(الصفحة 399)الثالث : الايمان ، فلا تقبل شهادة غير المؤمن فضلا عن غير المسلم مطلقا على مؤمن أو غيره أو لهما . نعم تقبل شهادة الذمي العدل في دينه في الوصية بالمال إذا لم يوجد من عدول المسلمين من يشهد بها ، ولا يعتبر كون الموصي في غربة ، فلو كان في وطنه ولم يوجد عدول المسلمين تقبل شهادة الذمّي فيها ، ولا يلحق بالذمّي الفاسق من أهل الايمان ، وهل يلحق به المسلم غير المؤمن إذا كان عدلا في مذهبه؟ لا يبعد ذلك . وتقبل شهادة المؤمن الجامع للشرائط على جميع الناس من جميع الملل ، ولا تقبل شهادة الحربي مطلقا . وهل
الحاكم حتى يستثبت ما يشهدون به ـ مَن غلب عليه السهو والنسيان ، وكذا المغفل الذي في جبلته البله ، بحيث ربما استغلط لعدم تفطنه لمزايا الاُمور وخصوصيات الوقائع والحوادث ، والوجه فيه ما ذكرنا من عدم جريان أصالة عدم الخطأ والاشتباه بالإضافة إلى مثل هذه الأشخاص ، فلابدّ للحاكم الاستظهار للاستثبات ، ومع ذلك فقد فرّع عليه أنّ اللازم الاعراض عن شهادتهم إلاّ في الاُمور الجلية التي لا تخفى على مثلهم أيضاً ، فالتفريع المذكور لابدّ وأن يكون لأجل صعوبة الاستظهار المذكور ، وإلاّ فلا وجه مع الاقتصار في قبول الشهادة على الاُمور الجلية المذكورة للزوم الاستظهار ، ولذا عبّر المحقّق في الشرائع بأنّ الأولى الاعراض عن شهادته ما لم يكن الأمر الجليّ ، إلى آخر كلامه(1) .
فالانصاف عدم ملائمة ما أفاده قبل التفريع مع ما فرّعه عليه ، وما في الشرائع أولى .
- (1) شرائع الإسلام : 4 / 911 .
(الصفحة 400)تقبل شهادة كل ملّة على ملّتهم؟ به رواية ، وعمل بها الشيخ (قدس سره)1
.
1 ـ لا خلاف في اعتبار الايمان الذي هو أخصّ من الإسلام ، بل ادّعي عليه الاجماع في كلمات غير واحد(1) ، بل في الجواهر : أنّ ذلك لعلّه من ضروري المذهب(2) ، ولكنّه أورد عليه بعض الأعلام(قدس سره) بأنّه إن تم الاجماع فهو وإلاّ ففي اطلاق الحكم إشكال ، فانّ غير المؤمن إذا كان مقصّراً فيما اختاره من المذهب فلا إشكال في أنّه فاسق أشدّ الفسق ، وتارك لأهمّ الواجبات الإلهية بغير عذر ، فلا يكون خيِّراً ومرضياً وعادلا كي تقبل شهادته ، بل هو مخزيّ في دينه ، ففي معتبرة السكوني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) كان لا يقبل شهادة فحّاش ولا ذي مخزية في الدين(3). وقريب منها روايته الثانية(4) .
وامّاإذاكان قاصراًكماإذاكان مستضعفاًفمقتضى إطلاق عدّة روايات قبول شهادته.
منها : صحيحة محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : لو كان الأمر إلينا لأجزنا شهادة الرجل إذا علم منه خير مع يمين الخصم في حقوق الناس(5) .
ومنها : صحيحته الاُخرى قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الذمّي والعبد يشهدان على شهادة ، ثم يسلم الذمي ويعتق العبد أتجوز شهادتهما على ما كانا أشهدا عليه؟ قال : نعم إذا علم منهما بعد ذلك خير جازت شهادتهما .(6)(7)
- (1) كالفاضل المقداد في التنقيح الرائع : 4 / 287 ، والصيمري في غاية المرام : 4 / 275 ، والشهيد الثاني في مسالك الأفهام : 14 / 160 .
- (2) جواهر الكلام : 41 / 16 .
- (3 ، 4) وسائل الشيعة : 27 / 377 ، 378 ، كتاب الشهادات ب32 ح1 و5.
- (6) وسائل الشيعة : 27 / 394 ، كتاب الشهادات ب41 ح8 .
- (7) وسائل الشيعة : 27 / 387 ، كتاب الشهادات ب39 ح1 .
- (8) مباني تكملة المنهاج : 1 / 80 ـ 81 .
(الصفحة 401)
ويرد عليه أنّ الظاهر يكون المراد من الصحيحة الاُولى الردّ على العامة غير القائلين بقبول شهادة الشيعة وان كانوا في أعلى مراتب العدالة ، وإلاّ فشهادة غير المؤمن مقبولة عندهم ، وكان الغرض أنّه لم لا تقبل شهادة الشيعة إذا علم منهم خير ، ولو كان الأمر إلينا لأجزنا شهادتهم . ويمكن أن يكون المراد الاكتفاء بشاهد ويمين في مطلق حقوق الناس ، وعليه فالمراد بالرجل هو الرجل الواحد ، وعلى هذا فلا دلالة لها على ما يعتبر في الشاهد ، وظاهر الصحيحة الثانية عدم قبول شهادة العبد المملوك قبل اعتاقه ، مع انّك عرفت في بحث اعتبار البلوغ عدم كون المملوكية مانعة عن قبول الشهادة ، وظاهرها أنّ العبد لا يتّصف بالعدالة ما دام كونه عبداً ، مع أنّ العبودية لا تمنع عن العدالة بوجه .
