(الصفحة 243)مسألة 14: يستحب للقاضي وعظ الحالف قبله ، وترغيبه في ترك اليمين إجلالا لله تعالى ولو كان صادقاً ، واخافه من عذاب الله تعالى إن حلف كاذباً ، وقد روي أنّه: «من حلف بالله كاذباً كفر»، وفي بعض الروايات: «من حلف على يمين وهو يعلم أنّه كاذب فقد بارز الله»، و«أنّ اليمين الكاذبة تدع الدّيار بلاقع من أهلها»1.
المقذوف على عدم الزنا; ليثبت الحدّ على القاذف ، وإذا لم يحلف المقذوف بل ردّ اليمين على القاذف فحلف ، لم يثبت حدّ الزنا في حقّه .
هذا ، ولكن الأقوى ما عليه الأكثر; لأنّه مضافاً إلى أنّ المستفاد من مذاق الشرع في باب الحدود تغليب حقّ الله ، كما يستفاد من مثل قوله (صلى الله عليه وآله): «ادرأوا الحدود بالشبهات» الخ يكون مقتضى قوله (عليه السلام): «لا يمين في حدّ»(1) الوارد في روايات كثيرة الشمول للمقام ، وعدم الاختصاص بحدّ الله المحض ، فالأقوى ما في المتن تبعاً للأكثر .
ثانيهما: ما إذا كان مركّباً من حقّ الله وحقّ الناس ، كالسّرقة التي يجتمع فيها الحدّ الذي هو القطع مع شرائط مخصوصة ، وغرامة المال عيناً أو مثلا أو قيمة التي هي حقّ الناس . فبالنسبة إلى الأوّل لا يجزي فيه اليمين بخلاف الثاني ، ولا مانع من التبعيض كما لايخفى .
1 ـ الأصل في ذلك قوله تعالى:
{وَلاَ تَجْعَلُوا اللهَ عُرضَةً لاَِيْمَانِكُم}(2) وقد وقع
- (1) وسائل الشيعة: 28 / 46، أبواب مقدّمات الحدود ب24 ح1 و4 وج29 / 136، أبواب القصاص في النفس ب70 ح1 وص186، أبواب قصاص الطرف ب24 ح2.
- (2) سورة البقرة: 2 / 224 .
(الصفحة 244)
الاستشهاد به لترك اليمين وإن كان صادقاً ، ففي رواية أبي أيّوب الخزّاز قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: لا تحلفوا بالله صادقين ولا كاذبين، فإنّه عزّوجلّ يقول:
{وَلاَ تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لاَِيْمَانِكُمْ}(1) ، والنّهي محمول على الكراهة في الحلف الصادق ، ومنشأه إجلال الله تبارك وتعالى ، وعدم جعله وسيلة للحطام الدنيوي والمتاع القليل الذي هو متاع الدنيا .
وفي رواية السكوني، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أجلّ الله أن يحلف به أعطاه الله خيراً ممّا ذهب منه(2) .
وفي رواية عن أبي جعفر (عليه السلام): إنّ علي بن الحسين (عليهما السلام) لمّا طلق بعض أزواجه وقد أعطاها المهر قبلا ، واستعدت إلى أمير المدينة . فقال له الأمير: يا عليّ إمّا أن تحلف وإمّا أن تعطيها. فقال لي: يا بنيّ قم فأعطها أربعمائة دينار . فقلت له: يا أبة جعلت فداك ألست محقّاً؟! قال: بلى يا بنيّ ولكنّي أجللت الله أن أحلف به يمين صبر(3) .
وأمّا الحلف كاذباً فقد ورد في بعض الروايات أنّه كفر ، ففي رواية أبي سلام المتعبّد ، أنّه سمع أبا عبدالله (عليه السلام) يقول لسدير: يا سدير من حلف بالله كاذباً كفر ، ومن حلف بالله صادقاً أثم، إنّ الله عزّوجلّ يقول:
{وَلاَ تَجْعَلُوا اللهَ عُرضَةً لاِيمانِكُم}(4) .
وفي بعض الروايات أنّه قد بارز الله ، ففي رواية يعقوب الأحمر قال: قال أبو
- (1) الكافي: 7 / 434 ح1 ، التهذيب: 8 / 282 ح1033 ، الوسائل: 23 / 198 ، كتاب الأيمان ب1 ح5 .
