(الصفحة 166)مسألة 27 : لا يشترط في قبول شهادة الشاهدين علم الحاكم باسمهما ونسبهما بعد إحراز مقبوليّة شهادتهما ، كما أنّه لو شهد جماعة يعلم الحاكم أنّ فيهم عدلين كفى في الحكم ، ولا يعتبر تشخيصهما بعينهما1.
مسألة 28 : لا يشترط في الحكم بالبيّنة ضمّ يمين المدّعي ، نعم يستثنى منه الدعوى على الميّت ، فيعتبر قيام البيّنة الشرعيّة مع اليمين الاستظهاري ، فإن أقام
فليعلم أنّه لا فرق في ذلك بين زيادة شهود الجرح على التعديل أو العكس وبين عدم الزيادة; لعدم كون الأكثريّة مرجّحة في باب تعارض الأمارتين بوجه ، كما أنّه لا فرق في باب الخبرين المتعارضين الموضوع للاخبار العلاجيّة من هذه الجهة . نعم إذا بلغ الأمر إلى حدّ الشهرة الفتوائيّة يكون ذلك أوّل المرجّحات ، كما قرّرناه في محلّه ، كما أنّه لا ينبغي أن يتوهّم أنّه إذا شهد اثنان بالجرح وشهد اثنان آخران بالعدالة ، ثمّ بعد مدّة مثلا شهد اثنان بالعدالة يقع التساقط بين الأوّلين ويبقى المعدّل الأخير بلا معارض ، فإنّه لا فرق في التعارض وحصول التساقط بين الصورتين أصلا ، فتدبّر جيّداً .
ومنه يعلم أنّه لا فرق في التساقط بين تقدّم بيّنة الجارح أوالعكس أوالشهادة معاً.
1 ـ وجه عدم الاشتراط بالإضافة إلى الاسم والنسب أنّ المعتبر هو إحراز مقبوليّة شهادتهما واقعاً أو تعبّداً لمثل البيّنة المعدّلة أو الشاهدة بحسن الظاهر أو الاستصحاب كما عرفت . وأمّا العلم بالاسم والنسب فلا دخالة له فيه بعد الإحراز المذكور ، كما أنّه لا فائدة فيه بعد عدم الإحراز . وأمّا وجه الكفاية في صورة العلم الإجمالي فهو ثبوت الملاك مع العلم المذكور ، وإن كان تشخيصهما بعينهما غير معلوم ، كما لايخفى .
(الصفحة 167)البيّنة ولم يحلف سقط حقّه . والأقوى عدم إلحاق الطفل والمجنون والغائب وأشباههم ممّن له نحو شباهة بالميّت في عدم إمكان الدفاع لهم به ، فتثبت الدعوى عليهم بالبيّنة من دون ضمّ يمين ، وهل ضمّ اليمين بالبيّنة منحصر بالدين أو يشمل غيره كالعين والمنفعة والحقّ؟ وجهان لا يخلو ثانيهما عن قرب ، نعم لا إشكال في لحوق العين المضمونة على الميّت إذا تلفت مضمونة عليه1.
1 ـ في هذه المسألة جهات من الكلام :
الجهة الاُولى : في أنّه لا يشترط في الحكم بالبيّنة ضمّ يمين المدّعي ، فإنّ مقتضى قوله (عليه السلام) : «البيّنة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه» ، كما عرفت في جملة من الروايات المتقدّمة(1) هو ثبوت البيّنة فقط على المدّعي واليمين كذلك على المدّعى عليه ، فكما أنّه لا تثبت البيّنة على المدّعى عليه ، كذلك لا تثبت اليمين على المدّعي ، ويدلّ على الحكم أيضاً الروايات الآتية الدالّة على خصوصيّة للدعوى على الميّت من هذه الجهة ، وأنّ اعتبار ضمّ اليمين لأجل هذه الخصوصيّة ، فانّ ظاهر مقتضاها بل صريحه عدم جريان الحكم بالانضمام في الدعوى على الحيّ ، وإن وقع الاحتمال في مثل الطفل والمجنون ، ويدلّ عليه أيضاً صحيحة محمد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجل يقيم البيّنة على حقّه ، هل عليه أن يستحلف؟ قال : لا(2) . ورواية أبي العباس ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا أقام الرجل البيّنة على حقّه فليس عليه يمين ، فإن لم يقم البيّنة ، فردّ عليه الذي ادّعى عليه اليمين ، فإن أبى أن يحلف
- (1) في ص121 ـ 122 .
