(الصفحة 97)مسألة 6 : الظاهر اختصاص جواز الحكم على الغائب بحقوق الناس ، فلا يجوز الحكم عليه في حقوق الله تعالى مثل الزّنا ، ولو كان في جناية حقوق الناس وحقوق الله كما في السّرقة ، فإنّ فيها القطع وهو من حقوق الله وأخذ المال وردّه إلى صاحبه وهو من حقوق الناس ، جاز الحكم في حقوق الناس دون حقوق الله ، فلو أقام المدّعي البيّنة حكم الحاكم ، ويؤخذ المال على ما تقدّم1.
المقام الرابع : في أنّه جعل في المتن مقتضى الاحتياط اللزومي ضمّ اليمين إلى البيّنة كما عليه المشهور(1) ، والظاهر ابتناؤه على لزوم ضمّ اليمين إلى البيّنة في الدعوى على الميّت ، التي سيأتي البحث عنها; نظراً إلى إلغاء الخصوصيّة وتنقيح المناط ، وهو محلّ تأمّل وكلام .
المقام الخامس : في اختصاص جواز الحكم على الغائب بحقوق الناس وعدمه ، وقد تعرّض له الماتن (قدس سره) في المسألة الآتية .
1 ـ الدليل على الاختصاص المذكور في المتن ، مضافاً إلى أنّ الظاهر أنّه لا خلاف فيه قاعدة «درء الحدود بالشبهات» وبناؤها على التخفيف ، كما يدلّ عليه مرسلة الصدوق المعتبرة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)(2) . نعم لو كانت الجناية المدّعاة ممّا اشترك فيه حقّ الناس وحقّ الله كما في السّرقة ، حيث إنّ فيها القطع وهو من حقوق الله وأخذ المال وردّه إلى صاحبه وهو من حقوق الناس ، فإنّه لا إشكال في جواز الحكم في حقوق الناس ، ويترتّب عليه أخذ المال من السارق وردّه إلى
- (1) كفاية الأحكام : 269 .
- (2) الفقيه : 4 / 53 ح90 ، الوسائل 28 : 47 ، أبواب مقدّمات الحدود ب24 ح4 .
(الصفحة 98)مسألة 7 : لو تمّت الدعوى من المدّعي ، فإن التمس من الحاكم إحضار المدّعى عليه أحضره ، ولا يجوز التأخير غير المتعارف . ومع عدم التماسه وعدم قرينة على إرادته فالظاهر توقّفها إلى أن يطلبه1.
المسروق منه ، وأمّا بالإضافة إلى القطع ، فقد تردّد فيه المحقّق في الشرائع(1); نظراً إلى أنّهما معلولان لعلّة واحدة ، ولا وجه لتبعيض مقتضاها ، ولكن هذه الاُمور بالنسبة إلى العلل التكوينيّة ، فإنّه إذا كان هناك معلولان لعلّة واحدة لا يمكن التفكيك والتبعيض . وأمّا في الاُمور الشرعيّة الاعتباريّة فلا مانع من التبعيض أصلا بعد قيام الدليل الشرعي عليه .
1 ـ لو تمّت الدعوى من المدّعي ، وكانت جامعة لشروط السماع ، فإن التمس أو كانت هناك قرينة على إرادته إحضار المدّعى عليه ، يجب على الحاكم إحضاره للحكم ورفع التنازع; لئلاّ يلزم التضرّر بالتأخير الزائد ، ولكن لابدّ من تقييد إطلاق هذا الكلام بما إذا لم يكن في إحضار المدّعى عليه وهن وتنقيص من جهة الموقعيّة والحيثيّة ، وإلاّ فاللاّزم ملاحظة أنّ دعواه هل تكون بحيث كان الحكم بنفعه أم لا فتأمّل .
- (1) شرائع الإسلام : 4 / 875 .
(الصفحة 99)
فصل في جواب المدّعى عليه
المدّعى عليه إمّا أن يسكت عن الجواب
أو يقرّ
أو ينكر
أو يقول : «لا أدري»
أو يقول : «أدّيت» ، ونحو ذلك ممّا هو تكذيب للمدّعي1.
1 ـ في كون السكوت جواباً مسامحة واضحة بعد كونه سكوتاً عن الجواب ، والمراد معاملة المدّعى عليه في قبال ادّعاء المدّعي ، كما أنّ المفعول في مثل قوله : أدّيت هو الحقّ عيناً أو ديناً ، فيشمل كلتا الصورتين .
