(الصفحة 108)ثمّ إنّه لم يكتب حتّى يعلم اسم المحكوم عليه ونسبه على وجه يخرج عن الاشتراك والإبهام ، ولو لم يعلم لم يكتب إلاّ مع قيام شهادة عدلين بذلك ، ويكتب مع المشخّصات النافية للإيهام والتدليس ، ولو لم يحتج إلى ذكر النسب وكفى ذكر مشخّصاته اكتفى به1.
1 ـ هل كتابة الحكم مع ثبوت وجوبه واجبة أم لا؟ نسب الأوّل إلى الأشهر(1) ، ولكنّ الظاهر عدم وجوبها إلاّ إذا توقّف عليها استنقاذ حقّه ، الذي تكون هي الحكمة في إيجابه على القاضي كفاية أو عيناً ، كما تقدّم ، ولا إشكال في جواز مطالبة قيمة القرطاس والمداد في هذه الصّورة ، وأمّا بالإضافة إلى أصل كتابة الحكم ففيه إشكال ، وإن نفى البعد عن الجواز في المتن; نظراً إلى عدم وجوب الكتابة في هذه الصورة أيضاً ، وعلى تقديره فلا دليل على عدم جواز أخذ الاُجرة على الكتابة ، وحرمة أخذ الاجرة على أصل الحكم لا تلازم الحرمة على الكتابة .
وعن المستند للنراقي حرمة أخذ الاجرة والقيمة على القرطاس والمداد; نظراً إلى أنّهما من مقدّمة الواجب ومقدّمة الواجب واجبة والواجب لا يجوز أخذ الاُجرة عليه(2) . ويرد عليه منع الصغرى والكبرى معاً ، فإنّ مقدّمة الواجب لا تكون واجبة بالوجوب الشرعي ، وإن كان غيريّاً كما حقّقناه في الأصول ، ولم يرد دليل على حرمة أخذ الاُجرة على الواجب بنحو الكلّي ، كما حقّقناه في كتابنا في القواعد الفقهيّة(3) ، وقد أورد عليه السيّد في الملحقات بأنّ الكتابة نظير تكفين الميّت حيث إنّه واجب بشرط وجود الكفن ، ولا يلزم دفع الكفن على من وجب
- (1) مسالك الأفهام : 13 / 416 .
- (2) مستند الشيعة : 2 / 546 (ط ق) .
- (3) القواعد الفقهيّة : 1 / 509 ـ 533 .
(الصفحة 109)مسألة 5 : لو كان المقرّ واجداً اُلزم بالتأدية ، ولو امتنع أجبره الحاكم ، وإن ماطل وأصرّ على المماطلة جازت عقوبته بالتغليظ بالقول حسب مراتب الأمر بالمعروف ، بل مثل ذلك جائز لسائر النّاس ، ولو ماطل حبسه الحاكم حتّى يؤدّي ما عليه ، وله أن يبيع ماله إن لم يمكن إلزامه ببيعه ، ولو كان المقرّ به عيناً يأخذها الحاكم ، بل وغيره من باب الأمر بالمعروف ، ولو كان ديناً أخذ الحاكم مثله في المثليّات وقيمته في القيميّات بعد مراعاة مستثنيات الدين ، ولا فرق بين الرجل والمرأة فيما ذكر1.
عليه التكفين(1) .
ثمّ اللاّزم في الكتابة ذكر اسم المحكوم عليه ونسبه على وجه يخرج عن الاشتراك والإبهام ، ولو مع قيام البيّنة بذلك في صورة عدم العلم ، ويكفي ذكر المشخّصات النافية للإبهام والتدليس المعبّر عنها في كلام الشرائع وغيرها بالحلية(2); لعدم الدليل على خصوص الاسم والنسب ، كما لايخفى .
