(الصفحة 60)مسألة 10 : يجوز للحاكم تنفيذ حكم من له أهليّة القضاء من غير الفحص عن مستنده ، ولا يجوز له الحكم في الواقعة مع عدم العلم بموافقته لرأيه ، وهل له الحكم مع العلم به؟ الظاهر أنّه لا أثر لحكمه بعد حكم القاضي الأوّل بحسب الواقعة ، وإن كان قد يؤثّر في إجراء الحكم كالتنفيذ ، فإنّه أيضاً غير مؤثّر في الواقعة ، وإن يؤثّر في الإجراء أحياناً . ولا فرق في جواز التنفيذ بين كونه حيّاً أو ميّتاً ، ولا بين كونه باقياً على الأهليّة أم لا ، بشرط أن لا يكون إمضاؤه موجباً لاغراء الغير بأنّه أهل فعلا1.
مسألة 11 : لا يجوز إمضاء الحكم الصادر من غير الأهل ، سواء كان غير مجتهد أو غير عادل ونحو ذلك ، وإن علم بكونه موافقاً للقواعد ، بل يجب نقضه مع الرفع إليه أو مطلقاً2.
رأى خطّه وخاتمه ، فإن حصل منهما القطع العقليّ أو الاطمئنان الذي هو علم عرفيّ يجوز ترتيب الأثر عليهما ، وإلاّ فلا يكون في شيء منهما في نفسه حجّية أصلا .
الثالث : أن يكون متذكّراً لحكمه السّابق ، لكنّه تبدّل رأيه مع رأيه السابق الذي حكم به ، فاللازم تنفيذ الحكم السابق وإن كان على خلاف رأيه فعلا; لأنّ كلا الرأيين اجتهاد ، والمجتهد لا يكون عالماً بالحكم ، ولا يجوز له نقض الحكم الناشئ عن الاجتهاد ، إلاّ أن يكون الحكم السابق مخالفاً لضروريّ الفقه أو إجماع قطعيّ ، فيجوز بل يجب النقض في هذه الصورة كما مرّ سابقاً .
1 و 2 ـ الغرض من هاتين المسألتين بيان صور جواز التنفيذ، بمعنى إيجاب العمل على طبق حكم الحاكم القبلي وعدم جوازه، وجوازالحكم الاستقلالي وعدمه.
(الصفحة 61)مسألة 12 : إنّما يجوز إمضاء حكم القاضي الأوّل للثاني إذا علم بصدور الحكم منه إمّا بنحو المشافهة أو التواتر ونحو ذلك ، وفي جوازه بإقرار
فنقول : يجوز التنفيذ بالمعنى الذي ذكرناه ، وشرطه أن يكون القاضي الأوّل ممّن له أهليّة القضاء ، سواء كان هناك فحص عن مستنده أم لا; لأنّ غايته كون رأيه مخالفاً لرأيه وهو لا ينافي التنفيذ; لأنّ مرجعه ليس إلى الحكم الثاني حتّى لا يجوز أن يتحقّق مخالفاً لرأيه بعد فرض اعتبار الاجتهاد في القاضي مطلقاً .
نعم إذا لم يكن له أهليّة القضاء كأن لم يكن مجتهداً أو عادلا ، لا يجوز تنفيذ حكمه وإن علم بكونه موافقاً للقاعدة; لعدم كون حكمه شرعيّاً حينئذ ، فالواجب عليه مكان التنفيذ النقض ، إمّا في خصوص صورة الترافع إليه ، وإمّا مطلقاً بناءً على كون عمله محرّماً; لعدم صلاحيّته للقضاء كما تقدّم .
وهذا أي جواز التنفيذ في صورة الجواز لا فرق فيه بين الميّت والحيّ ، ولا بين بقاء القاضي الأوّل على شرائط القضاء ، أو ارتفاع بعض الصفات كالعدالة عنه . واشترط في الجواز حينئذ أن لا يكون امضاؤه موجباً لاغراء الغير بأنّه أهل فعلا ، مع أنّه لو فرض حرمة الإغراء يكون هذا عنواناً آخر ، واتّحاده مع التنفيذ فضلا عن الملازمة لا يوجب اتّصاف التنفيذ بعدم الجواز ، وعلى تقديره وتقدير كونه قادحاً في العدالة يكون ذلك بعد التنفيذ وبه ، لا قبله حتى يخرج من الأهليّة .
