(الصفحة 464)مسألة 3 ـ هل تجوز الشهادة بمقتضى اليد والبيّنة والاستصحاب ونحوها من الأمارات والاُصول الشرعية ، فكما يجوز شراء ما في يده أو ما قامت البيّنة على ملكه أو الاستصحاب ، كذلك تجوز الشهادة على الملكية . وبالجملة يجوز الاتكال على ما هو حجّة شرعية على الملك ظاهراً ، فيشهد بأنّه ملك مريداً به الملكيّة في ظاهر الشرع؟ وجهان ، أوجههما عدم الجواز إلاّ مع قيام قرائن قطعية توجب القطع . نعم ، تجوز الشهادة بالملكية الظاهرية مع التصريح به بأن يقول : هو ملك له بمقتضى يده أو بمقتضى الاستصحاب لا بنحو الاطلاق ، ووردت رواية بجواز الشهادة مستنداً إلى اليد وكذا الاستصحاب1.
1 ـ في جواز الشهادة بمقتضى اليد والبيّنة والاستصحاب أو نحوها من الأمارات الشرعية وكذا الاُصول المعتبرة ، كجواز الشراء مع وجود شيء من هذه الأدلّة وجهان . ومحلّ البحث ما إذا أراد الشهادة على الملكية المطلقة ، وامّا بالملكية الظاهرية المستندة إلى حجّة شرعية فلا مانع لها; لوجود العلم بثبوت الحجّة الشرعية الظاهرية ، وإن لم يكن له علم بالملكية الواقعية التي ينصرف إليها الملك المطلق .
قد ذكر في المتن : أنّ أوجه الوجهين عدم الجواز إلاّ مع قيام قرائن قطعية توجب القطع ، ولعلّ الوجه في الأوجهية ما عرفت من أنّ الضابط فيما به يصير الشاهد شاهداً العلم لدلالة الكتاب والسّنة عليه ، مضافاً إلى أنّ الشاهد بمعنى الحاضر ، وقد تنزّلنا إلى كلّ من يعلم ولو من غير الحواسّ المرتبطة ، وامّا من لا يكون له علم فلا يصدق عليه الشاهد ، والاُمور المذكورة من اليد والبيّنة والاستصحاب وإن كانت معتبرة بعنوان الأمارة أو الأصل العملي إلاّ أنّها لا تفيد العلم ، بل لا يكون اعتبارها لأجل إفادة الظنّ الشخصي فضلا عن العلم . امّا الاستصحاب فواضح ،
(الصفحة 465)
وأمّا غيره من اليد والبيّنة فكذلك أيضاً; لأنّ اعتبارهما وإن كان بعنوان الاماريّة إلاّ أنّه غير مقيّد بإفادة حصول الظن الشخصي ، كما قد حقّق في محلّه .
وعليه فالحجّية أمر وجواز الشهادة على طبقها وعدمه أمر آخر ، ولا ملازمة بين المسألتين ، كما أنّ حجية اليد والبيّنة في نفسهما أمر وتقدّم البيّنة على اليد باعتبار انّ بيّنة المدّعي مقدّمة على يمين المنكر أمر آخر .
نعم هنا رواية أشار إليها في المتن تدلّ على الخلاف ، وهي رواية حفص بن غياث ، عن أبي عبدالله (عليه السلام)قال : قال له رجل : إذا رأيت شيئاً في يدي رجل يجوز لي أن أشهد أنّه له؟ قال : نعم . قال الرجل: أشهد أنّه في يده ولا أشهد انّه له فلعلّه لغيره؟ فقال أبو عبدالله (عليه السلام) : أفيحلّ الشراء منه؟ قال : نعم ، فقال أبو عبدالله (عليه السلام): فلعلّه لغيره فمن أين جاز لك أن تشتريه ويصير ملكاً لك؟ ثمّ تقول بعد الملك: هو لي وتحلف عليه ، ولا يجوز أن تنسبه إلى من صار ملكه من قبله إليك؟ ثم قال أبو عبدالله (عليه السلام) : لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق(1) .