(الصفحة 100)
القول في الجواب بالإقرار
مسألة 1 : إذا أقرّ المدّعى عليه بالحقّ عيناً أو ديناً ، وكان جامعاً لشرائط الإقرار وحكم الحاكم ألزمه به ، وانفصلت الخصومة ، ويترتّب عليه لوازم الحكم كعدم جواز نقضه ، وعدم جواز رفعه إلى حاكم آخر ، وعدم جواز سماع الحاكم دعواه وغير ذلك . ولو أقرّ ولم يحكم فهو مأخوذ بإقراره ، فلا يجوز لأحد التصرّف فيما عنده إذا أقرّ به إلاّ بإذن المقرّ له ، وجاز لغيره إلزامه ، بل وجب من باب الأمر بالمعروف . وكذا الحال لو قامت البيّنة على حقّه من جواز ترتيب الأثر على البيّنة ، وعدم جواز التصرّف إلاّ بإذن من قامت على حقّه ، نعم في جواز إلزامه أو وجوبه مع قيام البيّنة من باب الأمر بالمعروف إشكال; لاحتمال أن لا يكون الحقّ عنده ثابتاً ، ولم تكن البيّنة عنده عادلة ، ومعه لا يجوز أمره ونهيه ، بخلاف الثبوت بالإقرار1.
1 ـ إذا أقرّ المدّعى عليه بالحقّ الذي ادّعاه المدّعي عيناً أو ديناً ، وكان جامعاً لشرائط الإقرار المذكورة في كتاب الإقرار ، وفي قاعدة إقرار العقلاء على أنفسهم جائز ، التي هي من القواعد الفقهيّة المبحوث عنها في محالّها ، فتارةً يحكم الحاكم
(الصفحة 101)
على طبقه واُخرى لا يحكم .
ففي صورة الحكم على طبق الإقرار ـ بناءً على القول بعدم اختصاص الحكم الذي هو إنشاء من القاضي لرفع التنازع وفصل الخصومة ، كما سيأتي بغير صورة الإقرار بناءًعلى اختصاصه بصورةوجودالمخاصمة، ومع الإقراربدعوى المدّعي لا مخاصمة، كما عرفت في الحكم على الغائب ـ يُلزم الحاكم المقرَّ بما أقرّ به وانفصلت الخصومة ، ويترتّب عليه لوازم الحكم كعدم جواز نقضه ، وعدم جواز رفعه إلى حاكم آخر ، وعدم جواز سماع حاكم آخر دعواه على تقدير الرفع ، وغير ذلك من لوازم الحكم .
وكيف كان لا فرق في صورة الحكم بين ما لو كان المنشأ هو البيّنة أو الإقرار أو غيرهما ، فإذا تحقّق إنشاء الحكم يترتّب عليه جميع آثاره .
وفي صورة عدم الحكم فقد ذكر الماتن (قدس سره) أنّه لا فرق بين الإقرار والبيّنة من جهة ، وفرق بينهما من جهة اُخرى .
أمّا الجهة الاُولى : فهي أنّ المقرّ مأخوذ بإقراره ، فلا يجوز لأحد بعد الإقرار التصرّف في مال المقرّ ، الذي أقرّ له به إلاّ مع إذنه وإجازته; لأنّه تصرّف في مال الغير بغير إذنه ، وهو لا يكون جائزاً ، كما أنّه مع قيام البيّنة يكون الحال هكذا ، فلا يجوز لأحد التصرّف في المال الّذي قامت البيّنة على كونه للمدّعي بدون إذنه ، وإن لم يتحقّق حكم الحاكم أصلا .
وأمّا الجهة الثانية : فهي أنّه يجوز بل يجب في صورة الإقرار منع الغير عن التصرّف بدون الإذن; لأنّه من مصاديق النهي عن المنكر . وأمّا في صورة البيّنة ، فقد استشكل في الجواز أو الوجوب في المتن ، نظراً إلى أنّه يمكن أن لا يكون الحقّ ثابتاً عنده ، أو لم تكن البيّنة عنده عادلة معتبرة ، وحكي عن المسالك في مقام الفرق بين البيّنة والإقرار : أنّ البيّنة منوطة باجتهاد الحاكم في قبولها وردّها وهو