(الصفحة 436)مسألة 5 ـ النسب لا يمنع عن قبول الشهادة ، كالأب لولده وعليه والولد لوالده والأخ لأخيه وعليه ، وسائر الأقرباء بعضها لبعض وعليه ، وهل تقبل شهادة الولد على والده؟ فيه تردّد ، وكذا تقبل شهادة الزوج لزوجته وعليها وشهادة الزوجة لزوجها وعليه ، ولا يعتبر في شهادة الزوج الضميمة ، وفي اعتبارها في الزوجة وجه والأوجه عدمه ، وتظهر الفائدة فيما إذا شهدت لزوجها في الوصية ، فعلى القول بالاعتبار لا تثبت ، وعلى عدمه يثبت الرابع1.
وامّا الحقوق المشتركة بين الله وبين الناس كالسرقة لوجود القطع فيها والغرامة ، فالظاهر وان كان في بادئ النظر هو التبعيض فيها ، فيكون التبرّع بالشهادة مانعاً عن القبول في حق الناس دون حق الله ، إلاّ أنّه في المقام خصوصية تقتضي القبول ولو بالإضافة إلى حق الناس ، وهي أنّ الدليل على المنع في حق الناس على تقديره هو الاجماع ، وحيث أنّه من الأدلّة اللبّية فاللازم الاقتصار على القدر المتيقّن وهو حق الناس محضاً، فلايشمل الحق المشترك، مع أنّ ثبوت الاجماع أيضاً كان محلّ ترديد وكلام.
1 ـ النسب لا يمنع عن قبول الشهادة وإن كانت التهمة العرفية متحقّقة; لعدم الدليل على الكبرى كما عرفت ، فتجوز شهادة الأب لولده أو عليه والأخ كذلك وسائر الأقرباء كذلك ، مضافاً إلى قيام الدليل على الجواز في كثير من الموارد ، ففي صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن شهادة الوالد لولده ، والولد لوالده ، والأخ لأخيه؟ فقال : تجوز(1) .
وفي مضمرة سماعة قال: سألته عن شهادة الوالد لولده ، والولد لوالده ، والأخ
- (1) وسائل الشيعة : 27 / 368 ، كتاب الشهادات ب26 ح3 .
(الصفحة 437)
لأخيه؟ قال : نعم ، الحديث (1) .
ثم إنّه حكي عن الشيخ(2) أنّه يعتبر في قبول شهادة القريب للقريب انضمام شاهد أجنبي ، وقد استدلّ له بموثقة السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه(عليهما السلام) أنّ شهادة الأخ لأخيه تجوز إذا كان مرضياً ومعه شاهد آخر(3) . وأنت خبير بعدم دلالتها على كون الشاهد الآخر أجنبيّاً ، كما لايخفى .
انّما الكلام في أمرين :
الأمر الأوّل: شهادة الولد على والده ، فالمشهور شهرة عظيمة(4) ـ بل عن جملة من الكتب الفقهية القديمة الإجماع عليه(5) ـ هو عدم القبول ، خلافاً للمرتضى(6) والمحكي عن الإسكافي من القبول(8) ، وهو الذي قوّاه في محكي الدروس(9) ، وتردّد فيه الفاضل في التحرير(3) كما في المتن .
- (1) وسائل الشيعة : 27 / 368 ، كتاب الشهادات ب26 ح3 .
- (2) النهاية : 330 .
- (3) وسائل الشيعة : 27 / 368 ، كتاب الشهادات ب26 ح5 .
- (4) المقنع : 397 ، المقنعة : 726 ، النهاية : 330 ، المهذّب : 2 / 557 ، السرائر : 2 / 134 ، الوسيلة : 231 ، شرائع الإسلام : 4 / 915 ، قواعد الأحكام : 2 / 237 ، وقال صاحب الرياض : «وبشهرته صرّح جماعة حدّ الإستفاضة» رياض المسائل : 9 / 475 .
- (5) جوابات المسائل الموصليات (رسائل السيد المرتضى) المجموعة الاُولى : 246 مسألة 62 ، الخلاف : 6/297 ـ 298 مسألة 45 ، السرائر : 2 / 134 .
- (6) الانتصار: 496 مسألة 273، لكن يستفاد مخالفته من ظاهر كلامه حيث نسب عدم القبول إلى بعض الأصحاب.
- (7) اُنظر مسالك الأفهام : 14 / 195 .
- (8) الدروس الشرعية : 2 / 132 .
- (9) تحرير الأحكام : 2 / 209 .
(الصفحة 438)
ونقول : إنّه ربّما يقال : إنّ ظاهر قوله تعالى :
{وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً}(1)هو عدم القبول ، فانّه ليس من المعروف الشهادة على الوالد والردّ لقوله واظهار تكذيبه ، بل هو من مصاديق العقوق ، ولكن قوله تعالى :
{كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أوِ الوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ . . .}(2) قرينة على أنّ الشهادة على الوالد لا تنافي المصاحبة بالمعروف ، مع أنّ لازمه اشتراك الوالدة مع الوالد في هذه الجهة .