فالانصاف أنّه لا فرق بين الطائفتين المذكورتين في عدم قبول شهادتهم على المؤمن أو له ، ويؤيّده بل يدلّ عليه عدم ثبوت العدالة الحقيقية إلاّ للمؤمن ولا توجد في غيره ، قال الله تعالى في سورة الطلاق :
{وَأَشهِدُوا ذَوَي عَدل مِنكُم}(1) ، غاية الأمر وجوب الإشهاد في باب الطلاق وعدم وجوبه في غيره ، وامّا من جهة صفات الشهود فلا فرق بين المقامين ، لكنّ الذي يشكل الأمر أنّه لو كان اعتبار العدالة التي هي وصف رابع من صفات الشهود كافياً عن اعتبار البلوغ والعقل والايمان لكان اللازم الاقتصار عليه لا ذكرها بعنوان وصف غيرها ، بل بعنوان وصف رابع ، فتدبّر جيّداً .
ثم إنّ هنا بعض الروايات التي يتوهم منها قبول شهادة الناصب فضلا عن غيره من المخالفين ، مثل صحيحة عبدالله بن المغيرة قال : قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام) :
(الصفحة 402)
رجل طلّق امرأته وأشهد شاهدين ناصبيّين ، قال : كلّ من ولد على الفطرة وعرف بالصّلاح في نفسه جازت شهادته(1) . ومثلها صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر في باب الطلاق(2) .
ويرد عليهما ـ مضافاً إلى مخالفتهما لظاهر الكتاب في باب الطلاق ـ أنّ العدول عن الجواب بنعم أو لا والجواب بما ذكر جمع بين التقية وبيان الواقع ، خصوصاً أنّ المسلم المولود على فطرة الإسلام لا يكون ناصبياً; لأنّ الناصب كافر وان انتحل الإسلام ، بل الإسلام الواقعي هو الإسلام المبيّن في مدرسة أهل البيت عليهم الصلاة والسّلام .
وكيف كان فقد ذكر صاحب الجواهر(قدس سره) : أنّه لا يمكن احصاء وجوه الدلالة في النصوص على عدم قبول شهادتهم ، منها : اطلاق الكفر ، ومنها : الفسق ، ومنها : الظلم ، ومنها : كونهم غير رشدة ، ومنها : ردّ شهادة الفحاش وذي المخزية في الدين ، ومنها : ممن ترضون دينه وأمانته ، ومنها : اعتبار العدالة التي قد ذكر في النصوص ما هو كالصريح في عدم تحقّقها في مخالفي العقيدة ، إلى غير ذلك من النصوص(3) .
وبعد ملاحظة ما ذكرنا لا ينبغي الارتياب في عدم قبول شهادة غير المؤمن على المؤمن أو له في الجملة ، الذي هو الأساس في اعتبار هذا الأمر ، خصوصاً مع أنّ التعليل في مثل مقبولة ابن حنظلة(4) من الروايات الواردة في علاج المتعارضين المشتملة على الترجيح بمخالفتهم بأنّ الرشد في خلافهم يظهر منه أنّ جنس الرشد
- (1) وسائل الشيعة : 27 / 393 ، كتاب الشهادات ب41 ح5 .
- (2) وسائل الشيعة : 22 / 26 ، أبواب مقدّمات الطلاق ب10 ح4 .
- (3) جواهر الكلام : 41 / 17 .
- (4) وسائل الشيعة : 27 / 106 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ب9 ح1 .
(الصفحة 403)
وطبيعته في خلافهم ، فلا يجوز للحاكم الاعتماد على شهادتهم للوصول إلى الواقع . ودعوى أنّ الشاهد لا دخل له في الرشد واضحة البطلان ، فكون الرشد في خلافهم لا يجتمع مع قبول شهادتهم بوجه .
بقي في هذا الشرط الثالث أمران :
الأمر الأول : أنّه تقبل شهادة الذمّي العدل في دينه في خصوص الوصية بالمال إذا لم يوجد عدول المسلمين لأنْ يشهدوا; والأصل في هذا الأمر قوله تعالى :
{يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُم إذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ حِينَ الوَصِيَّةِ اثنَانِ ذَوَا عَدل مِنْكُم أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُم إنْ أَنتُم ضَرَبتُم فِي الأَرضِ فَأَصَابَتكُم مُصِيبَةُ المَوتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعدِ الصَّلاةِ فَيُقسِمانِ بِاللهِ اِن ارتَبتُم لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَو كَانَ ذَا قُربَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللهِ اِنّا إذاً لَمِنَ الآثِمِينَ}(1) والروايات الواردة في هذا المجال كثيرة :
منها : صحيحة عبيدالله بن علي الحلبي قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) هل تجوز شهادة أهل الذمّة على غير أهل ملّتهم؟ قال : نعم إن لم يوجد من أهل ملّتهم جازت شهادة غيرهم ، إنّه لا يصلح ذهاب حقّ أحد (2) .
ومنها : مضمرة أحمد بن عمر الصحيحة قال : سألته عن قول الله عزّوجلّ :
{ذَوَا عَدل مِنكُم أَو آخَرَان مِن غَيركُم} قال : اللذان منكم مسلمان واللذان من غيركم من أهل الكتاب ، فإن لم يجد من أهل الكتاب فمن المجوس; لأنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله)قال : سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب ، وذلك إذا مات الرجل بأرض غربة فلم يجد مسلمين
- (1) المائدة 5 : 106 .
- (2) وسائل الشيعة : 27 / 389 ، كتاب الشهادات ب40 ح1 .