(الصفحة 378)مسألة 19: لو تبيّن بعد المقاصّة خطؤه في دعواه يجب عليه ردّ ما أخذه أو ردّ عوضه مثلا أو قيمته لو تلف ، وعليه غرامة ما أضرّه من غير فرق بين الخطأ في الحكم أو الموضوع ، ولو تبيّن أنّ ما أخذه كان ملكاً لغير الغريم يجب ردّه أو ردّ عوضه لو تلف1.
إذن الحاكم خصوصاً مع أنّ التقاص كما عرفت مراراً يكون على خلاف القاعدة المقتضية لعدم جواز التصرّف في مال الغير بغير إذنه ، وخصوصاً مع أنّه بعد الرجوع إلى الحاكم والاستئذان منه إمّا أن يكون ملتزماً بالإذن بالإضافة إلى الجميع ، فيلزم لغوية لزوم الاستئذان ، وأمّا أن لا يكون ، فيلزم التبعيض من غير وجه مضافاً إلى أنّ الجهة الموجبة لعدم الاذن كاثارة الفتنة ونحوها لا ربط لها بالتقاصّ كما مرّ .
هذا فيما إذا لم يتوقّف على البيع أو الإفراز ، وأمّا لو توقّف على شيء من ذلك فالظاهر أيضاً عدم التوقّف على الإذن; لعدم الدليل عليه خصوصاً مع أنّ البيع أو الافراز غير مصرّح بجوازه في شيء من الروايات المتقدّمة(1) ، فتدبّر جيّداً .
ثمّ إنّك عرفت(2) مراراً أنّ قاعدة نفي الضرر أجنبيّة عن مثل المقام ، فلا يجوز التمسّك بها كما لا يخفى .
1 ـ في هذه المسألة صورتان:
الاُولى: ما إذا تبيّن بعد المقاصّة خطأ المقتص النادم فيما يعتقده ويدّعيه من ثبوت
- (1) في ص347 ـ 349.
- (2) في ص354 .
(الصفحة 379)مسألة 20: تجوز المقاصّة من العين أو المنفعة أو الحقّ في مقابل حقّه من أيّ نوع كان ، فلو كان المطلوب عيناً يجوز التقاصّ من المنفعة إذا عثر عليها أو الحقّ كذلك وبالعكس1.
حقّ له على الغريم ، وأنّه لم يكن له حقّ عليه عند المقاصّة ، ويجب عليه حينئذ ردّ ما أخذه إن كان موجوداً ولم يتحقّق نقله إلى الغير ، وردّ عوضه مثلا أو قيمته لو تلف أو نقل إلى الغير بالنقل اللازم من دون فرق بين أن يكون الخطأ في الحكم أو الموضوع ، والوجه فيه واضح .
الثانية: ما إذا تبيّن له بعد المقاصّة أنّ المأخوذ لم يكن ملكاً للغريم بل لغيره ، وكان يعتقد أنّه ملك للغريم . ومن المعلوم أنّه لم تتحقق المقاصّة حينئذ; لأنّه لا معنى لها بالإضافة إلى مال الغير ، وإن كان من حواشيه كأبيه أو ابنه مثلا فيجب عليه ردّه أو ردّ عوضه مثلا أو قيمته لو تلف أو مثله .
1 ـ لا تعتبر في المقاصّة إلاّ المماثلة في المالية ، ولا تعتبر المماثلة من جهة العين أو المنفعة أو الحقّ ، فلو كان المطلوب عيناً يجوز التقاص من المنفعة إذا عثر عليها أو الحقّ كذلك وبالعكس ، بل لا تعقل المماثلة من جميع الجهات في بعض صور المقاصّة ، فإذا كان المطلوب عيناً لا تتحقق المماثلة معها في الجميع خصوصاً بعد كون خصوصيات العين مقصورة ، فالمعتبر في المقاصة المماثلة في المالية .
نعم قد عرفت أنّه مع إمكان المقاصة من المثل في المثلي الكلي ، يشكل التقاص من جنس آخر ، كالتقاص من الشعير فيما لو كان عليه حنطة مع إمكان التقاص من الحنطة التي هي من جنسها(1) ، كما لا يخفى .
(الصفحة 380)مسألة 21: إنّما يجوز التقاص إذا لم يرفعه إلى الحاكم فحلّفه ، وإلاّ فلا يجوز بعد الحلف ، ولو اقتص منه بعده لم يملكه1.
ثمّ إنّه ربّما يقال بقصور أدلّة المقاصة عن الدلالة على جوازها من غير جنس حقّه; نظراً إلى صحيحة أبي بكر الحضرمي المتقدّمة الواردة في الدراهم من الطرفين ، وصحيحة داود بن رزين المتقدّمة المشتملة على قوله: «خذ مثل ذلك»(1) ، مضافاً إلى آية الاعتداء(2) والمعاقبة(3) المشتملتين على التعبير بالمماثلة ، ولا تصدق المماثلة فيما إذا كان المطلوب عيناً واُريد التقاص من الحقّ ، ولكن ضعف هذا القول ظاهر بعد وضوح أنّ المراد بالمماثلة هي المماثلة في المقدار ، بمعنى عدم الزيادة على المطلوب ، وإلاّ يلزم عدم استفادة مشروعية التقاص فيما إذا لم يتمكّن من الجنس من أمثال هذه الأدلّة ، مع أنّه من الواضح خلافه ، بل يلزم عدم مشروعية المقاصة في مقدار أقلّ من الحقّ .
