نعم يجوز إبراء المديون من دينه على تأمّل فيه ، فلو أقام المدّعي البيّنة بعد حلف المنكر لم تسمع ، ولو غفل الحاكم أو رفع الأمر إلى حاكم آخر فحكم ببيّنة المدّعي لم يعتدّ بحكمه1.
العروة : أنّ الدليل هي أصالة عدم ترتّب الأثر ، ولأنّه المعهود المنصرف إليه الأخبار ، وللأخبار المشتملة على قوله : «واضفهم إلى اسمي» كخبر محمد بن قيس : إنّ نبيّاً من الأنبياء شكى إلى ربّه كيف أقضي في اُمور لم أخبر ببيانها؟ قال : فقال له : ردّهم إليّ ، وأضفهم إلى اسمي يحلفون به(1) ، ونحوه مرسلة ابان وصحيحة سليمان بن خالد(2) ،(3) .
هذا ، مع أنّه من البعيد التفكيك بين البيّنة واليمين من هذه الجهة ، فتدبّر .
1 ـ لو لم يكن للمدّعي بيّنة واستحلف المنكر ، فهو أي المنكر إمّا أن يحلف وإمّا أن يردّ وإمّا أن ينكل ، فإن حلف على بطلان دعوى المدّعي سقطت دعواه في ظاهر
- (1) الكافي : 7 / 414 ح2 ، الوسائل : 27 / 230 ، أبواب كيفيّة الحكم ب1 ح3 .
- (2) الكافي : 7 / 414 ـ 415 ح3 و 4 ، التهذيب : 6 / 228 ح551 و 550 ، الوسائل : 27 / 229 ، أبواب كيفيّة الحكم ب1 ح2 و1 .
- (3) ملحقات العروة الوثقى : 3 / 60 مسألة 2 .
(الصفحة 125)
الشرع . نعم يأتي في المسألة الخامسة إن شاء الله أنّ الحلف هل هو بمجرّده موجب لسقوط الحق مطلقاً ، أو بعد إذن الحاكم ، أو إذا تعقّبه حكم الحاكم ، أو أنّ حكمه موجب للسقوط إذا كان مستنداً إلى الحلف ، وليس للمدّعي بعد ذلك مطالبة حقّه ولا مقاصّته ، ولا رفع الدعوى إلى هذا الحاكم أو حاكم آخر ، ولا تسمع دعواه؟ وهذا من دون فرق بين أن تكون الدعوى متعلّقة بالعين الخارجيّة أو بالدّين أو بغيرهما ، كالعقود والإيقاعات غير المتعلّقة بالمال ، التي لا يكون الغرض من النزاع فيها المال ، وإن استشكل في الأخيرة السيّد في الملحقات ، بل استظهر من الأخبار ـ التي يأتي التعرّض لبعضها ـ الدعاوى المتعلّقة بالمال(1) .
وكيف كان فإن كان حلف المنكر مطابقاً لاعتقاده ، بأن اعتقد أنّ العين الخارجيّة لا تكون للمدّعي ، وأنّ ذمّته غير مشغولة بدينه ، وإن كان حلفه غير مطابق لاعتقاده بحيث يرى نفسه كاذباً بينه وبين الله ، فذمّته لا تبرأ عن دين المدّعي . وإن كان حكم الحاكم بنفعه ، بل ولو أبرأه الداين من دينه على تأمّل ينشأ من أنّ الإبراء لابدّ وأن يتعلّق بالدين المسلّم أو المشكوك كالإبراء في موارد الشكّ في الدّين ، وفي المقام لا يكون دين بحسب حكم الحاكم على طبق حلفه ، فتعلّق الإبراء محلّ تأمّل .
وأمّا بالإضافة إلى العين الخارجيّة فلا تصير بالحلف كاذباً خارجة عن ملك مالكها فيجب عليه ردّها ، وإن لم يجز للمالك أخذها ولا التقاصّ منه ، ولا يجوز بيعها ولا هبتها وسائر التصرّفات فيها ، بل لابدّ من أن ينتظر المدّعي الى أن يتحقّق الإقرار من المدّعى عليه في الآتية ، أو يتبيّن للحاكم كذب المدّعى عليه في حلفه ، فينتقض حكمه جوازاً أو وجوباً ، كما سيأتي في المسألة الرابعة إن شاء الله تعالى ،
- (1) ملحقات العروة الوثقى : 3 / 61 ـ 62 .
(الصفحة 126)
ويمكن أن يتحقّق مثل الهبة من المدّعى عليه باعتبار أنّه مالك شرعاً ، فيتحقّق الانتقال منه إلى المدّعي في ظاهر الحال ، وإن كان المدّعي يرى نفسه مالكاً قبل الهبة .
ثمّ إنّه لا فرق في سقوط دعوى المدّعي بالحلف من المدّعى عليه بين ما لو أقام المدّعي البيّنة بعد الحلف وبين صورة عدم الإقامة ، وقيل كما عن المفيد(1) وابن حمزة(2) والقاضي(3) : يعمل بالبيّنة ما لم يشترط المنكر سقوط الحقّ باليمين ، وقيل كما عن موضع من المبسوط وابن إدريس : إن نسي بيّنته أو لم يعلم بها سمعت وإن أحلف(4) . وعن المختلف أنّه قوّاه(5) ، وعن موضع آخر من المبسوط أنّها تسمع مطلقاً(6) .