ودعوى أعمّية وجوب الشهادة عن القبول واضحة المنع ، وامّا الروايات فلا يكون فيها ما يدلّ على المنع إلاّ مرسلة الصدوق ، حيث قال : وفي خبر آخر أنّه لا تقبل شهادة الولد على والده(3) ، ومن الواضح أنّها لا تكون من المرسلات المعتبرة ، خصوصاً مع أنّ في مقابلها رواية داود بن الحصين الثقة ، قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام)يقول : أقيموا الشهادة على الوالدين والولد ، ولا تقيموها على الأخ في الدين الضير ، قلت : وما الضير؟ قال : إذا تعدّى فيه صاحب الحق الذي يدّعيه قبله
خلاف ما أمر الله به ورسوله ، ومثل ذلك : أن يكون لآخر على آخر دين وهو معسر ، وقد أمر الله بانظاره حتى ييسر ، فقال تعالى :
{فَنَظِرَةٌ إِلى مَيسَرَة}(4)ويسألك أن تقيم الشهادة وأنت تعرفه بالعسر ، فلا يحلّ لك أن تقيم الشهادة في حال العسر(5) .
- (1) لقمان 31: 15.
- (2) النساء 4 : 135 .
- (3) وسائل الشيعة : 27 / 369 ، كتاب الشهادات ب26 ح6 .
- (4) البقرة 2 : 280 .
- (5) وسائل الشيعة : 27 / 340 ، كتاب الشهادات ب19 ح3 .
(الصفحة 439)
ورواية علي بن سويد السائي الثقة ـ المروية بأسانيد مختلفة عنه ـ عن أبي الحسن (عليه السلام) في حديث قال : كتب إليّ في رسالته إليّ: وسألت عن الشهادات لهم ، فأقم الشهادة لله ولو على نفسك أو الوالدين والأقربين فيما بينك وبينهم ، فان خفت على أخيك ضيماً فلا(1) .
هذا ، ولكن صاحب الجواهر(2) تبعاً للمحقّق في الشرائع(3) جعل الأظهر في المسألة المنع ، نظراً إلى أنّ الرواية الدالّة عليه وإن كانت مرسلة إلاّ انّها منجبرة بفتوى المشهور بل المجمع عليه ، وأنّ المرتضى لم يقل بالجواز إلاّ بمقتضى إطلاق كلامه في الانتصار(4) لا صريحه ، وأنّ الإسكافي قد اختلف النقل عنه ، بل ربما يقال(5) بأنّه لم يتعرّض للمسألة ، فلا يبقى إلاّ الشهيد في الدروس(6) وجملة من المتأخّرين عنه(7) ، والأوّل قد اختار المنع في شرح الإرشاد(8) ، والآية الظاهرة في الجواز غير صريحة في الشهادة بالمعنى المراد في المقام ، والروايتان الدالّتان عليه لا جابر لهما بالإضافة إلى مفادهما .
ولكن يرد عليه ـ مضافاً إلى أنّ الجواز لا يحتاج إلى إقامة الدليل عليه ، بل
- (1) وسائل الشيعة : 27 / 315 ، كتاب الشهادات ب3 ح1 .
- (2) جواهر الكلام : 41 / 78 .
- (3) شرائع الإسلام : 4 / 915 .
- (4) الإنتصار : 496 مسألة 273 .
- (5) قاله العلاّمة في مختلف الشيعة : 8 / 510 مسألة 84 ، وكذا الشهيد الثاني في مسالك الأفهام : 14 / 195 .
- (6) الدروس الشرعية : 2 / 132 .
- (7) كأبي العباس في المقتصر : 389 ، والشهيد الثاني في مسالك الأفهام : 14 / 195 ـ 196 ، والمقدّس الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان : 12 / 405 ـ 406 .
- (8) حكى عنه في مسالك الأفهام : 14 / 196 .
(الصفحة 440)
اللازم ملاحظة دليل المنع ـ أنّ غاية ما يمكن أن يقال بالإضافة إلى الآية عدم اختصاصها بالشهادة بالمعنى الأخصّ لا عدم دخولها فيها قطعاً ، كما أنّ الحمل على صورة الموت خلاف الظاهر جدّاً ، وان ادّعي الاجماع على القبول في صورة الموت(1) ، فالإنصاف أنّ في المسألة تردّداً كما في المتن من وجود رواية دالّة على المنع ، وان كانت مرسلة غير معتبرة في حدّ ذاتها ، لكنّها منجبرة بفتوى المشهور شهرة محقّقة على طبقها لولا الاجماع ، ومستند بعض المدّعين للاجماع وان كان قابلا للخدشة كالشيخ الذي يستند إلى قاعدة اللطف الممنوعة كما حقّق في محلّه ، إلاّ أنّ عدم حكاية الخلاف الصريح عمّن قبل الشهيد في الدروس يؤيّد تحقّقه ، والروايتان الدالّتان على الجواز لا تكونان منجبرتين ; لعدم الدليل على عدم جواز الشهادة على المعسر وان لا يكون اعساره ثابتاً عند المدّعى ، أو يعمل بالإضافة إليه على خلاف أمر الله ورسوله ، وكذا بالنسبة إلى الضيم الذي يكون معناه المظلوم ، ومن أنّ السيّد في الانتصار يجعل ممّا انفردت به الإمامية القول بجواز شهادة ذوي الأرحام بعضهم لبعض إذا كانوا عدولا ، ويستثنى ما يقول به بعض الأصحاب: من عدم جواز شهادة الولد على والده ، وحمل الآية على حال الموت أو على عدم كون المراد الشهادة الاصطلاحية أصلا خلاف الظاهر ، وان كان يؤيّده الشهادة على الأنفس غير المحققة في باب القضاء ، كما لايخفى .
الأمر الثاني : لا إشكال ولا خلاف في اعتبار شهادة الزوج لزوجته وبالعكس في الجملة ، وانّما الإشكال في اعتبار الضميمة وعدمه ، قال المحقّق في الشرائع : وكذا