(الصفحة 91)مسألة 3 : لو لم يكن جازماً فأراد الدعوى على الغير لابدّ أن يبرزها بنحو ما يكون من الظّن أو الاحتمال ، ولا يجوز إبرازها بنحو الجزم ليقبل دعواه ، بناءً على عدم السّماع من غير الجازم1.
يستفصل ، ولو لم يعلم التفصيل لم تسمع .
ثانيهما : يمكن أن يقال : مقتضى النصوص الدالّة على أنّه لا يبطل دم امرئ مسلم(1) ثبوت الديّة في كلّي القتل بعد ثبوته(2) .
ويرد على الأمر الأوّل أنّ مرجع عدم السماع فيما لو لم يعلم التفصيل بعد الاستفصال ثبوت الاشتراط المذكور لا نفيه .
وعلى الأمر الثاني أنّ نفس تلك النصوص لا تدلّ على أزيد من عدم بطلان دم امرئ مسلم ، وأمّا أنّ عدم البطلان بماذا ، فالدليل قد ورد في أقسام القتل وأنواعه بنحو مختلف ، ففي العمد يثبت القصاص ، وفي شبه العمد الديّة على القاتل ، وفي الخطأ على العاقلة بالنحو المذكور في كتاب الديات ، وفي صورة الانفراد أمر والاشتراك أمر آخر .
ولا يمكن الرّجوع إلى دليل عدم البطلان ، وإن فرضنا أنّ مفاده الدية في عموم أقسام القتل وأنواعه ، فلا شبهة في التخصيص ، ويكون التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة للمخصّص غير جائز على ما بيّناه في محلّه من بحث العام والخاصّ من علم الاُصول .
1 ـ لا شبهة في أنّه لا يجوز إبراز الدعوى بصورة الجزم فيما لو لم يكن جازماً ، بل
- (1) الكافي : 7/355 ح2، التهذيب: 10/205 ح808 ـ 810 ، الوسائل : 29 / 148 ، أبواب دعوى القتل ب8 ح1 .
- (2) ملحقات العروة الوثقى : 3 / 49 .
(الصفحة 92)مسألة 4 : لو ادّعى اثنان مثلا بأنّ لأحدهما على أحد كذا تسمع ، وبعد الإثبات على وجه الترديد يقرع بينهما1.
مسألة 5 : لا يشترط في سماع الدعوى حضور المدّعى عليه في بلد
كان ظانّاً أو محتملا; لتقبل دعواه بناءً على عدم السماع من غير الجازم ، وكون الجزم من شروط سماع الدعوى كما تقدّم بحثه .
وأمّا في عكس المسألة بأن كان جازماً واقعاً ، وأراد أن يبرز الدعوى بصورة الظنّ والاحتمال بناءً على السماع في بعض الموارد ، مثل التهمة بناءً على عدم ثبوت ردّ الحلف فيه ، كما لعلّه يظهر من الأخبار الواردة في تهمة الأمين ، الذي لا يكون ضامناً في غير صورتي التعدّي والتفريط ، كالقصّار والصائغ ونحوهما(1) ، نعم في صورة التهمة يجوز إحلافه .
الظاهر الجواز; لأنّه تنزّل عن الواقعيّة وفيه غرض عقلائيّ; لأنّ فيه التخلّص من الحلف، وهذا بخلاف أصل المسألة فتأمّل ، لأنّ فيه إشكالا أيضاً باعتبار كونه خلاف الواقع .
1 ـ كما أنّه لا يشترط في سماع الدعوى أن يكون المدّعى عليه متعيّناً ، كذلك لا يشترط في سماعها تعيّن المدّعي ، فلو ادّعى اثنان مثلا بأنّ لأحدهما على أحد معيّن كذا ، لا وجه لعدم السماع . فلو أقاما بيّنة مطابقة لدعواهما بأن شهدت البيّنة بأنّ لأحدهما على المدّعى عليه كذا ، وحكم الحاكم على طبقها يثبت الحقّ على وجه الترديد ، والقرعة طريق التعيين ، كما في سائر الموارد التي يكون الحقّ معلوماً وذو الحقّ معلوماً بالإجمال ، أو يقتسمان على وجه الصلح القهري ، كما احتمله
- (1) وسائل الشيعة : 19 / 141 ـ 148 ، كتاب الإجارة ب29 و 30 .
(الصفحة 93)الدعوى ، فلو ادّعى على الغائب من البلد سواء كان مسافراً أو كان من بلد آخر ـ قريباً كان أو بعيداً ـ تسمع ، فإذا أقام البيّنة حكم القاضي على الغائب ويردّ عليه ما ادّعى إذا كان عيناً ، ويباع من مال الغائب ويؤدّى دينه إذا كان ديناً ، ولا يدفع إليه إلاّ مع الأمن من تضرّر المدّعى عليه لو حضر ، وقضى له بأن كان المدّعي مليّاً أو كان له كفيلٌ ، وهل يجوز الحكم لو كان غائباً وأمكن إحضاره بسهولة ، أو كان في البلد وتعذّر حضوره بدون إعلامه؟ فيه تأمّل . ولا فرق في سماع الدعوى على الغائب بين أن يدّعي المدّعي جحود المدّعى عليه وعدمه ، نعم لو قال : «إنّه مقرّ ولا مخاصمة بيننا» فالظاهر عدم سماع دعواه وعدم الحكم ، والأحوط عدم الحكم على الغائب إلاّ بضم اليمين ، ثم إنّ الغائب على حجّته ، فإذا حضر وأراد جرح الشهود أو إقامة بيّنة معارضة يقبل منه لو قلنا بسماع بيّنته1.