ولكن مقتضى صراحة بعض الروايات وإطلاق البعض الآخر خلاف جميع ذلك .
ففي صحيحة ابن أبي يعفور المتقدّمة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا رضي صاحب الحقّ بيمين المنكر لحقّه فاستحلفه ، فحلف أن لا حقّ له قبله ، ذهبت اليمين بحقّ المدّعي ، فلا دعوى له ، قلت له : وإن كانت عليه بيّنة عادلة؟ قال : نعم . وإن أقام بعدما استحلفه بالله خمسين قسامة ما كان له ، وكانت اليمين قد أبطلت كلّ ما ادّعاه
- (1) المقنعة : 733 .
- (2) الوسيلة : 213 .
- (3) نقل في المختلف عن الكامل للقاضي ابن البرّاج .
- (4) المبسوط : 8 / 210 ، السرائر : 2 / 159 .
- (5) مختلف الشيعة : 8 / 414 مسألة 15 .
- (6) المبسوط : 8 / 158 .
(الصفحة 127)
قبله ممّا قد استحلفه عليه .
وفي رواية الصدوق زيادة : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : من حلف لكم على حقّ فصدّقوه ، ومن سألكم بالله فاعطوه ، ذهبت اليمين بدعوى المدّعي ، ولا دعوى له(1) .
ويستفاد من هذه الرواية الصحيحة بالصراحة نفي قول من يدّعي سماع البيّنة بعد الحلف بنحو الاطلاق ، وكذا يستفاد منها بنحو الاطلاق أنّه لا فرق بين صورة عدم اشتراط المنكر سقوط الحقّ باليمين وبين صورة الاشتراط ، وكذا صورة الجهل بالبيّنة أو نسيانها أو العلم بها والتذكّر والالتفات ، ويؤيّده بعض الروايات الاُخر مثل :
رواية خضر النخعي عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الرجل يكون له على الرجل المال فيجحده ، قال : إن استحلفه فليس له أن يأخذ شيئاً ، وإن تركه ولم يستحلفه فهو على حقّه(2) .
ورواية عبدالله بن وضاح قال : كانت بيني وبين رجل من اليهود معاملة ، فخانني بألف درهم ، فقدّمته إلى الوالي فأحلفته فحلف ، وقد علمت أنّه حلف يميناً فاجرة ، فوقع له بعد ذلك عندي أرباح ودراهم كثيرة ، فأردت أن أقتصّ الألف درهم التي كانت لي عنده ، وأحلف عليها ، فكتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام)فأخبرته أنّي قد أحلفته فحلف ، وقد وقع له عندي مال ، فإن أمرتني أن آخذ منه الألف درهم
- (1) الكافي 7 : 417 ح1 ، التهذيب : 6 / 231 ح565 ، الفقيه : 3 / 37 ح126 ، الوسائل : 27/ 245 ، أبواب كيفيّة الحكم ب9 ح1 و2 .
- (2) الكافي : 7 / 418 ح2 ، التهذيب : 6 / 231 ح566 ، الفقيه : 3 / 113 ح481 ، الوسائل : 27 / 246 ، أبواب كيفيّة الحكم ب10 ح1 .
(الصفحة 128)مسألة 4 : لو تبيّن للحاكم بعد حكمه كون الحلف كذباً يجوز بل يجب عليه نقض حكمه ، فحينئذ يجوز للمدّعي المطالبة والمقاصّة ، وسائر ما هو آثار كونه محقّاً ، ولو أقرّ المدّعى عليه بأنّ المال للمدّعي ، جاز له التصرّف والمقاصّة ونحوهما ، سواء تاب وأقرّ أم لا1.
التي حلف عليها فعلت . فكتب : لا تأخذ منه شيئاً ، إن كان ظلمك فلا تظلمه ، ولولا أنّك رضيت بيمينه فحلفته لأمرتك أن تأخذ من تحت يدك ، ولكنّك رضيت بيمينه وقد ذهبت اليمين بما فيها ، فلم آخذ منه شيئاً ، وانتهيت إلى كتاب أبي الحسن (عليه السلام)(1) .
هذا ، والروايات واردة في الدين ، وإن كان العرف يحكم بإلغاء الخصوصيّة بالإضافة إلى العين ، وإن كان الحكم بذلك في غيرهما محلّ إشكال . ثم إنّ الرواية الأخيرة محلّ إشكال من حيث الدلالة من جهة اُخرى ، وهي ظهورها في كون الحلف عند الوالي لا الحاكم .
1 ـ وقع التعرّض في هذه المسألة لأمرين :
الأمر الأوّل : إذا تبيّن للحاكم بعد حكمه بنفع المدّعى عليه لأجل حلفه كونه كذباً مخالفاً للواقع ، يجوز بل يجب نقض حكمه لثبوت بطلان مستند الحكم . والظاهر أنّ المراد من التبيّن هو حصول العلم له ، أو ما يلحقه من الاطمئنان الذي يعامل معه معاملة العلم عند العرف والعقلاء .
وأمّا مثل شهادة البيّنة ، فلا يوجب حصول التبيّن بعد عدم قدحها في الحكم بنفع المدّعى عليه بعد حلفه وقبل حكم الحاكم ، وبعد النقض يصير الحكم كالعدم ،
- (1) الكافي : 7 / 430 ح14 ، التهذيب : 6 / 289 ح802 ، الوسائل : 27 / 246 ، أبواب كيفيّة الحكم ب10 ح2 .