(الصفحة 419)مسألة 4 ـ لا تردّ شهادة أرباب الصنائع المكروهة ، كبيع الصرف وبيع الأكفان وصنعة الحجامة والحياكة ونحوها، ولا شهادة ذوي العاهات الخبيثة كالأجذم والأبرص1.
الخامس: طيب المولد ، فلا تقبل شهادة ولد الزنا وإن أظهر الإسلام وكان عادلا . وهل تقبل شهادته في الأشياء اليسيرة؟ قيل : نعم والأشبه لا ، وأمّا لو جهلت حاله فان كان ملحقاً بفراش تقبل شهادته وإن أنالته الألسن ، وإن جهلت مطلقاً ولم يعلم له فراش ففي قبولها إشكال 2 .
نعم الغرامة المذكورة في عقد المؤاكلة الباطل غير ثابتة لفرض البطلان ، ولا ارتباط لهذا باللعب بالرهان المفروض في المقام ، والتحقيق أزيد من هذا موكول إلى مباحث المكاسب المحرّمة .
1 ـ لعدم ثبوت الفسق المانع عن قبول الشهادة في شيء من الموردين ، وكون بعض تلك الصنائع خلاف المروءة ـ بالإضافة إلى بعض الأشخاص أو في بعض الأحوال ـ إنّما يقتضي عدم ثبوت العدالة بناءً على اعتبار المروءة فيها على خلاف ما أشرنا إليه بالإضافة إلى ذلك البعض ، أو في تلك الحال لا مطلقا كما لا يخفى . وعدم ترتيب الأثر على فعل الأجذم والأبرص في بعض المقامات لا يلازم المقام .
2 ـ يدلّ على اعتبار هذا الأمر قبل الشهرة المحققة(1) بل الإجماع المدّعى في
(الصفحة 420)
كلمات جماعة(2) ـ وإن لم يكن محكوماً بالكفر بل كان متصفاً بالعدالة ـ الروايات الكثيرة الواردة في هذا المجال ، بل يظهر من بعضها أنّه من خصائص فقه أهل البيت(عليهم السلام)الذي نزل عليهم جبرئيل ، مثل :
رواية أبي بصير قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن ولد الزنا أتجوز شهادته؟ فقال : لا ، فقلت : إنَّ الحكم بن عتيبة يزعم أنّها تجوز ، فقال : اللهم لا تغفر ذنبه ، ما قال الله للحكم:
{وَاِنَّه لَذِكرٌ لَكَ وَلِقَومِكَ}(3) ، وفي رواية الكشي زيادة فليذهب الحكم يميناً وشمالا ، فوالله لا يجد العلم إلاّ في أهل بيت نزل عليهم جبرئيل(4) .
وصحيحة أبي أيّوب الخزّاز ، عن محمد بن مسلم قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : لا تجوز شهادة ولد الزّنا(5) .
ورواية عبيد بن زرارة ، عن أبيه قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : لو أنّ أربعة شهدوا عندي بالزنا على رجل وفيهم ولد زنا لحددتهم جميعاً; لأنّه لا تجوز شهادته ولا يؤمّ الناس(6) .
وصحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن شهادة ولد الزنا؟ فقال :
لا ، ولا عبد(1) .
ورواية عبيدالله الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : ينبغي لولد الزنا أن لا تجوز له
- (1) الإنتصار : 501 مسألة 275 ، المهذّب : 2 / 557 ، السرائر : 2 / 122 ، شرائع الإسلام : 4 / 917 ، قواعد الأحكام : 2 / 237 ، التنقيح الرائع : 4 / 303 ، مسالك الأفهام : 14 / 221 .
- (2) منهم السيد المرتضى في الانتصار : 501 مسألة 275 ، والشيخ في الخلاف : 6 / 309 مسألة 57 ، وابن زهرة في غنية النزوع : 440 .
- (3) وسائل الشيعة : 27 / 374 ، كتاب الشهادات ب31 ح1 ، والآية في سورة الزخرف : 44 .
- (4) وسائل الشيعة : 27 / 375 ، كتاب الشهادات ب31 ح2 ، رجال الكشي : 209 الرقم 370 .
- (5) وسائل الشيعة : 27 / 375 ، كتاب الشهادات ب31 ح3 .
- (6) وسائل الشيعة : 27 / 376 ، كتاب الشهادات ب31 ح4 .
(الصفحة 421)
شهادة ، ولا يؤمّ الناس ، لم يحمله نوح في السفينة ، وقد حمل فيها الكلب والخنزير(2) .
وغير ذلك من الروايات الواردة في هذا الباب .
وعن المسالك المناقشة في سند الروايات إلاّ صحيحة الحلبي، ثم قال : ولكن دلالته لاتخلو عن قصور(3)، حكى عن ابن إدريس التعليل بالكفر(4)، وعن المرتضى الاستدلال بما ورد من أنّ ولد الزنا لا ينجب(5) . وعن ابن الجنيد أنّه شرّ الثلاثة(6) .
أقول : المناقشة في أدلّة الثلاثة واضحة ، والظاهر أنّ قصور دلالة الصحيحة باعتبار اشتمالها على قبول شهادة العبد مع أنها مقبولة مطلقاً أو في الجملة .
وفي الجواهر: لا حاجة إلى صحّة السند بعد الانجبار والاعتضاد بما عرفت ، مع أنّه أطنب بعض الأفاضل في فساد مناقشته في السّند ، فانّ كثيراً منها معتبر(7).