- (2) الكافي: 7 / 434 ح2 ، الفقيه: 3 / 233 ح1096 ، التهذيب: 8 / 282 ح1034 ، الوسائل: 23 / 198 ، كتاب الأيمان ب1 ح3 .
- (3) الكافي: 7 / 435 ح5 ، التهذيب: 8 / 283 ح1036 ، الوسائل: 23 / 200 ، كتاب الأيمان ب2 ح1 .
- (4) الكافي: 7 / 434 ح4 ، الفقيه: 3 / 234 ح1108 ، التهذيب: 8 / 282 ح1035 ، الوسائل: 23 / 198 ، كتاب الأيمان ب1 ح6 .
(الصفحة 245)
عبدالله (عليه السلام): من حلف على يمين وهو يعلم أنّه كاذب فقد بارز الله(1) .
وفي بعض الروايات أنّ اليمين الكاذبة تذر الديار بلاقع من أهلها ، ففي رواية أبي عبيدة الحذاء، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إنّ في كتاب علي (عليه السلام): إنّ اليمين الكاذبة وقطيعة الرحم تذران الديار بلاقع من أهلها ، وتثقل(2) الرحم ، يعني انقطاع النسل(3) .
والمراد من البلاقع التي هي جمع بلقع هو الخلوّ من الأهل ، كأرض قفر لا شيء فيها . ووجّهه بعضُ محشّي الوسائل بأنّ عمران البلاد بتعاون الناس في حوائجهم وضرورياتهم وتعاضدهم في معايشهم ، وهذا غير ممكن بين اُناس خونة لا يعتمد أحد منهم على الآخر ، والحلف الكاذب يمنع الاعتماد والتعاون ، وفي ذلك هلاك العمران . ويحتمل أن يكون أثراً وضعيّاً للحلف الكاذب ، كما رأيناه بالوجدان من محو بعض الرساتيق لعلّة تحوّل الأرض بحيث لا يكون منها أثر أصلا . ويجري الوجهان من مقتضى القاعدة ومن الفعل الإلهي الخارج عن العادة فيما بيّنه الله تعالى بعد الأمر بانكاح الأيامى والصالحين من العباد والاماء بقوله:
{إن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغنِهِمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}(4) ، والوجهان ظاهران، فتدبّر جيّداً .
- (1) الكافي: 7 / 435 ح1 ، عقاب الأعمال: 269 ح1 ، المحاسن: 1 / 211 ح378 ، الوسائل: 23 / 203 ، كتاب الأيمان ب4 ح4 .
- (2) في الكافي: تنغل بدل تثقل ، ونغل الجرح: فسد (القاموس المحيط) .
- (3) الكافي: 7 / 436 ح9 ، عقاب الأعمال: 270 ح8 ، الوسائل: 23 / 202 ، كتاب الأيمان ب4 ح1 .
- (4) سورة النور 24: 32 .
(الصفحة 246)
(الصفحة 247)
القول في أحكام اليد
مسألة 1: كلّ ما كان تحت استيلاء شخص وفي يده بنحو من الأنحاء فهو محكوم بملكيته وأنّه له ، سواء كان من الأعيان أو المنافع أو الحقوق أو غيرها ، فلو كان في يده مزرعة موقوفة ويدّعي أنّه المتولّي يحكم بكونه كذلك ، ولا يشترط في دلالة اليد على الملكية ونحوها التصرّفات الموقوفة على الملك ـ فلو كان شيء في يده يحكم بأنّه ملكه ، ولو لم يتصرّف فيه فعلا ـ ولا دعوى ذي اليد الملكية ، ولو كان في يده شيء فمات ولم يعلم أنّه له ولم يسمع منه دعوى الملكية يحكم بأنّه له وهو لوارثه ، نعم يشترط عدم اعترافه بعدمها ، بل الظاهر الحكم بملكية ما في يده ولو لم يعلم أنّه له ، فإن اعترف بأنّي لا أعلم أنّ ما في يدي لي أم لا ، يحكم بكونه له بالنسبة إلى نفسه وغيره1.
1 ـ يقع الكلام في هذه المسألة في أمور:
الأمر الأوّل: في المراد من اليد التي هي عبارة عن الجارحة المخصوصة في مقابل الرجل ، والمراد منها معناه الكنائي ، وهو الاستيلاء الواقعي والسلطة الخارجيّة المختلف بحسب الأشياء والأشخاص ، فالاستيلاء على الخاتم إنّما هو بكونه في