(الصفحة 152)مسألة 18 : لو تبيّن فسق الشاهدين أو أحدهما حال الشهادة انتقض الحكم ، وإن كان طارئاً بعد الحكم لم ينتقض ، وكذا لو تبيّن فسقهما بعد الشهادة وقبل الحكم على الأشبه1.
1 ـ لا شبهة في اعتبار العدالة في الشاهدين ، وهل العدالة المعتبرة إنّما هي بنحو الشرط العلمي نحو العدالة في إمام الجماعة ، أو الواقعي كما في الشاهدين في باب الطلاق؟ يظهر من صاحب الجواهر : أنّه لولا اتّفاق كلمة الأصحاب ظاهراً ، وأصالة الواقعيّة في الشرائط ، ولو كانت مستفادة من قوله تعالى :
{وَأَشْهِدُوا ذَوي عَدل مِنكُم}(1) لأمكن أن يدّعى أنّ الشرط علميّ; لاطلاق ما دلّ على نفوذ الحكم وعدم جواز ردّه ، إذا كان على نحو قضائهم (عليهم السلام) ، وعلى حسب الموازين التي نصبوها لذلك ، ولا دليل على اشتراط أزيد من ذلك حتّى قوله تعالى المذكور; لأنّ المراد منه ذوي عدل عندكم ، لا أقل من الشكّ ، فيبقى ما دلّ على نفوذ الحكم بحاله ، إلاّ أن يقال بالفرق بين ما هنا وبين الجماعة ، بأنّ المدار هناك على الصلاة خلف من تثق بعدالته ، كما في النص ، بخلاف المقام المعتبر كونه عدلا(2) . وكيف كان فبناءً على اعتبار العدالة الواقعيّة يكون في المسألة صور ثلاث :
الاُولى : ما إذا تبيّن فسق الشاهدين أو أحدهما حال الشهادة ، وفي هذه الصورة لاشكّ في انتقاض الحكم بنفسه وصيرورته كالعدم; لأنّ الحكم كان مستنداً إلى شهادتهما ، والمفروض تبيّن الفسق للحاكم الرافع للخصومة ، فكأنّه لم يصدر منه حكم أصلا .
- (1) سورة الطلاق : 65 / 2 .
- (2) جواهر الكلام : 40 / 113 ـ 114 .
(الصفحة 153)
الثانية : تبيّن ذلك بعد الحكم الصادر من الحاكم بمعنى عروض الفسق بعده ، وفي هذه الصورة لا مجال للانتقاض بوجه بعد إمكان زوال العدالة وعروض الفسق ، وكون العدالة المعتبرة إنّما هي بالإضافة إلى الحكم الثابت قبله ، واحتمال عروض الفسق نظير الكفر بعد الإيمان ، بل الحالات الخمسة الواقعيّة المحكيّة بقوله تعالى :
{إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفراً}(1) .
وبالجملة : لا شبهة في عدم الانتقاض في هذه الصورة بعد جامعيّة الحكم لجميع الشرائط ، كما لايخفى .
الثالثة : ما إذا تبيّن الفسق بعد الإقامة وقبل حكم الحاكم ، وبعبارة اُخرى عرض الفسق في الزمان الفاصل بين الأمرين ، وقد وقع الخلاف في الانتقاض وعدمه بمعنى جواز الحكم وعدمه ، قال المحقّق (قدس سره) في كتاب الشهادات من الشرائع : لو شهدا ثمّ فسقا قبل الحكم حكم بهما; لأنّ المعتبر بالعدالة عند الإقامة(2) ، وفاقاً للمحكيّ عن الحلّي وأحد قولي الشيخ والفاضل(3) ، وخلافاً للمحكي عن الشيخ أيضاً في القول الآخر والفاضل في المختلف والشهيدين وجماعة(4) .
هذا ، ويظهر الميل إليه من صاحب الجواهر(5) ، وما قيل في ترجيح هذا القول عبارة عن أنّه لم ينقل الخلاف من أحد في أنّه لو طرأ فسق شاهد الأصل قبل الحكم
- (1) سورة النساء 4 : 137 .
