(الصفحة 444)
والموادّة كثيرة شديدة ، ولا خلاف فيه بيننا بل الإجماع عليه(1) ، مضافاً إلى أنّ القبول لا يحتاج إلى الدليل; لأنّ المانع هي التهمة العرفية ، وقد عرفت أنّه لا دليل على مانعيتها مطلقاً مع ثبوت العدالة المانعة عن التسامح في مقام الشهادة ، خلافاً لمالك(2) وبعض الشافعية(3) ، فردّها مع الملاطفة ، وضعفه ظاهر .
الثاني : أنّه تقبل شهادة الضيف وإن كان له ميل إلى المشهود له ، بلا خلاف فيه بيننا(4) ، ويدلّ عليه ـ مع أنّ القبول لا يحتاج إلى الدليل كما عرفت ـ موثقة أبي بصير ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : لا بأس بشهادة الضيف إذا كان عفيفاً صائناً . قال : ويكره شهادة الأجير لصاحبه ، ولا بأس بشهادته لغيره ، ولا بأس به له بعد مفارقته(5) .
الثالث : قبول شهادة الأجير لمن آجره وعدمه ، وفيه قولان ، فالمشهور بين المتأخّرين بل في محكيّ المسالك(6) نسبته إليهم هو القبول ، والمحكي عن أكثر المتقدّمين كالصدوقين(7) والشيخ في بعض كتبه(8) والحلبي (9) والقاضي(10) وبني حمزة
- (1) راجع جواهر الكلام : 41 / 80 .
- (2) المدوّنة الكبرى : 5 / 156 ، المغني لابن قدامة : 12 / 70 ، الخلاف : 6/299 مسألة 48 .
- (3) نسب إليهم الشهيد الثاني في مسالك الأفهام : 14 / 199 ، ولكن لم ينقل هذا الخلاف عن الشافعية في كتب العامّة ، راجع الحاوي الكبير : 21 / 175 ، المغني لابن قدامة : 12 / 70 ، العزيز شرح الوجيز : 13 /30 .
- (4) راجع مسالك الأفهام : 14 / 200 .
- (5) وسائل الشيعة : 27 / 372 ، كتاب الشهادات ب29 ح3 .
- (6) مسالك الأفهام : 14 / 200 .
- (7) المقنع : 398 ، الهداية : 75 ، وحكاه عن الصدوقين العلاّمة في مختلف الشيعة : 9/501 مسألة 78 .
- (8) النهاية : 325 .
- (9) الكافي في الفقه : 436 .
- (10) المهذّب : 2 / 558 .
(الصفحة 445)
وزهرة(1) عدم القبول ، واستقرب في المتن هذا القول .
ويدلّ على الأوّل ـ مضافاً إلى أنّ الجواز لا يحتاج إلى إقامة الدليل عليه ـ الموثقة المتقدّمة في الفرع الثاني بناء على إرادة المعنى المصطلح من الكراهة المذكورة فيها .
ويدلّ على القول الثاني الروايات المستفيضة :
منها : موثقة سماعة قال : سألته عمّا يردّ من الشهود؟ قال : المريب ، والخصم ، والشريك ، ودافع مغرم ، والأجير ، والعبد ، والتابع ، والمتهم ، كلّ هؤلاء تردّ شهاداتهم(2) .
ومثلها مرسلة الفقيه ، وإن كانت مشتملة على عدم قبول شهادة شارب الخمر ، واللاعب بالشطرنج والنرد ، والمقامر(3) ، ورواية العلاء بن سيابة ، عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال : كان أمير المؤمنين(عليه السلام) لا يجيز شهادة الأجير(4) .
ومنها : مرسلة الصدوق في معاني الأخبار المعتبرة المتقدّمة ، المشتملة على عدم قبول شهادة جماعة ، منهم : القانع مع أهل البيت ، مع تفسير الصدوق بأنّ المراد به رجل يكون مع قوم في حاشيتهم ، كالخادم لهم والتابع والأجير(5) .