ثمّ إنّ في مقابل هذه الروايات روايتين آخرتين :
إحداهما : الرواية الدالّة على قبول شهادة ولد الزنا وهي رواية عبدالله بن الحسن ، عن عليّ بن جعفر ، عن أخيه قال : سألته عن ولد الزنا هل تجوز شهادته؟
- (1) وسائل الشيعة : 27 / 376 ، كتاب الشهادات ب31 ح6 .
- (2) وسائل الشيعة : 27 / 377 ، كتاب الشهادات ب31 ح9 .
- (3) مسالك الأفهام : 14 / 222 .
- (4) السرائر : 2 / 122 .
- (5) هكذا حكى عنه الشهيد الثاني في مسالك الأفهام : 14 / 223 ، ولكن الموجود في الإنتصار : 502 مسألة 275 «إنّ طائفتنا مجمعة على أنّ ولد الزنا لا يكون نجيباً . . .» ولم نجد رواية بهذا اللفظ في جوامع الحديث ، والظاهر أنّه معقد إجماع ادّعاه السيّد المرتضى في الإنتصار .
- (6) مختلف الشيعة : 8 / 503 مسألة 80 .
- (7) جواهر الكلام : 41 / 119 .
(الصفحة 422)
قال : نعم تجوز شهادته ولا يؤمّ(1) . وفي كتاب قرب الاسناد زيادة : وليس لك إلاّ لها(2) ، كما أنّه روى في الوسائل عن كتاب عليّ بن جعفر ، عن أخيه قال : لا تجوز شهادته ولا يؤمّ(3) .
وكيف كان فلا يعلم أنّ الرواية تنفي الجواز أو تثبته ، وعلى التقدير الثاني فالشهرة الفتوائية التي هي أوّل المرجّحات ، مع ما يدلّ على المنع خصوصاً مع جريان احتمال التقية فيها ، بلحاظ أنّ أكثر العامة(4) قائلون بالجواز ، ومع أنّ عبدالله ابن الحسن لم يرد فيه توثيق بل ولا مدح .
ثانيتهما : الرواية المفصّلة التي أفتى على طبقها الشيخ في النهاية(5) ، وهي رواية عيسى بن عبدالله قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن شهادة ولد الزنا؟ فقال : لاتجوز إلاّ في الشيء اليسير إذا رأيت منه صلاحاً(6) ، ويرد على الأخذ بها مضافاً إلى اشتراك عيسى بن عبدالله بين الثقة وغيرها ـ وان كان يظهر من بعض الأعلام(قدس سرهم)(7) أنّ عيسى بن عبدالله في الرواية هو عيسى بن عبدالله القمي الأشعري الذي ورد فيه
بسند صحيح مدح بليغ عن الصادق (عليه السلام)(8) ، وعليه فتكون الرواية معتبرة ـ وإلى إعراض المشهور عنها ، عدم دلالتها على ثبوت المعيار للشيء اليسير ، فانّ كلّ
- (1) وسائل الشيعة : 27 / 376 ، كتاب الشهادات ب31 ح7 .
- (2) قرب الإسناد : 298 ح1171 .
- (3) وسائل الشيعة : 27 / 377 ، كتاب الشهادات ب31 ح8 .
- (4) راجع المغني لابن قدامة : 12 / 73 ، والخلاف : 6 / 309 مسألة 57 .
- (5) النهاية : 326 .
- (6) وسائل الشيعة : 27 / 376 ، كتاب الشهادات ب31 ح5 .
- (7) مباني تكملة المنهاج : 1 / 110 مسألة 94 .
- (8) راجع رجال الكشي : 333 ، الرقم 610 .
(الصفحة 423)
يسير غير يسير بالإضافة إلى ما دونه ويسير بالإضافة إلى ما فوقه; لأنه من الاُمور الإضافية المختلفة بحسب الأشياء والأشخاص والأزمنة والأمكنة .
ثم إنّ ولد الزنا ان علم كونه كذلك فالحكم ما ذكرنا ، وان جهلت حاله فان كان ملحقاً بفراش وكان فيه شرائط اللحوق الشرعي بفرد فلا إشكال في قبول شهادته ، ولا يقدح في ذلك انالته الألسن وحتى الشيوع غير المفيد للعلم والاطمئنان ، وان لم يكن ملحقاً بفراش ففي المتن إنّ في قبول شهادته اشكالا ، ولكن ذكر بعض الأعلام(قدس سره) أنّه يكفي في قبول شهادته العمومات والاطلاقات ، فانّ المخصص عنوان وجودي فيثبت عدمه عند الشك فيه بالأصل(2) .
هذا ، والظاهر عدم جريان مثل هذا الأصل على ما ذكرناه في استصحاب عدم قرشية المرأة من أنّ القضيّة المشكوكة سالبة بانتفاء المحمول ، والقضية المتيقّنة سالبة بانتفاء الموضوع ولا اتحاد بين القضيتين ، والمقام من هذا القبيل ، فان ولد الزنا كذلك يكون مشكوكاً من حين انعقاد نطفته ، ولم يمض عليه زمان علم بعدم كونه من زنا حتى يستصحب العدم ، والعجب من الاستاد الماتن(قدس سره) انّه مع شدّة إنكاره جريان الأصل في مثل استصحاب عدم القرشية كيف استشكل في قبول شهادة المجهول حاله ، مع أنّ لازم انكاره عدم القبول ، ولا وجه للتمسك بالعمومات; لأنّه من قبيل التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصّص فتدبّر ، والتحقيق الأزيد في محلّه .
ويمكن أن يكون وجه الإشكال في المتن أحد أمرين آخرين :
إحدهما : أنّ اعتبار طيب المولد هل يكون بنحو الشرطية أو كون الشاهد ولد
- (1) مباني تكملة المنهاج : 1 / 111 مسألة 94 .