(الصفحة 351)مسألة 2: إذا كان له عين عند غيره ، فإن كان يمكن أخذها بلا مشقّة ولا ارتكاب محذور فلا يجوز المقاصّة من ماله ، وإن لم يمكن أخذها منه أصلا جاز المقاصّة من ماله الآخر ، فإن كان من جنس ماله جاز الأخذ بمقداره ، وإن لم يكن جاز الأخذ بمقدار قيمته ، وإن لم يمكن إلاّ ببيعه جاز بيعه وأخذ مقدار قيمة ماله وردّ الزائد1.
المغصوب إذا كان إنكاره مستنداً إلى نسيانه استظهر جواز المقاصّة ، والوجه فيه أنّ عدم الجواز مستلزم لضياع الحقّ ، وإن شئت قلت: إطلاق بعض الروايات المتقدّمة كصحيحة داود يشمله ، كما لايخفى .
ويؤيّده إطلاق رواية عليّ بن سليمان ، قال: كتبت إليه: رجل غصب مالا أو جارية ، ثمّ وقع عنده مال بسبب وديعة أو قرض مثل خيانة أو غصب مثل ما خانه أو غصبه أيحلّ له حبسه عليه أم لا؟ فكتب: نعم يحلّ له ذلك إن كان بقدر حقّه ، وإن كان أكثر فيأخذ منه ما كان عليه ، ويسلّم الباقي إليه إن شاء الله(1) .
1 ـ قال المحقّق في الشرائع: من كانت دعواه عيناً في يد فله انتزاعها ولو قهراً ما لم يثر فتنة ، ولا يقف ذلك على إذن الحاكم(2) .
أقول: إذا كان له عين عند غيره ، فإن كان يمكن أخذها بلا مشقّة ولا ارتكاب محذور ولو بإقامة البيّنة على أنّها ماله في صورة إنكار الغير ، فلا يجوز المقاصّة له من مال الغير; لإمكان التوصّل إلى حقّه من دون مشقّة ولا ارتكاب محذور ، وصرف جحوده وإنكاره لا يسوِّغ المقاصّة مع إمكان إقامة البيّنة الموجبة للحكم
- (1) التهذيب: 6/ 349 ح985 ، الإستبصار: 3 / 53 ح173 ، الوسائل: 17 / 275 ، أبواب ما يكتسب به ب83 ح9 .
- (2) شرائع الإسلام: 4 / 895 .
(الصفحة 352)
له من دون عسر على ما هو المفروض كما هو ظاهر ، مضافاً إلى أنّ الحكم بالجواز في هذه الصورة يستلزم تعطيل القضاء كثيراً وإثارة الفتنة كذلك ، فالأقوى عدم الجواز في هذه الصورة .
وأمّا إذا لم يمكن أخذها منه ـ مع أنّه لا يجوز له التأخير والمماطلة فضلا عن أصل العين وتملّكها ـ فيجوز له المقاصّة من ماله الآخر ، فإن كان من جنس ماله جاز الأخذ بمقداره وردّ الزائد إن كان ، وإن لم يكن من جنس ماله جاز له الأخذ منه بمقدار قيمة ماله الذي جحده مثلا ، وإن لم يمكن إلاّ ببيعه جاز بيعه وأخذ مقدار قيمة ماله وردّ الزائد; لأنّه لا يتحقّق الاستيفاء بدونه .
ثمّ إنّه أفاد المحقّق العراقي (قدس سره) في رسالة القضاء ما محصّله: إنّ التقاصّ في صورة بقاء العين موجب لانتقالها إلى الجاحد ، أو تبقى العين على ملكية المقاص ، وإن لم يكن له ضمان على المقاص منه وجهان مبنيان على أنّ باب التقاص من قبيل المعاوضة أم من قبيل الوفاء بمرتبة من مراتب المال ، مع بقاء خصوصية العين في ملكية المالك الأوّل بلا ضمان في المالية . ثمّ جعل الأقوى هو الثاني; لأنّه المرتكز في الذهن ، لا أنّه معاملة مستقلّة ، ولا أقل من الشك ، فيبقى استصحاب بقاء ملكية شخص العين بحاله(1) .
أقول: والظاهر أيضاً ما أفاده ، وإلاّ يلزم أن يقال بأنّ المقاصّة أيضاً من المعاملات .
ثمّ إنّه ذكر صاحب الجواهر عقيب قول المصنف: «ما لم يثر فتنة» قوله: بل وإن ثارت ما لم تصل إلى حدّ وجوب الكفّ عن الحقّ له; لترتّب تلف الأنفس والأموال
- (1) شرح تبصرة المتعلّمين (كتاب القضاء): 165 ـ 167 .
(الصفحة 353)
وغيره من الفساد الذي يمكن دعوى العلم من مذاق الشرع بعدم جواز فعل ما يترتّب عليه ذلك ، وإن كان مباحاً في نفسه أو مستحبّاً أو واجباً ، وإن لم يكن الترتيب ترتيب سببية أو علّية(1) .
أقول: أمّا في صورة عدم وصول إثارة الفتنة إلى الحدّ المزبور فواضح ، وأمّا في صورة الوصول إليه فالظاهر أنّ المورد من مصاديق اجتماع الأمر والنهي ومثلهما فانّه هنا عنوانين: أحدهما: أخذ العين التي تكون لنفسه وملكاً لها . والآخر إثارة الفتنة . ولا مانع من بقاء كلّ منهما على حكمه من دون أن تتحقّق السراية ، وحرمة الثاني لا يستلزم حرمة الأوّل بوجه . وما ورد في بيع الوقف من أنّه ربّما حصل من الاختلاف تلف الأنفس والأموال فإنّما هو حكمة لأصل الحكم ، وهو الجواز في الصورة المذكورة، فهو غير المقام .