1 ـ يقع الكلام في هذه المسألة في مقامات :
المقام الأوّل : قد عرفت أنّ المقرّ به إن كان عيناً في يد المقرّ ـ أي المدّعى عليه ـ فمع عدم علم الحاكم بكونها للمدّعي لا يترتّب على إقرار المحكوم عليه إلاّ مجرّد جهة سلبيّته ، وإن كانت مدلولا التزاميّاً لاقرار المقرّ ، ولا يترتّب عليه جواز الحكم بكونها للمدّعي; لعدم صلاحيّة مجرّد الإقرار لاثبات ذلك ، وإن كان ديناً لا يكون
- (1) ملحقات العروة الوثقى : 3 / 50 مسألة 4 .
- (2) المبسوط : 8 / 115 ، شرائع الإسلام : 4 / 873 ، مسالك الافهام : 13 / 444 ، مختلف الشيعة : 8 / 442 مسألة 43 .
(الصفحة 110)
كذلك ، فإنّ الإقرار باشتغال ذمّته لدين للمقرّ له لا يكون قابلا للتفكيك كما في العين ، بل لازم الإقرار جواز الحكم بالاشتغال ، الذي هو عبارة اُخرى عن ثبوت الدين ، ولأجله يجوز للحاكم الإجبار والحبس وبيع ماله لأجله وغير ذلك .
المقام الثاني : يجوز للمحكوم به إلزام المحكوم عليه بتأدية الدين الذي أقرّ به له ، إذا كان واجداً قادراً على أداء الدين بعد مراعاة مستثنيات الدين ، وإن ماطل وأصرّ على المماطلة جازت عقوبته بالتغليظ بالقول ، بمثل يا ظالم يا فاسق وأمثال ذلك ، الأهون فالأهون حسب مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولأجل انطباق هذا العنوان يجوز لسائر الناس غير الحاكم وغير المحكوم عليه أيضاً ، مضافاً إلى رواية محمد بن جعفر ، عن أبيه ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ليّ الواجد بالدّين يحلّ عرضه وعقوبته(1) .
والظاهر أنّ مماطلة الواجد تحلّ عرضه وعقوبته للدائن مطلقاً ، سواء كانت هناك مخاصمة منتهية إلى الحكم بنفعه أم لا ، فما عن النراقي في المستند من إجمال الرواية(2) ـ لأنّه لا دلالة لها على من يحلّ عقوبته وعرضه ، والقدر المتيقّن حلّية العقوبة والعرض بالإضافة إلى الحاكم ، وأمّا بالنسبة إلى غيره فلا حتى بالإضافة إلى المحكوم له ـ واضح الضعف وخلاف ظاهر الرواية .
المقام الثالث : في أنّه لو ماطل يجوز للحاكم حبسه حتّى يؤدّي ما عليه . والدليل على جواز الحبس الروايات الكثيرة الدالّة عليه ، مثل :
معتبرة غياث بن إبراهيم ، عن جعفر ، عن أبيه : أنّ عليّاً (عليه السلام) كان يحبس في
- (1) أمالي الطوسي : 520 ح1146 ، الوسائل : 18 / 333 ، أبواب الدين والقرض ب8 ح4 .
- (2) مستند الشيعة : 2 / 547 (ط ق) .
(الصفحة 111)
الدين ، فإذا تبيّن له حاجة وإفلاس ، خلّى سبيله حتّى يستفيد مالا(1) .
ومعتبرة السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه : أنّ عليّاً (عليه السلام) كان يحبس في الدين ، ثم ينظر فإن كان له مال أعطى الغرماء ، وإن لم يكن له مال رفعه إلى الغرماء ، فيقول لهم : اصنعوا به ما شئتم ، فإن شئتم أجّروه ، وإن شئتم فاستعملوه(2) . وغير ذلك من الروايات الواردة في هذا المجال .