وأمّا الحكم الاستقلالي من الحاكم الثاني فمشروط بالعلم بموافقته لرأيه; لأنّ المفروض تحقّق الحكم ، وهو لابدّ أن يكون عن اجتهاد ورأي بخلاف التنفيذ . نعم ظاهر المتن أنّه في صورة العلم بالحكم السابق لا يجوز الحكم; لأنّه لا أثر له ، مع أنّ عدم الأثر بمعنى اللغويّة لا يوجب الحرمة; لأنّه ليس كلّ لغو بمعنى عدم ترتّب الأثر عليه بحرام ، فهذا الاستثناء غير تامّ .
(الصفحة 62)المحكوم عليه إشكال ، ولا يكفي مشاهدة خطّه وإمضائه ، ولا قيام البيّنة على ذلك ، نعم لو قامت على أنّه حكم بذلك فالظاهر جوازه1.
1 ـ لابدّ وأن يكون حكم الحاكم الأوّل محرزاً عند الحاكم الثاني ـ إذا أراد إمضاءه وإيجاب العمل على طبقه ـ إمّا بالعلم الحاصل بنحو المشافهة أو التواتر أو غيرهما ، وإمّا بالاطمئنان أي الظنّ المتاخم للعلم الذي عرفت أنّه علم عرفيّ وعقلائيّ ، وإمّا بقيام البيّنة على نفس صدور الحكم وتحقّق رفع التنازع والخصومة من القاضي الأوّل . نعم يمكن أن يقال بإمكان جريان التعليق فيه ، بأن يقول الحاكم الثاني : إذا صدر الحكم من الحاكم الفلاني فقد أمضيته ، خصوصاً بعد أن لا يكون له أثر سوى الإجراء أحياناً ، وحينئذ فمع فرض صدوره منه لا مانع من تحقّق الإمضاء والتنفيذ ، كما لا يخفى .
وأمّا جواز الإمضاء بسبب إقرار المحكوم عليه ففيه إشكال ، على ما في المتن من جريان قاعدة إقرار العقلاء على أنفسهم جائز ، والفرض أن المقرّ هو المحكوم عليه . ومن لزوم الاقتصار في جريان القاعدة على المقدار الذي هو على المقرّ من دون ثبوت خصوصيّاته ولوازمه . فإذا أقرّ بأنّ الحاكم الأوّل حكم بأنّ الدار التي هي في يده لزيد مثلا يحكم بمقتضى قاعدة الإقرار بأنّ الدّار له ، ولا يثبت بمقتضى الإقرار حكم الحاكم الأوّل ، وهذا كما في الأصول الشرعيّة مثل الاستصحاب ، الذي يقتصر فيها على اللوازم الشرعيّة والآثار المترتّبة عليها ، ولا تثبت بها اللوازم غير الشرعيّة ، ولا الآثار الشرعيّة المترتّبة عليها ، فلا يثبت باستصحاب حياة زيد إلاّ حرمته تزويج امرأته وتقسيم أمواله ونحوهما ، ولا يثبت به بياض لحيته ولا الآثار الشرعيّة المترتّبة عليه ، كما لايخفى .
وهكذا لا يثبت حكمه بمشاهدة خطّه وإمضائه ، سواء علم بكونه خطّاً وإمضاءً
(الصفحة 63)
له ، أو قامت البيّنة على ذلك; لعدم حجّية الخطّ والإمضاء شرعاً إلاّ في صورة العلم أو الاطمئنان كما عرفت .
وقد ورد في رواية السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن عليّ (عليه السلام)أنّه كان لا يجيز كتاب قاض إلى قاض في حدّ ولا غيره حتّى وليت بنو اُميّة فأجازوا بالبيّنات ، وسيأتي البحث في مفاد الرواية في الفصل الأوّل من الفصلين المبحوث عنهما في خاتمة كتاب القضاء إن شاء الله ، فانتظر(1) .
- (1) التهذيب : 6 / 300 ح840 و841 ، الوسائل : 27 / 297 ، أبواب كيفيّة الحكم ب 28 ح1 .
(الصفحة 64)