- (2) شرائع الإسلام : 4 / 927 .
- (3) السرائر : 2 / 179 ، الخلاف : 6 / 320 مسألة 73 ، المبسوط : 8 / 244 ، قواعد الأحكام : 2 / 247 ، إرشاد الاذهان : 168 .
- (4) المبسوط : 8 / 233 ، تحرير الأحكام : 2 / 215 ، المختلف : 8 / 546 مسألة 106 ، الدروس الشرعيّة : 2 / 133 ، مسالك الأفهام : 14 / 295 ، الجامع للشرائع : 546 ، شرائع الإسلام : 4 / 924 .
- (5) جواهر الكلام : 41 / 219 .
(الصفحة 154)
بشهادة الفرع لم يحكم; لأنّ الحكم مستند إلى شهادة الأصل ، ولا فرق بين المقامين ، بل ما نحن فيه أولى ، وصدق الحكم بشهادة الفاسق ، وكونه كما لو رجع عن الشهادة قبل الحكم ، وكما لو كان وارثاً ، ومات المشهود له قبل الحكم ، فإنّ المحكيّ عن المسالك اتّفاق الجميع على عدم جواز الحكم حينئذ ، وأنّ طروّ الفسق يضعف ظنّ العدالة السابقة; لبعد طروّه دفعة واحدة(1) . وإن أجاب عمّا عدا الأوّل صاحب الجواهر بالنقض بجريان مثل ذلك في الجنون ونحوه(2) .
هذا ، مع أنّ صدق الحكم بشهادة الفاسق مع فرض كونهما عادلين حال إقامة الشهادة ممنوع ، اللهمّ إلاّ أن يستفاد من الأدلّة والنصوص المستفيضة الدالّة على ردّ شهادة الفاسق ولو بالإطلاق لزوم ردّ شهادته مطلقاً ، ولو كان حال الإقامة عادلا واقعاً ، والظاهر عدم ثبوت الإطلاق لها من هذه الجهة ، بل مفادها ردّ شهادة الفاسق حال الإقامة ، سواء كان حال الحكم باقياً على العدالة أم لا ، وعليه فلا يكون فرق بين أن يكون زمان التبيّن قبل الحكم ، فيجوز مع طروّ الفسق في هذا الزمان ولو بالكفر مثلا ، أو يكون زمان التبيّن بعد الحكم ، فلا يتحقّق الانتقاض حينئذ ، كما هو المفروض في المتن بلحاظ التعبير بعدم الانتقاض ، الظاهر في أنّ زمان التبيّن إنّما هو بعد الحكم .
وكيف كان فالمسألة مع أنّها خلافيّة مشكلة جدّاً من مساعدة الاعتبار وتناسب الحكم والموضوع ، ولعلّ ظهور الأدلّة على أنّ الملاك والاعتبار بالعدالة حال الإقامة والأداء ، وأنّ طروّ الفسق بعدها لا دخالة له في ذلك أصلا ، وممّا ذكره
- (1) مسالك الأفهام : 14 / 281 ـ 282 .
- (2) جواهر الكلام : 41 / 206 ـ 207 و 218 .
(الصفحة 155)مسألة 19 : الظاهر كفاية الإطلاق في الجرح والتعديل ، ولا يعتبر ذكر السبب فيهما مع العلم بالأسباب ، وموافقة مذهبه لمذهب الحاكم ، بل لا يبعد الكفاية إلاّ مع العلم باختلاف مذهبهما ، ويكفي فيهما كلّ لفظ دالّ على الشهادة بهما ، ولا يشترط ضمّ مثل أنّه مقبول الشهادة أو مقبولها لي وعليّ ونحو ذلك في التعديل ، ولا مقابلاته في الجرح1.
في الجواهر مؤيّداً بالأصل .