- (2) التهذيب : 6 / 230 و231 ح558 و559 و564 ، الكافي : 7 / 417 ح1 ، الوسائل : 27 / 243 ، أبواب كيفيّة الحكم ب8 ح1 .
(الصفحة 168)
فلا حقّ له(1) .
نعم في حديث سلمة بن كهيل ، عن عليّ (عليه السلام) في آداب القضاء : وردّ اليمين على المدّعي مع بيّنته ، فإنّ ذلك أجلى للعمى وأثبت في القضاء(2) . لكن قال في الوسائل بعد نقله أقول : هذا يمكن حمله على الاستحباب مع قبول المدّعي اليمين; لتصريح الحديث الأوّل ـ يعني رواية محمد بن مسلم ـ وغيره بنفي الوجوب ، ويمكن حمله على الدعوى على الميّت لما مرّ ، ويحتمل الحمل على التّقية; لأنّه قول جماعة من العامّة ، ويؤيّد الاستحباب أنّ أكثر ما اشتمل عليه الحديث المذكور مستحب فعلا أو تركاً ، مع ما يفهم من التعليل وأفعل التفضيل . انتهى .
أقول : مع أنّ سلمة بن كهيل ضعيف كما صرّح به المحقّق في الشرائع في كتاب الديات(3) ، فلا ينبغي الإشكال في عدم لزوم الانضمام مطلقاً .
نعم قد عرفت البحث سابقاً في أنّ الدعوى على الغائب هل تحتاج البيّنة إلى ضمّ اليمين أم لا؟ وأنّه قد جعل الماتن (قدس سره) الاحتياط الوجوبي في ضمّ اليمين أيضاً ، فراجع(4) .
الجهة الثانية : في الدعوى على الميّت بحيث لا يكون في جانب المدّعى عليه غير الميّت أصلا ، وأفاد في المتن أنّه يعتبر مع قيام البيّنة اليمين الاستظهاري ، وفي الجواهر بلا خلاف أجده فيه بين من تعرّض له ، كما اعترف به غير واحد ، بل في الرّوضة هو
- (1) التهذيب : 6 / 231 ح563 ، الكافي : 7 / 417 ح2 ، الوسائل : 27 / 243 ، أبواب كيفيّة الحكم ب8 ح2 .
- (2) الوسائل : 27 / 244 ، أبواب كيفيّة الحكم ب8 ح4 .
- (3) شرائع الإسلام : 4 / 1052 .
- (4) تقدّم في المسألة 5 من شروط سماع الدعوى .
(الصفحة 169)
موضع وفاق(1) ، وفي المسالك تارة نسبه إلى الشهرة من غير ظهور مخالف ، واُخرى إلى الاتفاق(2) ـ إلى أن قال : ـ نعم قد خلت عنه كثير من كتب القدماء(3) .