السيّد في الملحقات(1) ، نظراً إلى ما ورد في درهم الودعي ، ولكن التعدّي عن مورده بلحاظ كون الحكم على خلاف القاعدة مشكل .
1 ـ في هذه المسألة يقع الكلام في مقامات :
المقام الأوّل : في أصل القضاء على الغائب في الجملة ، ومرجعه إلى عدم شرطيّة حضور المدّعى عليه في سماع الدعوى ، والدليل عليه ـ مضافاً إلى أنّه لا إشكال ولا خلاف فيه بيننا ، بل كما في الجواهر الإجماع بقسميه(2) عليه ـ عدّة من الروايات :
منها : رواية جميل بن درّاج ، عن جماعة من أصحابنا ، عنهما (عليهما السلام) قالا : الغائب
- (1) ملحقات العروة الوثقى : 3 / 45 .
- (2) جواهر الكلام : 40 / 220 .
(الصفحة 94)
يقضى عليه ، إذا قامت عليه البيّنة ويباع ماله ، ويقضى عنه دينه وهو غائب ، ويكون الغائب على حجّته إذا قدم ، قال : ولا يدفع المال إلى الذي أقام البيّة إلاّ بكفلاء ، وروى جميل بن دراج ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) نحوه وزاد : إذا لم يكن ملّياً(1) .
والتعبير عن الرواية بالمرسلة ليس على ما ينبغي ، خصوصاً مع ملاحظة الطريق الثاني .
ومنها : رواية زرارة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : كان عليّ (عليه السلام) يقول : لا يحبس في السّجن إلاّ ثلاثة : الغاصب ، ومَن أكل مال اليتيم ظلماً ، ومَن ائتمن على أمانة فذهب بها ، وإن وجدَ له شيئاً باعه ، غائباً كان أو شاهداً(2) .
ومنها : بعض الروايات الاُخر من غير طرقنا ، مثل ما عن أبي موسى الأشعري ، قال : كان النبيّ (صلى الله عليه وآله) إذا حضر عنده خصمان فتواعدا الموعد ، فوفى أحدهما ولم يف الآخر ، قضى للذي وفى على الذي لم يفِ أي مع البيّنة(3) . وما روي من أنّ هنداً زوجة أبي سفيان بعدما ادّعت أنّ أبا سفيان رجل شحيح ، وأنّه لا يعطيها ما يكفيها وولدها ، قال لها النبي (صلى الله عليه وآله) : خذي ما يكفيك وبنيك بالمعروف(4) . وإن أورد على الأخير السيّد في الملحقات : بأنّه لا يكون من باب بيان الحكم بل بيان الفتوى ، مع
- (1) التهذيب : 6 / 296 ح827 و 828 وص191 ح413 ، الكافي : 5 / 102 ح2 ، الوسائل : 27 / 294 ، أبواب كيفيّة الحكم ب26 ح1 .
- (2) التهذيب : 6/299 ح836 ، الإستبصار : 3/47 ح154 ، الوسائل : 27 / 295 ، أبواب كيفيّة الحكم ب26 ح2 .
- (3) كنز العمال : 5 / 849 ح14539 .
- (4) سنن البيهقي : 15 / 148 ح21075 .
(الصفحة 95)
أن غيبة أبي سفيان من البلد غير معلومة(1) .
هذا ، وفي مقابل الروايات المتقدّمة ما رواه في قرب الاسناد عن السندي بن محمّد ، عن أبي البختري ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن عليّ (عليه السلام) قال : لا يقضى على غائب(2) .
ولكنّها مضافاً إلى إمكان حملها على صورة عدم جزم المدّعي ، وكون الجزم شرطاً في سماع الدعوى ، وإلى احتمال كون المراد بالقضاء القضاء الذي لا يتعقّبه كون الغائب على حجته إذا قدم ، وإلى بعض الاحتمالات الاُخر ، مثل كون المراد الغائب عن مجلس المرافعة ، يكون على تقدير التعارض الترجيح مع الطائفة الاُولى للشهرة الفتوائيّة ، التي هي أوّل المرجّحات على ما قلناه .
المقام الثاني : الظاهر أنّ المراد بالغائب في النصّ والفتوى هو الغائب عن البلد ، سواء كان قد سافر عن البلد إلى غيره بالسّفر الشرعيّ المشتمل على المسافة أو بغيره ، أو كان في خارج البلد ، سواء كان بعيداً أم قريباً ، ويدلّ عليه مع أنّ الغائب قد يطلق ويراد به الغائب عن صلاحيّة الرؤية كالله تبارك وتعالى ، وقد يطلق ويراد به الغائب عن الأنظار العرفيّة كالإمام الغائب عجّل الله تعالى فرجه الشريف ، وقد يطلق ويراد به الغائب عن مجلس المرافعة والمحاكمة ، كما يستفاد من ذيل رواية جميل ، وهو قوله (عليه السلام) : «يكون الغائب على حجّته إذا قدم» كما مرّ .
مع أنّ الظاهر إمكان تحقّق هذا العنوان مع قطع النظر عن المنازعة وفصل الخصومة ، خصوصاً مع أنّ المعروف هو كون التصرّف في اُمور المغيب والمقصّر من
- (1) ملحقات العروة الوثقى : 3 / 46 .
- (2) قرب الإسناد : 141 ح508 ، الوسائل : 27 / 296 ، أبواب كيفيّة الحكم ب26 ح4 .