هذا بالإضافة إلى حقّ الناس ، وأمّا بالنسبة إلى حقّ الله تعالى فقد ذكر المحقّق عقيب عبارته المتقدّمة : «ولو كان حقّاً لله تعالى كحدّ الزّناء لم يحكم; لأنّه مبنيّ على التخفيف ، ولأنّه نوع شبهة ، وفي الحكم بحدّ القذف والقصاص تردّد أشبهه الحكم لتعلّق حقّ الآدمي به» ، ويمكن الفرق بين حدّ القذف والقصاص بأنّ الأوّل مشمول لقوله (عليه السلام) : «ادرؤا الحدود بالشبهات»(1) بخلاف الثاني; لأنّه ليس بحدّ ، كما أنّه في مثل السّرقة يتحقّق الفرق بين القطع الذي هو مرتبط بالله تعالى ، وبين ردّ المال المسروق إلى المسروق منه; لكون الثاني حقّاً آدميّاً محضاً ، كما لايخفى .
1 ـ المشهور هي كفاية الإطلاق في العدالة ولزوم التفسير في الجرح(2) ، وعن ابن الجنيد لزوم التفسير فيهما(3) ، واختار الماتن (قدس سره) كفاية الإطلاق في الجرح
- (1) الفقيه : 4 / 53 ح90 ، المقنع : 437 ، الوسائل : 28 / 47 ، أبواب مقدّمات الحدود ب24 ح4 وص130 ، أبواب حدّ الزنا ب27 ح11 .
- (2) مسالك الأفهام : 13 / 406 ، مستند الشيعة : 2 / 647 ، المبسوط : 8 / 109 ، الخلاف : 6 / 220 مسألة 13 ، السرائر : 2 / 174 ، الوسيلة : 211 ، التحرير : 2 / 184 ، شرائع الإسلام : 4 / 868 .
- (3) مختلف الشيعة : 8 / 441 مسألة 42 عن ابن الجنيد .
(الصفحة 156)
والتعديل ، وهو الذي يظهر من صاحب الجواهر (قدس سره)(1) ، واستدلّ المشهور لعدم كفاية الإطلاق في الجرح بعدم العسر بذكره ، وبأنّه ربّما لا يكون جرحاً عند الحاكم المشهود عنده بخلاف تفصيل العدالة المحتاج إلى ذكر جميع الكبائر وغيره ممّا يتعذّر أو يتعسّر إحصاؤه . وربّما أشكل ذلك بأنّ الاختلاف في أسباب الفسق يقتضي الاختلاف في أسباب العدالة ، فإنّ الاختلاف مثلا في عدد الكبائر كما يوجب في بعضها ترتّب الفسق على فعله ، يوجبه في بعض آخر عدم قدحه في العدالة بدون الإصرار عليه ، فيزكّيه المزكّي مع علمه بفعل ما لا يقدح عنده فيها ، وهو قادح عند الحاكم .
وكيف كان ففي المسألة صور ثلاث :
إحداها : ما لو علم باتّفاق المذهبين في تفسير العدالة ، والأسباب الموجبة لها أو للفسق ، وفي هذه الصّورة لا وجه للزوم التفسير بوجه بالإضافة إلى العدالة والجرح كما لايخفى .
ثانيتها : ما لو لم يعلم الاتّفاق والخلاف بين بيّنة المزكّي أو الجارح وبين مذهب الحاكم ، ويظهر من المتن نفي البعد عن كفاية الإطلاق في هذه الصورة أيضاً ، ووجهه على ما يظهر من الجواهر ما هو المعلوم من طريقة الشرع من حمل عبارة الشاهد على الواقع ، وإن اختلف الاجتهاد في تشخيصه قال : ومن هنا لا يجب سؤاله عن سبب التملّك مع الشهادة به ، وكذا التطهير والتنجيس وغيرها ، وإن كانت هي أيضاً مختلفة في الاجتهاد ، بل يحمل قول الشاهد على الواقع ، كما يحمل فعله على الصحيح في نفس الأمر لا في حقّ الفاعل خاصّة ، وما العدالة والفسق إلاّ من هذا القبيل ،
- (1) جواهر الكلام : 40 / 116 .