ثمّ إنّ جواز بيع مال الغير لأخذ الحقّ في صورة عدم إمكان أخذ عينه منه إنّما هو لأجل انحصار طريق الاستيفاء به ، فمقتضى القاعدة وإن كان هو أنّه «لا بيع إلاّ في ملك» إلاّ أنّ الالتزام بالبطلان مناف لوصوله إلى حقّه ، فالبيع في هذا المورد نظير بيع الحاكم مال المديون في صورة إبائه عن أداء الدين مع كونه واجداً ، وبيع غير المالك في سائر الموارد الجائزة .
ثمّ إنّه لو أمكن له الوصول إلى عينه لكن بعسر ومشقّة ، كدخول دار الغير الذي تكون العين عنده ، أو كسر قفل حانوته أو نحو ذلك ، فمع عدم إثارة الفتنة الظاهر جواز الأمرين ، خصوصاً فيما لو كان الغير عالماً بأنّها ماله ومع ذلك جحده وأنكره ، أمّا جواز مثل دخول الدار فلانحصار طريق الوصول إلى العين به كما هو المفروض ،
- (1) جواهر الكلام: 40 / 387 .
(الصفحة 354)مسألة 3: لو كان المطلوب مثليّاً وأمكن له المقاصّة من ماله المثلي وغيره ، فهل يجوز له أخذ غير المثلي تقاصّاً بقدر قيمة ماله ، أو يجب الأخذ من المثلي ، وكذا لو أمكن الأخذ من جنس ماله ومن مثلي آخر بمقدار قيمته ، مثلا لو كان المطلوب حنطة وأمكنه أخذ حنطة منه بمقدار حنطته وأخذ مقدار من العدس بقدر قيمتها ، فهل يجب الاقتصار على الحنطة أو جاز الأخذ من العدس؟ لا يبعد
وأمّا جواز المقاصّة فلعدم وجود ما فيه العسر والحرج .
ودعوى أنّ التقاص حيث إنّه على خلاف الأصل يقتصر فيه على المورد المتيقّن ، وهو ما إذا لم يمكنه أصلا التوصل إلى أخذ حقّه بالترافع عند الحاكم ، مدفوعة: بأنّ مقتضى إطلاق أدلّة مشروعية التقاص الجواز مطلقا ، كما ذهب إليه بعض الأعلام(1) ، فلا مجال للاقتصار على المورد المتيقّن ، وان كان يبعّده كون جلّ القضاة منصوبين من قبل سلاطين الجور وكون قاضي العدل قليلا ، كما لايخفى .
نعم فيما إذا أمكن ذلك بدون العسر والحرج فالظاهر هو عدم جواز المقاصة; لأنّ مورد تلك الأدلّة على ما هو المتفاهم عند العرف صورة انحصار طريق التوصل إلى الحقّ في المقاصّة .
نعم في صورة العسر والحرج الظاهر جواز كلا الأمرين ، وعدم التعيّن في طريق الترافع منع فرض ثبوت العسر والحرج ، كما لا يخفى .
ثمّ إنّه لا يلاحظ هنا ضرر الغير; لعدم جريان قاعدة نفي الضرر بالإضافة الى الأحكام الفرعية ، وقد نبّهنا على الاختلاف في مجرى قاعدة لا ضرر وفي مفادها في موارد عديدة ، فراجع .
- (1) مباني تكملة المنهاج : 1 / 46 .
(الصفحة 355)جواز التقاص مطلقا فيما إذا لم يلزم منه بيع مال الغاصب وأخذ القيمة ، ومع لزومه وإمكان التقاص بشيء لم يلزم منه ذلك ، فالأحوط بل الأقوى الاقتصار على ذلك ، بل الأحوط الاقتصار على أخذ جنسه مع الإمكان بلا مشقة ولا محذور1.
1 ـ قد عرفت أنّ مقتضى القاعدة عدم جواز المقاصة من مال الغير; لعدم حلّية التصرّف في مال الغير بغير إذنه(1) ، ولكنّ الأدلّة المتقدّمة يستفاد منها المشروعية والجواز ، واللاّزم فيما إذا لم يكن هناك إطلاق الأخذ بالقدر المتيقّن ، وعليه فما نفى عنه البعد في المتن من جواز التقاص مطلقا فيما إذا لم يلزم منه بيع مال الغير في غاية البعد; لأنّ المفروض إمكان التقاص له من الحنطة التي هي مطلوبة ، فلا مجال له لأخذ العدس مكانها بمقدار القيمة فضلا عن قيمي يماثل الحنطة في مقدار القيمة .
ولا إطلاق في شيء من روايات مشروعية المقاصة ، بل موردها القيمي أو مثل الدراهم ، كما يظهر بالمراجعة إليها ، ولكن يؤيّده أنّه لو فرض كون المطلوب مثلياً ووقع عنده قيميّ يعادله من حيث المالية ، فهل لا يجوز له التقاص إلاّ بعد بيع القيمي أو يجوز له التقاص به؟ الظاهر هو الثاني كما لايخفى . اللهمّ إلاّ أن يقال: إنّ الكلام في خصوص صورة الإمكان .
نعم في صورة المشقّة والعسر والحرج يجوز له الأخذ من العدس ، ولا يتعيّن في أخذ الحنطة ، كما ذكرنا نظيره بالنسبة إلى الترافع عند الحاكم والتقاص من دون الترافع ، من أنّه مع العسر والحرج يتخيّر بين الأمرين: الترافع والتقاص ، وسيأتي في المسألة الخامسة إن شاء الله تعالى أنّه لو أمكن أخذ ماله يعني عينه الشخصية