(الصفحة 235)مسألة 8: لا يجب على الحالف قبول التغليظ ، ولا يجوز إجباره عليه ، ولو امتنع عنه لم يكن ناكلا ، بل لا يبعد أن يكون الأرجح له ترك التغليظ ، وإن استحب للحاكم التغليظ احتياطاً على أموال الناس ، ويستحبّ التغليظ في جميع الحقوق إلاّ الأموال ، فإنّه لا يغلظ فيها بما دون نصاب القطع1.
ثانيهما: أنّ استحباب التغليظ للحاكم له وجه; ووجهه ـ مضافاً إلى الشهرة(1)بل عدم الخلاف فيه(2) بل الإجماع عليه(3) ، بل قطع الأصحاب كما في محكي كشف اللثام من النسبة إلى قطع الأصحاب(4) ـ ثبوته في الرواية الصحيحة المتقدّمة الواردة في الأخرس ، وفي يمين الاستظهار الواردة في الروايتان المتقدّمتان في الدعوى على الميّت(5) ، وخبر الحسين بن علوان المروي في قرب الإسناد ، عن جعفر ، عن أبيه (عليهما السلام): أنّ عليّاً (عليه السلام) كان يستحلف اليهود والنصارى في بِيعهم وكنائسهم ، والمجوس في بيوت نيرانهم ، ويقول: شدّدوا عليهم احتياطاً للمسلمين(6) .
1 ـ الغرض من هذه المسألة أيضاً أمران:
أحدهما: أنّه لا يجب على الحالف قبول التغليظ ، ولا يجوز إجباره عليه ، ولو امتنع عنه لم يكن ناكلا ، بل في المتن نفى البعد عن أن يكون الأرجح له ترك التغليظ .
- (1) مسالك الافهام: 13 / 478 .
- (2) رياض المسائل: 9 / 324 .
- (3) الخلاف: 6 / 285 ـ 287 مسألة 31 و 32 .
- (4) كشف اللثام: 2 / 340 .
- (5) تقدّمتا في ص169 ـ 170 .
- (6) قرب الإسناد: 86 ح284 ، الوسائل: 27 / 298 ، أبواب كيفيّة الحكم ب29 ح2 .
(الصفحة 236)
أمّا عدم وجوب القبول وعدم جواز الإجبار فلعدم الدليل على ذلك; لأنّ غاية ما عليه ـ إذا أراد الحلف ـ هو الحلف بالله بالنحو الذي ذكرنا لا الزائد عليه ، ومنه يعلم أنّه في صورة الامتناع عن قبول التغليظ ، لا يصير ناكلا مترتّباً عليه أحكام النكول وآثاره المتقدّمة .
وأمّا نفي البعد عن أن يكون الأرجح له ترك التغليظ ، فلعلّ وجهه ما يستفاد من كلام السيّد في الملحقات من استلزام كون أصل الحلف مرجوحاً لمرجوحية التغليظ فيه على فرض إقدامه عليه(1) ، ولكنّه أورد عليه بمنع الاستلزام والاقتضاء .
وفيه إشكال آخر، وهو: أنّه كيف يجتمع مرجوحية التغليظ بالإضافة إلى الحالف ، مع استحباب التغليظ بالنظر إلى الحاكم؟ كما يأتي في الأمر الثاني إن شاء الله تعالى ، وإن كان يمكن الجمع بأنّ استحباب التغليظ بالنظر المذكور لعلّه لأجل أنّه أقرب إلى انصراف الحالف عن الحلف لو كان كاذباً ، وله موارد مشابهة في الفقه; كاستحباب أن يكون المضيف يسعى في الضيافة ويصرف غاية إمكاناته ، ويستحب للضيف أن لا يصير موجباً لزحمة المضيف ومشقّته .
ثانيهما: أنّه يستحبّ للحاكم التغليظ احتياطاً على أموال الناس ، وهذا وإن لم يرد فيه رواية مطلقة إلاّ أنّه يستفاد ممّا تقدّم في المسألة المتقدّمة ، وكذا من مرسلة محمد بن مسلم وزرارة عنهما (عليهما السلام) جميعاً قالا: لا يحلف أحد عند قبر النبيّ (صلى الله عليه وآله)على أقلّ ممّا يجب فيه القطع(2) .
- (1) ملحقات العروة الوثقى: 3 / 203 ذ مسألة 7 .
- (2) التهذيب: 6 / 310 ح855 ، الوسائل: 27 / 298 ، أبواب كيفيّة الحكم ب29 ح1 .
(الصفحة 237)مسألة 9: لا يجوز التوكيل في الحلف ولا النيابة فيه ، فلو وكّل غيره وحلف عنه بوكالته أو نيابته لم يترتّب عليه أثر ، ولا يفصل به خصومة1.
مسألة 10: لابدّ وأن يكون الحلف في مجلس القضاء ، وليس للحاكم الاستنابة فيه إلاّ لعذر كمرض أو حيض ، والمجلس في المسجد ، أو كون المرأة مخدّرة حضورُها في المجلس نقص عليها أو غير ذلك ، فيجوز الاستنابة ، بل الظاهر عدم جواز الاستنابة في مجلس القضاء وبحضور الحاكم ، فما يترتّب عليه الأثر في غير مورد العذر أن يكون الحلف بأمر الحاكم واستحلافه2.
والاستدلال بها مبنيّ على أن يقرأ: لا يحلّف بالتشديد بمعنى الإحلاف ، ويكون المراد منه التغليظ في الحلف ، وعلى إلغاء الخصوصية من قبر النبيّ (صلى الله عليه وآله)وكلّ منها محلّ إشكال ومناقشة ، ولكن قد عرفت التّسالم على استحباب التغليظ بالإضافة إلى الحاكم ، إلاّ في أقلّ ممّا يجب فيه القطع ، ويساعده الاعتبار كما لايخفى .