أقول : عمدة الدليل على ذلك روايتان :
إحداهما : رواية عبدالرحمن بن أبي عبدالله ، التي رواها المشايخ الثلاثة ـ وإن كان في طريقها محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني ، عن ياسين الضرير ، عنه ـ عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قلت للشيخ (عليه السلام) ـ وفي رواية الصدوق تفسير الشيخ بموسى بن جعفر (عليهما السلام) ـ خبّرني عن الرجل يدّعي قبل الرجل الحقّ ، فلم تكن له بيّنة بما له ، قال : فيمين المدّعى عليه ، فإن حلف فلا حقّ له ، [وإن ردّ اليمين على المدّعي فلم يحلف فلا حقّ له](4) ، (وإن لم يحلف فعليه)(5) ، وإن كان المطلوب بالحقّ قد مات فاُقيمت عليه البيّنة ، فعلى المدّعي اليمين بالله الّذي لا إله إلاّ هو لقد مات فلان ، وأنّ حقّه لعليه ، فإن حلف وإلاّ فلا حقّ له ، لأنـّا لا ندري لعلّه قد أوفاه ببيّنة لا نعلم موضعها ، أو غير بيّنة قبل الموت ، فمن ثمَّ صارت عليه اليمين مع البيّنة ، فإن ادّعى بلا بيّنة فلا حقّ له; لأنّ المدّعى عليه ليس بحيّ ، ولو كان حيّاً لاُلزم اليمين ، أو الحقّ ، أو يردّ اليمين عليه ، فمن ثمّ لم يثبت الحقّ(6) .
ثانيتهما : صحيحة محمد بن الحسن الصفار ، التي رواها المشايخ الثلاثة أيضاً عن
- (1) الروضة البهيّة : 3 / 104 .
- (2) مسالك الأفهام : 13 / 460 ـ 462 .
- (3) جواهر الكلام : 40 / 194 .
- (4) من الفقيه .
- (5) ليس في الفقيه .
- (6) الكافي : 7 / 415 ح1 ، التهذيب : 6 / 229 ح555 ، الفقيه : 3 / 38 ح128 ، الوسائل : 27 / 236 ، أبواب كيفيّة الحكم ب4 ح1 .
(الصفحة 170)
محمد بن يحيى ، قال : كتب محمّد بن الحسن الصفّار إلى أبي محمد (عليه السلام) : هل تقبل شهادة الوصيّ للميّت بدين له على رجل مع شاهد آخر عدل؟ فوقّع (عليه السلام) : «إذا شهد معه آخر عدل فعلى المدّعي يمين» . وكتب : أيجوز للوصيّ أن يشهد لوارث الميّت صغيراً أو كبيراً (بحقّ له على الميّت أو على غيره ، وهو القابض للوارث الصغير)(1)وليس للكبير بقابض ؟ فوقّع (عليه السلام) : «نعم ، وينبغي للوصيّ أن يشهد بالحقّ ولا يكتم الشهادة» . وكتب أوتقبل شهادة الوصيّ على الميّت مع شاهد آخر عدل؟ فوقّع (عليه السلام) : «نعم من بعد يمين»(2) .
وقد ناقش في الاُولى المحقّق الأردبيلي في كتابه مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان للعلاّمة الحلّي ، تارة بضعف السند من جهة اشتماله على محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني ، وعلى ياسين الضرير المهمل في الكتب الرجالية ، واُخرى بعدم معلوميّة كون المراد من الشيخ هو موسى بن جعفر (عليهما السلام) ، وثالثة بعدم وضوح الدلالة(3); لعدم وضوح كون المراد بالبيّنة هما الشاهدان العادلان ، مضافاً إلى ظهورها في وجوب اليمين المغلظة بالكيفيّة المذكورة في الرواية ، ولا قائل به ، فيحمل على الاستحباب . وعليه فلا دلالة على كون أصل اليمين واجبة ، مع أنّه من الواضح أنّ المراد بالبيّنة في الرواية هي البيّنة التي قال النبيّ (صلى الله عليه وآله) في الروايات الصحيحة : إنّما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان(4) ، لا شيئاً آخر . كما أنه قد صرّح في
- (1) في الوسائل بدل ما بين القوسين هكذا : وهو القابض للصغير .
- (2) الكافي : 7 / 394 ح3 ، الفقيه : 3 / 43 ح147 ، التهذيب : 6 / 247 ح626 ، الوسائل : 27 / 371 ، كتاب الشهادات ب28 ح1 .
- (3) مجمع الفائدة والبرهان : 12 / 158 .
- (4) الوسائل : 27 / 232 ، أبواب كيفيّة الحكم ب2 ح1 .