وهل يختصّ الجواز أي جواز الحبس بالحاكم كما هو الظاهر من المتن والمحكيّ عن مستند النراقي(3) ، نظراً إلى أنّ عليّاً (عليه السلام) كان يعمل ذلك والتوسعة تقتضي الجواز بالإضافة إلى الحاكم ، ولا دليل على الجواز بالإضافة إلى غيره ، ولو كان هو المحكوم له الدائن ، ولكن يمكن أن يقال : إنّ الناقل لفعل عليّ (عليه السلام) هو الإمام ، والظاهر أنّ غرضه من الحكاية والنقل بيان الحكم الشرعي لا نقل القصّة فقط . فجواز الحبس يمكن استفادته منه بالإضافة إلى غير الإمام وغير الحاكم ، ولكنّ الأحوط الاقتصار عليه ، خصوصاً مع أنّ التجويز بالنسبة إلى غيره لعلّه يوجب الهرج والمرج كما لايخفى ، ولكن لابدّ من تقييد الجواز بصورة التماس المحكوم له من الحاكم الحبس ، ولا يجوز للحاكم الإقدام عليه مع عدم الالتماس فضلا عن صورة التماس العدم; لأنّ الدين لا يزيد عن السّرقة التي يكون القطع فيها منوطاً بالتماس المسروق منه ، كما لايخفى .
المقام الرابع : أنّه يستفاد من المتن أنّه في صورة المماطلة يكون الحاكم مخيّراً بين
- (1) التهذيب : 6 / 196 ح433 وص299 ح834 ، الإستبصار : 3 / 47 ح156 ، الفقيه : 3 / 19 ح43 ، الوسائل : 18/418 ، كتاب الحجر ب7 ح1 .
- (2) التهذيب : 6 / 300 ح838 ، الإستبصار : 3 / 47 ح155 ، الوسائل : 18 / 418 ، كتاب الحجر ب7 ح3 .
- (3) مستند الشيعة : 2 / 547 (ط ق) .
(الصفحة 112)
الحبس حتّى يؤدّى ما عليه ، وبين أن يبيع من ماله إن لم يمكن إلزامه ببيعه ، والسرّ في التخيير أنّه لا دليل على تقدّم أحد الأمرين على الآخر وتأخّره ، ولزوم مراعاة الترتيب بين الأمرين ، ولعلّ الثاني أعني البيع من ماله مع عدم إمكان إلزامه ببيعه يكون أقرب إلى وصول حقّ الدائن إليه ، إذ ترتّب أداء ما عليه على الحبس ربّما لا يتّفق أحياناً ، بخلاف البيع من ماله .
المقام الخامس : أنّه إذا تبيّن في الحبس أنّ له حاجة وإفلاس ، وليس له بالفعل ما يصرفه في أداء دينه ، فمقتضى رواية غياث المتقدّمة أنّه (عليه السلام) كان يخلّي سبيله حتى يستفيد مالا يقدر به على أداء الدين ، ومقتضى رواية السكوني المتقدّمة أنّه كان يدفعه أي شخصه إلى الغرماء ، ويقول لهم : اصنعوا به ما شئتم ، فإن شئتم أجّروه ، وإن شئتم استعملوه .
وقد ذكر المحقّق في الشرائع : وفي تسليمه إلى غرمائه ليستعملوه أو يؤاجروه ، روايتان أشهرهما الانظار حتّى يُوسر(1) . وذكر صاحب الجواهر : أنّ المراد أشهرهما عملا ، وأصحّهما سنداً ، وأكثرهما عدداً ، وأوفقهما بالأصل والكتاب ، كما أنّه ذكر أنّ الفتوى برواية السكوني قد وقعت من الشيخ (قدس سره) في كتاب النهاية(2) ، وحكى عنه أنّه رجع عن العمل بها إلى ما عليه الأصحاب(3) ، بل ذكر أنّ كتاب النهاية ليس معدّاً للفتوى بل هو متون أخبار ، وبذلك يظهر شذوذ الرواية المزبورة(4) .
- (1) شرائع الإسلام : 4 / 873 .
- (2) النهاية : 339 و 352 ـ 353 .
- (3) أي في الخلاف : 3 / 272 مسألة 15 وص276 مسألة 24 .
- (4) جواهر الكلام : 40 / 165 ـ 166 .