ومنها : صحيحة صفوان ، عن أبي الحسن(عليه السلام) قال : سألته عن رجل أشهد أجيره على شهادة ثم فارقه ، أتجوز شهادته له بعد أن يفارقه؟ قال : نعم ، وكذلك
- (1) الوسيلة : 230 ، غنية النزوع : 440 .
- (2) وسائل الشيعة : 27 / 378 ، كتاب الشهادات ب32 ح3 .
- (3) وسائل الشيعة : 27 / 379 ، كتاب الشهادات ب32 ح7 .
- (4) وسائل الشيعة : 27 / 372 ، كتاب الشهادات ب29 ح2 .
- (5) تقدّمت في ص431.
(الصفحة 446)
العبد إذا اُعتق جازت شهادته(1) .
هذا ، ومقتضى الجمع الدلالي العرفي بين هذه الروايات ـ مع كثرتها ووجود الصحيحة والموثقة أو كالصحيحة فيها مع موثقة أبي بصير المتقدّمة المشتملة على لفظ الكراهة ـ حمل الكراهة فيها على غير المعنى المصطلح وغير المنافية مع الحرمة ، كما أنّه ربما تستعمل الكراهة في هذا المعنى كثيراً ، وبذلك يتحقّق الخروج عن عنوان المتعارضين الذي هو الموضوع في الأخبار العلاجيّة ، ولا مجال لاحتمال العكس بأن تجعل الكراهة في الموثقة قرينة على عدم إرادة الحرمة من الروايات الدالة على المنع; لأنّه مضافاً إلى عدم موافقة العرف مع ذلك ـ وإلى أنّ الكراهة الاصطلاحية لا معنى لأن تستعمل في الحكم الوضعي الذي هو المقصود في المقام من نفوذ شهادة الأجير وعدمه ، بل لابدّ أن يكون متعلّقها فعل المكلّف من الاشهاد أو تحمّل الشهادة أو إقامتها كما لا يخفى ، فلابدّ أن يكون المراد بها هي الحرمة الوضعية الراجعة إلى عدم القبول ـ تكون الأخبار الناهية مشتملة على من لا تقبل شهادته قطعاً .
ودعوى أنّه لا مانع من الحمل على الكراهة بالمعنى الأعمّ من الحرمة والكراهة مدفوعة ، بأنّه وان كان يمكن ذلك بالإضافة إلى صيغة النهي ، إلاّ أنّ التعبير في كثيرها بما يردّ من الشهود ، وذكر بعض من يردّ مسلّماً مانع عن ذلك ، فالإنصاف يقتضي ما أفاده في المتن من القول بالمنع ، كما لايخفى .
ثمّ إنّه ربما يستشكل في بعض الروايات المانعة كالموثقة والمرسلة ، وكذا تفسير الصدوق بالإضافة إلى مرسلة معاني الأخبار بالاشتمال على التابع قبل الأجير أو
- (1) وسائل الشيعة : 27 / 371 ، كتاب الشهادات ب29 ح1 .
(الصفحة 447)
بعده ، مع أنّه لا قائل معتدّ به بأنّه لا تقبل شهادة التابع ، كما أفاده في الجواهر قال : وبذلك تضعف دلالة الخبرين المزبورين; لكون المراد بالردّ فيهما حينئذ الأعمّ من الردّ الواجب والمرجوح ، بل قد يقوّى بقرينة خبر أبي بصير المنجبر بفتوى المتأخرين تعيين إرادة الردّ الكراهي بالمعنى الذي ذكرناه(1) .
