(الصفحة 372)مسألة 14: لا يجوز لغير ذي الحقّ التّقاص إلاّ إذا كان وليّاً أو وكيلا عن ذي الحقّ ، فللأب التقاص لولده الصغير أو المجنون أو السّفيه في مورد له الولاية ، وللحاكم أيضاً ذلك في مورد ولايته1.
من مال المحجور عليه أو الميت تنافي حقّ الغرماء ، إلاّ أن يقال: إنّه حينئذ يكون كأحد من الغرماء لغرض العلم بأنّه دائن والغريم مديون ، وإن كان بينه وبينهم فرق من جهة أنّ الغرماء عبارة عمّن ثبت عند الحاكم كونه دائناً ، وإلاّ لا يحكم بكونه محجوراً ، أو أنّه لا تفي تركة الميت بديونه ، ولا يعتبر في المقاصة ذلك ، بل لا تحتاج إلى إذن الحاكم مطلقاً أو في بعض فروضها قطعاً ، كما إذا كان للغريم على الغارم أيضاً دَينٌ ، فأراد الغارم الاحتساب عمّا عليه مقاصّة كما لايخفى ، وسيأتي(1) إن شاء الله تعالى .
1 ـ من الواضح أنّ من لا يكون له حقّ على المقتص منه لا يجوز له التقاص ، بل لا يتحقّق عنوان المقاصّة أصلا; لأنّه كعنوان القصاص ممّن لا يكون قاتلا أصلا; لأنّ عنوان التقاص والقصاص والقصّة كلّها من مادّة واحدة يعتبر فيها وقوع عمل شبه العمل الواقع أو حكاية عمل قد وقع . ومن الواضح أنّه مع عدم ثبوت الحقّ بوجه لا يكاد يصدق هذا العنوان .
نعم إذا كان وليّاً شرعياً فيجوز له التقاص بالإضافة إلى المولّى عليه ، فإذا كان للصغير حقّ على غيره وهو يجحد أو يماطل فلأبيه أو جدّه من قبله التقاص للصغير من مال الغريم ، وهكذا بالنسبة إلى الوكيل إذا كانت دائرة توكيله شاملة لمثل التقاص ، وكذا الحاكم في مورد ثبوت الولاية له كالمجنون غير المتصل جنونه
(الصفحة 373)مسألة 15: إذا كان للغريم الجاحد أو المماطل عليه دين، جاز احتسابه عوضاً عمّا عليه مقاصّة إذا كان بقدره أو أقلّ وإلاّ فبقدره ، وتبرأ ذمّته بمقداره1.
مسألة 16: ليس للفقراء والسادة المقاصّة من مال مَن عليه الزكاة أو الخمس أو في ماله إلاّ باذن الحاكم الشرعي ، وللحاكم التقاصّ ممّن عليه أو في ماله نحو ذلك وجحد أو ماطل ، وكذا لو كان شيء وقفاً على الجهات العامّة أو العناوين الكلّية وليس لها متولٍّ لا يجوز التقاص لغير الحاكم ، وأمّا الحاكم فلا إشكال في
بصغره ، خصوصاً مع أنّ الغرض الأصلي من المقاصة وصول الحقّ إلى ذيه ولو بماليته ، كما مرّ مراراً .
1 ـ إذا كان للغريم الجاحد أو المماطل على المقتصّ دَينٌ ، ففي المتن أنّه يجوز احتسابه عوضاً عمّا عليه مقاصّة إذا كان بقدره أو أقل وإلاّ فبقدره .
ويمكن أن يقال بوقوع التهاتر قهراً من دون افتقار إلى الاحتساب أصلا ، فإذا كان الدين الثابت على المقتص ألف درهم مثلا ، وللمقتص على المقتص منه ألف درهم يتحقّق التهاتر القهري وإن لم يحتسب المقتصّ ، إلاّ أن يقال: إنّه قد لا يكون المقتصّ بصدد التقاص; لأجل عدم اقتضاء شأنه ذلك أو لغيره من الجهات . وقد عرفت(1) أنّ التقاص متقوّم بالقصد كالقصاص ، فإنّه تارةً يقتل القاتل لأجل كونه قاتلا وتارةً يقتل لغير ذلك . وعليه فاللاّزم القول بجواز الاحتساب من دون تحقق التهاتر قهراً ، وعلى أيّ حال أي سواء وقع التهاتر كذلك أو احتسب مقاصّة تبرأ ذمّة المقتص منه بمقداره ، كما لايخفى .
(الصفحة 374)جواز مقاصّته منافع الوقف . وهل يجوز المقاصّة بمقدار عينه إذا كان الغاصب جاحداً أو مماطلا لا يمكن أخذها منه، وجعل المأخوذ وقفاً على تلك العناوين؟ وجهان ، وعلى الجواز لو رجع عن الجحود أو المماطلة فهل ترجع العين وقفاً وتردّ ما جعله وقفاً إلى صاحبه أو بقى ذلك على الوقفية وصار الوقف ملكاً للغاصب؟ الأقوى هو الأوّل، والظاهر أنّ الوقف من منقطع الآخر ، فيصحّ إلى زمان الرجوع1.
1 ـ يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين:
المقام الأول: في جواز مقاصة الفقراء من مال مَن عليه الزكاة أو في ماله ، والسّادة من مال مَن عليه الخمس أو في ماله أي سهم السادة أو مستحقّي سهم الإمام (عليه السلام)من مال من عليه السهم أو في ماله ، فإنّ المقتص منه لو كان جاحداً أو مماطلا يجوز ذلك لهم بإذن الحاكم الشرعي ، كما أنّه مع عدم الجحود أو المماطلة كان جواز الأخذ متوقّفاً على إذن الحاكم خصوصاً في سهم الإمام (عليه السلام) . وكذا للحاكم نفسه المقاصّة من المذكورين الجاحدين أو المماطلين .