ويظهر من الجواهر احتمالات لحمل الخبر على ما لا يخالف القاعدة ، عمدتها ترجع إلى أنّ المراد من الشهادة ليست الشهادة عند الحاكم في مورد التخاصم التي يختلف الحكم بإطلاقها ، بل المراد منها هي النسبة بأنّه له . قال : بل ظاهر قوله (عليه السلام)في الآخر : «لو لم يجز» ـ إلى آخره ـ أو صريحه كون العمل على ملك ذي اليد الذي لا منازع له ، لا الشهادة التي ذكرناها ، فانّه لا مدخلية لسوق المسلمين فيها ، بل الشهادة بالواقع الذي يعلمه لا ينافي قيام السوق ، ولا يتوقّف قيامه على
- (1) وسائل الشيعة : 27 / 292 ، كتاب القضاء ، أبواب كيفية الحكم ب25 ح2 .
(الصفحة 466)
الكذب والتدليس(1) .
مع أنّه لو جازت الشهادة مستندة إلى اليد بالملك المطلق في صورة التنازع والتخاصم ، لا تزيد هذه الشهادة للحاكم أمراً زائداً على وجدان كون المال تحت يد المنكر ، الذي يكون إنكاره نوعاً لأجل كونه ذا اليد ، مع أنّ الغرض من البيّنة إفادة شيء زائد على التخاصم والتنازع ، كما لا يخفى .
أقول : لا مجال للاتكال على رواية واحدة في مقابل القاعدة الكلية التي عرفت عدم تخصيصها بمثل الشياع على النسب ، مع اتفاق الجلّ لولا الكلّ عليه .
وإن شئت قلت : إنّ الأدلّة المتقدّمة الدالّة على اعتبار العلم بالمشهود به للشاهد قرينة على أنّ المراد بالشهادة في هذه الرواية غير الشهادة في باب القضاء المبحوث عنه في المقام ، خصوصاً مع أنّ قياس جواز الشهادة بجواز الشراء باطل . فأيّ ملازمة بين جواز الشراء المترتّب على الحكم بالملكية ظاهراً وجواز الشهادة المترتّب على العلم بالمشهود به ، كما لا يخفى .
فانقدح أنّه لا مجال للاتّكال على الرواية في جواز الشهادة على طبق اليد ، هذا مع أنّه حكي عن الشيخ في العُدّة أنّه عملت الطائفة بما رواه حفص و . . . فيما لم ينكروه ولم يكن عندهم خلافه(2) .
مع أنّه في السند على ما في التهذيب(3) القاسم بن محمّد ، وفي نقل الكليني(4)القاسم بن يحيى ، ولم يرد في شيء منهما توثيق ، غاية الأمر وقوع الثاني في اسناد
- (1) جواهر الكلام : 41 / 144 .
- (2) عدّة الاُصول : 1 / 149 .
- (3) التهذيب : 6 / 261 ح695 .
- (4) الكافي: 7 / 387 ح1.
(الصفحة 467)
كتاب كامل الزيارات(1)، فهوموثَّق بالتوثيق العام ، ولا يكفي هذا الأمر هنا للترديد.
ثم إنّ هنا رواية ربما يتوهم دلالتها على جواز الشهادة مستنداً إلى الاستصحاب ، وقد جعلها في الوسائل روايات ثلاثاً أوردها في باب واحد(2) ، وتبعه بعض الأعلام ، غاية الامر أنّه جعل واحدة منها شاهدة للجمع بين الاخريين(3) ، مع أنّها في الحقيقة رواية واحدة مع الاختلاف في السند ، وفي الاشتمال على جميع السؤالات وبعضها وفي الجواب .