1 ـ غير خفي أنّه إذا رفع الأمر إلى الحاكم ولم يكن بيّنة للمدّعي ، ووصلت النوبة إلى حلف المدّعى عليه فحلّفه الحاكم وحلف ، وحكم الحاكم على طبق حلفه بعدم كونه غاصباً أو مديوناً ، لا يجوز للدائن ـ وإن كان يرى نفسه فيما بينه وبين الله دائناً ـ المقاصة من مال المديون; لاقتضاء فصل الخصومة الحاصل بحكم الحاكم ذلك ، وإن كان لا يصير الغاصب مالكاً للعين واقعاً ، والمديون بريئاً من الدين كذلك ، وقد ورد في بعض الروايات النبوية الصحيحة المشتملة على قوله (صلى الله عليه وآله): إنّما
- (1) تقدّمتا في ص348.
- (2) سورة البقرة 2: 194 .
- (3) سورة النحل 16: 126 .
(الصفحة 381)
أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان(1) ما هو مفاده أنّه لو قضيت لكم بخلاف الواقع لا يصير المحكوم له مالكاً واقعاً ، بل إنّما قطع له قطعة من النار . ومع اقتضاء القاعدة ذلك فقد وردت في المسألة أيضاً روايات:
منها: رواية خضر النخعي، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الرجل يكون له على الرجل المال فيجحده ، قال: إن استحلفه فليس له أن يأخذ شيئاً ، وإن تركه ولم يستحلفه فهو على حقّه(2) .
ومنها: رواية ابن أبي يعفور، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا رضي صاحب الحقّ بيمين المنكر لحقّه فاستحلفه ، فحلف أن لا حقّ له قبله ذهبت اليمين بحقّ المدّعي ، فلا دعوى له . قلت له: وإن كانت عليه بيّنة عادلة؟ قال: نعم وإن أقام بعدما استحلفه بالله خمسين قسامة ما كان له ، وكانت اليمين قد أبطلت كلّ ما ادّعاه قبله ممّا قد استحلفه عليه(3) .
ولا يخفى أنّ المراد بذهاب اليمين بحقّ المدّعي ، كما يظهر من تفريع قوله: «فلا دعوى له» هو الذهاب من جهة إقامة الدعوى أو التقاص أو مثلهما لا ذهابها به واقعاً .
كما أنّه لا خصوصية لنفي الدعوى في التفريع ، بل كلّ ما يترتّب على دعواه فلا يجوز بيعه أيضاً ، كما أنّ المراد من إقامة البيّنة هي الإقامة قبل حلف المنكر ، وإلاّ فلا تصل النوبة إلى الحلف ، كما تقدّم(4) .
- (1) الكافي: 7 / 414 ح1 ، التهذيب: 6 / 229 ح552 ، الوسائل: 27 / 232 ، أبواب كيفية الحكم ب2 ح1 .
- (2) الكافي: 7 / 418 ح2 ، التهذيب: 6 / 231 ح566 ، الوسائل: 27 / 246 ، أبواب كيفية الحكم ب10 ح1 .
- (3) الكافي: 7 / 417 ح1 ، التهذيب: 6 / 231 ح565 ، الوسائل: 27 / 244 ، أبواب كيفية الحكم ب9 ح1 .
- (4) تقدّم في المسألة 11 من مسائل «القول في الجواب بالانكار» .
(الصفحة 382)
لكن في صحيحة أبي بكر الحضرمي المتقدّمة الدالّة على مشروعية المقاصة قال: قلت له: رجل لي عليه دراهم فجحدني وحلف عليها الخ(1) ، وظاهرها أنّ «حلف» بصيغة المبني للفاعل . وقد حملها السيّد في الملحقات على حلف الغريم من عنده ، أو باستحلاف المدّعي وحلفه دون تحليف الحاكم(2) .
إن قلت: إنّ السؤال فيها مطلق ، وترك الاستفصال في الجواب دليل الإطلاق .
قلت: لو سلّم ذلك ولم نقل بانصرافه عن الحلف عقيب استحلاف الحاكم لابدّ من حمل الإطلاق بقرينة الروايتين على ما إذا لم يكن هناك استحلاف من الغارم بتوسط الحاكم ، كما لا يخفى .
وهنا رواية ظاهرة في أنّه لو رضي المدّعي بحلف المدّعى عليه يكفي ذلك في عدم جواز المقاصّة ، وإن لم يكن في البين ترافع إلى الحاكم ، وهي رواية عبدالله بن وضّاح قال: كانت بيني وبين رجل من اليهود معاملة، فخانني بألف درهم ، فقدّمته إلى الوالي فأحلفته فحلف ، وقد علمت أنّه حلف يميناً فاجرة ، فوقع له بعد ذلك عندي أرباح ودراهم كثيرة ، فأردت أن أقتصّ الألف درهم التي كانت لي عنده وأحلف عليها ، فكتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) فأخبرته أنّي قد أحلفته فحلف ، وقد وقع له عندي مال فإن أمرتني أن آخذ منه الألف درهم التي حلف عليها فعلت . فكتب: لا تأخذ منه شيئاً إن كان ظلمك فلا تظلمه ، ولولا أنّك رضيت بيمينه فحلّفته لأمرتك أن تأخذ من تحت يدك ، ولكنّك رضيت بيمينه وقد ذهبت اليمين بما فيها ، فلم آخذ منه شيئاً ، وانتهيت إلى كتاب أبي الحسن (عليه السلام)(3) .
- (1) في ص348 .
- (2) ملحقات العروة الوثقى: 3 / 216 .
- (3) الكافي: 7 / 430 ح14 ، التهذيب: 6 / 289 ح802 ، الوسائل: 27 / 246 ، أبواب كيفية الحكم ب10 ح2 .