والسرّ في ذلك أنّ جواز أخذ المذكورات للمذكورين يحتاج إلى إذن الحاكم الشرعي على الأقوى أو على الاحتياط الوجوبي ، كما ذكرنا الأخير في التعليقة على العروة الوثقى(1) بالإضافة إلى سهم السّادة ، وإن كان ظاهر الآية الشريفة(2)بالإضافة إلى الزكاة والخمس ثبوتهما بنحو الشركة ، كما هو أحد الأقوال والاحتمالات فيهما; للتعبير باللاّم الظاهرة في الملكيّة التي لا تكاد تنطبق فيهما إلاّ
- (1) الحواشي على العروة الوثقى: 195 .
- (2) سورة الأنفال 8: 41، سورة التوبة 9: 60 و 103.
(الصفحة 375)
على الكسر المشاع ، إلاّ أنّه حيث تكون العناوين المأخوذة في آيتي الزكاة والخمس ثابتة بنحو المصرف ، بحيث يكفي الصرف في أحدها ولا يلزم الصرف في الجميع .
ومن ناحية اُخرى بما أنّه يكون تعداد مصاديقها كثيراً وغير قابل للإحصاء ظاهراً لابدّ وأن يكون الحاكم أو إذنه معتبراً ولو احتياطاً .
وممّا ذكرنا ظهر الجواز لنفس الحاكم مع رعاية شرائط المقاصّة التي تكون عمدتها الجحود أو المماطلة ، كما لايخفى .
المقام الثاني: في جواز المقاصة بالإضافة إلى العين الموقوفة على الجهات العامة والعناوين الكلّية كالفقراء والعلماء مثلا ، فإن لم يكن له متولٍّ خاصّ وكان أمره إلى الحاكم ، فإن أمكن له أخذ العين وردّها إلى ما قبل وجعل المأخوذ وقفاً على تلك العناوين فاللاّزم ذلك ، وإن لم يمكن مع فرض جحود الغاصب أو مماطلته ، فإن أمكن له التقاص من منافع العين الموقوفة وصرفه في تلك العناوين فاللاّزم ذلك .
وهل تجوز المقاصّة بمقدار العين إذا كان الغاصب جاحداً أو مماطلا؟ قد احتمل فيه وجهين ناشئين من أنّ الحاكم هنا بمنزلة المقتصّ صاحب العين أو الدين في سائر الموارد ، فلِمَ لا تجوز المقاصة من الحاكم؟ ومن أنّ جعل الحاكم المأخوذ وقفاً على تلك العناوين مع عدم كونه مالكاً أو شبهه على خلاف القاعدة جدّاً ، خصوصاً في مثل المقام ممّا لم يكن المال المأخوذ ملكاً لواحد منهم ، بل الغرض وصول منافعه إليهم . وقد فرض جواز التقاص من منافع العين الموقوفة بخلاف التقاص في سائر الموارد ، حيث يكون جواز التصرّف للمقتصّ مطلقا متوقّفاً على الملكيّة ، ولذا التزم صاحب الجواهر (قدس سره) في كلامه المتقدّم
(الصفحة 376)مسألة 17: لا تتحقق المقاصّة بمجرّد النيّة بدون الأخذ والتسلّط على مال الغريم ، نعم يجوز احتساب الدين تقاصّاً كما مرّ ، فلو كان مال الغريم في يده أو يد غيره فنوى الغارم تملّكه تقاصّاً لا يصير ملكاً له ، وكذا لا يجوز بيع ما في يد
بالمعاوضة القهرية(1) وإن ناقشنا فيه، فراجع لا يبعد اختيار الاحتمال الثاني لما ذكرنا .
ثمّ إنّ قوله: «وجعل المأخوذ وقفاً» إنّما يكون عطفاً على قوله: «المقاصّة» لا أنّه عطف على المنفيّ ، والشاهد عليه ـ مضافاً إلى أنّه لا يحتاج إلى الوقف ثانياً ـ قوله: «وتردّ ما جعله وقفاً إلى صاحبه» الظاهر في أنّه وقف ثانوي صادر من الحاكم ، فتدبّر .
ثمّ إنّه على تقدير الجواز لو رجع المقتصّ منه عن الجحود أو المماطلة ، فهل ترجع العين وقفاً وتردّ ما جعله وقفاً إلى صاحبه أو بقي ذلك على الوقفية وصار الوقف ملكاً للغاصب؟ فيه وجهان ، جعل في المتن الأقوى الأول ، والوجه فيه أنّ العين الموقوفة المغصوبة لا تخرج عن الوقفية ولو بالغصب ، والجحود أو المماطلة لا دخل لهما في الخروج عن ذلك سيّما المماطلة ، كما أنّه لا دخل لهما في زوال ملكية المالك ، وإلاّ لا يبقى مجال للمقاصة أصلا ، كما لايخفى ، ولا مجال لدعوى بقاء العين على الوقفية وصيرورتها مع ذلك ملكاً للغاصب .
ثمّ إنّ الماتن (قدس سره) استظهر بعد ذلك أنّ الوقف الصادر من الحاكم من منقطع الآخر الصحيح في مقابل منقطع الأوّل أو الوسط الباطلين، فيصح إلى زمان الرجوع أي الرجوع عن الجحود ، والوجه فيه واضح لا يخفى .