وهي أنّه قال معاوية بن وهب : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : الرجل يكون في داره ، ثمّ يغيب عنها ثلاثين سنة ويدع فيها عياله ، ثمّ يأتينا هلاكه ونحن لا ندري ما أحدث في داره ، ولا ندري ما أحدث (حدث خ ل) له من الولد ، إلاّ أنّا لا نعلم أنّه أحدث في داره شيئاً ولا حدث له ولد ، ولا تقسم هذه الدار على ورثته الذين ترك في الدار حتى يشهد شاهدا عدل أنّ هذه الداردار فلان بن فلان ، مات وتركها ميراثاً بين فلان وفلان ، أونشهد على هذا؟ قال : نعم ، قلت : الرجل يكون له العبد والأمة فيقول : أبق غلامي أو أبقت أمتي فيؤخذ (فيوجد خ ل) بالبلد فيكلّفه القاضي البيّنة أنّ هذا غلام فلان لم يبعه ولم يهبه ، أفنشهد على هذا إذا كلّفناه ، ونحن لم نعلم أنّه أحدث شيئاً؟ فقال : كلّما غاب من يد المرء المسلم غلامه أو أمته أو غاب عنك لم تشهد به(4) .
وفي بعضها في الجواب عن السؤال الأخير وجواز الشهادة على هذا إذا كلّفناه
- (1) كامل الزيارات : 39 و167 و289 .
- (2) وسائل الشيعة : 27 / 336 ، كتاب الشهادات ب17 .
- (3) مباني تكملة المنهاج : 1 / 114 ـ 115 .
- (4) وسائل الشيعة : 27 / 336 ، كتاب الشهادات ب17 ح2 .
(الصفحة 468)مسألة 4 ـ يجوز للأعمى والأصم تحمّل الشهادة وأداؤها إذا عرفا الواقعة ، وتقبل منهما ، فلو شاهد الأصمّ الأفعال جازت شهادته فيها ، وفي رواية : «يؤخذ بشهادته في القتل بأوّل قوله لا الثاني» وهي مطروحة ، ولو سمع الأعمى وعرف صاحب الصوت علماً جازت شهادته ، وكذا يصح للأخرس تحمّل الشهادة وأداؤها ، فان عرف الحاكم إشارته يحكم ، وإن جهلها اعتمد فيها على مترجمين عدلين ، وتكون شهادته أصلا ويحكم بشهادته1.
«قال : نعم»(1) ، وفي بعضها «إشهد بما هو علمك» ، وفيه: «إنّ ابن أبي ليلى يحلفنا الغموس ، فقال : احلف إنّما هو على علمك»(2) .
ومع ملاحظة ما ذكرنا من اتحاد الروايات الثلاث لم يعلم أنّ جواب الإمام (عليه السلام)هو جواز الشهادة مطلقاً أو بالمقدار المعلوم ، فلا يجوز الاتكال عليها في حكم مخالف للقاعدة ، خصوصاً مع أنّ ما يدلّ على الجواز إنّما يدلّ عليه في صورة التكليف الظاهرة في صورة الاضطرار .
ثمّ إنّه ظهر ممّا ذكرنا أنّ المراد من الرواية الواردة في المتن ليست رواية واحدة جامعة للحكم بجوازالشهادة مستنداًإلى اليد وإلى الاستصحاب، بل المرادمن الرواية جنسها الصادق على أزيد من واحدة ، فلا منافاة بين أن تكون الرواية التي توهّمت دلالتهاعلى الجوازفي اليدغيرالرواية التي توهّمت دلالتهاعلى الجوازفي الاستصحاب.
1 ـ يجوز للأعمى والأصم تحمّل الشهادة وأداؤها إذا عرفا الواقعة وتقبل منهما; لأنّ فقدان حسّ من الحواس الظاهرة لا يوجب إلاّ الممنوعية عن الإدراك بسبب
- (1) وسائل الشيعة : 27 / 337 ، كتاب الشهادات ب17 ح3 .
- (2) وسائل الشيعة : 27 / 336 ، كتاب الشهادات ب17 ح1 .