1 ـ الدليل على عدم جواز التوكيل في الحلف الذي معناه طلب نيابة الغير عنه ، أو النيابة الشاملة للنيابة ولو بدون استنابة هو ما حقّقناه في محلّه من بحث الحج النيابي(1): أنّ النيابة على خلاف القاعدة ، لا يكاد يصار إليها مع عدم قيام الدليل عليها ، وقد قام الدليل في الحج ، والعبادات الاستيجارية ، وقضاء الولي عن الميت وأمثال ذلك ، وأمّا في مثل المقام فلم يقم دليل عليها; لأنّ اليمين وظيفة المدّعى عليه ، فلا يترتّب على الحلف النيابي أثر ، ولا يتحقّق به فصل الخصومة أصلا .
2 ـ قد تعرّض في هذه المسألة لأمرين:
- (1) كتاب الحجّ من تفصيل الشريعة : 2 / 13 ـ 14 .
(الصفحة 238)
أحدهما: أنّه لابد وأن يكون الحلف في مجلس القضاء وبحضور الحاكم ، ولا تجوز الاستنابة في هذا الحال للحاكم ; لأنّ الاستحلاف والإحلاف وظيفته . وقد عرفت أنّ النيابة مطلقا على خلاف القاعدة ، ولا يكاد يصار إليها مع عدم قيام الدليل عليها ، فكما أنّ أصل فصل الخصومة الذي هو وظيفة الحاكم ، لا يجوز له الاستنابة فيه كذلك الاستحلاف والإحلاف .
وقد مرّ أنّ تصدّي القضاء في زماننا هذا في المملكة الإسلامية الإيرانية ـ التي يكون الحاكم عليها هو الاسلام ، والنظام المتّبع فيها هو النظام الإسلامي الشيعي ـ ليس لأجل الإذن من المجتهد وثبوت النصب العام من قبله ، بل لأجل عدم اعتبار الاجتهاد في مثل هذه القضاة ، الذين يراعون قوانين القضاء على نحو واحد وبرويّة واحدة، فراجع .
ثانيهما: أنّه لا يجوز للحاكم الاستنابة في الحلف إلاّ لعذر ، كمرض أو حيض والمجلس في المسجد ، أو كانت المرأة مخدّرة يكون حضورها في المجلس نقصاً عليها ، أو غير ذلك من الأعذار . والدليل على عدم جواز الاستنابة في غير صورة العذر ـ مضافاً إلى ما عرفت من أنّ الاستحلاف وظيفته ، وظاهره المباشرة، ويؤيّده قوله تعالى خطاباً إلى نبيّ من الأنبياء(عليهم السلام) ، الذي يشتكي إليه في أمر القضاء: «وأضفهم إلى اسمي»(1) ، الظاهر في تحقق الإضافة من النّبي ـ الشك في عدم ترتّب الأثر على الحلف الكذائي ، هذا بالإضافة إلى غير مورد العذر ، وأمّا بالنسبة إليه فلأنّ فصل الخصومة لا يكاد يتحقق بدون الاستنابة ، من دون فرق بين أن يكون العذر شرعياً أو عرفياً .
- (1) وسائل الشيعة: 27 / 229 ـ 230 ، أبواب كيفيّة الحكم ب1 ح1 ـ 3 .
(الصفحة 239)مسألة 11: يجب أن يكون الحلف على البتّ ، سواء كان في فعل نفسه أو فعل غيره ، وسواء كان في نفي أو إثبات ، فمع علمه بالواقعة يجوز الحلف ، ومع عدم علمه لا يجوز إلاّ على عدم العلم1.
وذكر السيّد في الملحقات: أنّه لا دليل لهم على شيء من الأمرين إلاّ دعوى أنّ الأصل عدم ترتّب آثار الحلف عليه ، وهو مقطوع بالإطلاقات ، أو دعوى أنّ المتبادر إلى الفهم من الاستحلاف ذلك وهي ممنوعة، أو دعوى أنّ الظاهر ممّا في الأخبار «وأضفهم إلى اسمي» المباشرة ، وهي أيضاً ممنوعة(1) .
ويرد عليه مضافاً إلى أنّه لا يجوز التمسّك بالإطلاقات بعد عدم كونها في مقام البيان من هذه الجهة ، ما عرفت من كون النيابة مطلقاً على خلاف القاعدة ، لا يكاد يصار إليها مع عدم قيام الدليل عليها ، فاللاّزم نهوض الدليل ومع عدمه الحكم بعدم الجواز كما لا يخفى . كما أنّ أصالة عدم ترتّب الأثر على الحلف عند غير الحاكم مع عدم العذر جارية بلا إشكال .
1 ـ ذكروا أنّه يجب أن يكون الحلف على البتّ، سواء كان في فعل نفسه مطلقاً أو في فعل غيره إثباتاً ، وأمّا بالإضافة إلى فعل الغير نفياً فلا يلزم أن يكون الحلف على البتّ ، والوجه فيه ظاهراً عدم اطلاع الانسان على نفي فعل الغير نوعاً بخلاف إثباته ، الذي يكفي في العلم به مجرّد الاطلاع على حصول الطبيعة منه في الخارج ، ولكن أفاد في المتن أنّه مع العلم بالواقعة يجوز الحلف بل يجب بتّاً وإن كان في نفي فعل الغير، ومع عدم علمه بها لا يجوز إلاّ على عدم العلم .
نعم لو كان المدّعي يدّعي علم المنكر مثلا بالواقعة والمنكر ينكر العلم ، يجوز له
- (1) ملحقات العروة الوثقى : 3 / 203 .