ويرد عليه ـ مضافاً إلى ما عرفت من أنّ الكراهة الاصطلاحية لا معنى لها في الأحكام الوضعية المردّدة بين الوجود والعدم ـ أنّ عدم وجود القائل المعتدّ به بعدم قبول شهادة التابع على فرض تحقّق الشهرة وثبوتها لا يوجب إلاّ الإعراض عن خصوص هذا الحكم ، ولا يقتضي الاعراض عن الجميع ، والظاهر أنّ في تعارض الشهرتين القدماء والمتأخّرين يكون الترجيح مع الأوّل ، كما حقّق في محلّه ، وإن كان يظهر من الجواهر الثاني .
ثم إنّ الظاهر أنّ المراد بالأجير ـ بعد كونه عنواناً غير المستأجر ـ هو الأجير الخاصّ الذي استؤجر بجميع منافعه في مدّة معينة ، ولا أقلّ بمنفعته الخاصة في تلك المدّة ، وأمّا الأجير لعمل مخصوص كالخياطة والقصارة فلا منع فيه ، وإلاّ يلزم المحذور في كثير من الموارد سيّما إذا لم يعتبر فيه المباشرة ، بل كان المستأجر عليه العمل الكلّي في الذمة ، مع أنّ التعبير بالمفارقة كما في بعض الروايات لا يناسب مطلق الأجير ، وأنّ جعل الأجير من مصاديق القانع مع أهل البيت ، وعطفه على التابع والخادم في مرسلة الصدوق المعتبرة المتقدّمة يؤيّد هذا المعنى ، كما لايخفى .
ثم إنّ الظاهر أيضاً أنّ المراد هو الأجير في حال اداء الشهادة وإقامتها ، وامّا
- (1) جواهر الكلام : 41 / 85 ـ 86 .
(الصفحة 448)مسألة 7 ـ من لا يجوز شهادته لصغر أو فسق أو كفر إذا عرف شيئاً في تلك الحال ثم زال المانع و استكمل الشروط فأقام تلك الشهادة تقبل ، و كذا لو أقامها في حال المانع فردّت ثم أعادها بعد زواله ، من غير فرق بين الفسق و الكفر الظاهرين و غيرهما.1
الأجير حال التحمّل المؤدّي في حال عدم كونه أجيراً فالظاهر أنّه لا منع فيه ، ويدلّ عليه الصحيحة المتقدّمة الدالّة على الجواز بعد أن يفارقه ، كما لايخفى .
1 ـ وقع التعرّض في هذه المسألة لأمرين :
أحدهما : انّ الصفات المعتبرة في الشاهد المتقدمة كالبلوغ والايمان والعدالة انّما يعتبر فيه في حال إقامته الشهادة وادائها ، سواء كانت موجودة في حال التحمّل أيضاً أم لم تكن موجودة في تلك الحال ، فلو تحمّل في حال وجود المانع وزال المانع في حال الإقامة تكون شهادته مقبولة ، وذلك لأنّ ظاهر أدلّة اعتبار تلك الصفات اعتبارها عند الإقامة ، ومقتضى إطلاقها أنّه لا فرق بين الوجود حال التحمّل أيضاً وبين عدمه ، مضافاً إلى خصوص ما ورد من ذلك في الصغير والكافر وغيرهما .
مثل صحيحة صفوان بن يحيى ، أنّه سأل أبا الحسن(عليه السلام)عن رجل أشهد أجيره على شهادة ثم فارقه ، أتجوز شهادته بعد أن يفارقه؟ قال : نعم . قلت : فيهوديٌّ أشهد على شهادة ثم أسلم أتجوز شهادته؟ قال : نعم(1) ، وغيرها من الروايات التي ادّعيت استفاضتها بل تواترها(2) ، نعم في صحيحة جميل قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن نصرانيّ أشهد على شهادة ثم أسلم بعد أتجوز شهادته؟ قال : لا(3) . وقال
- (1) وسائل الشيعة : 27 / 387 ، كتاب الشهادات ب39 ح2 .
- (2) راجع جواهر الكلام : 41 / 86 .
- (3) وسائل الشيعة: 27 / 389، كتاب الشهادات ب39 ح7 .