(الصفحة 298)الحلف على زيد ، نعم لو أقرّ زيد بأنّ ما في يده كان لعمرو وانتقل إليه بناقل ، انقلبت الدعوى وصار زيد مدّعياً ، والقول قول عمرو بيمينه ، وكذا لو أقرّ بأنّه كان لعمرو أو في يده وسكت عن الانتقال إليه ، فإنّ لازم ذلك دعوى الانتقال ، وفي مثله يشكل جعله منكراً لأجل يده ، وأمّا لو قامت البيّنة على أنّه كان لعمرو سابقاً أو علم الحاكم بذلك فاليد محكّمة ، ويكون ذو اليد منكراً والقول قوله ، نعم لو قامت البيّنة بأنّ يد زيد على هذا الشيء كان غصباً من عمرو أو عارية أو أمانة ونحوها ، فالظاهر سقوط يده ، والقول قول ذي البيّنة1.
1 ـ في هذه المسألة فروض:
الفرض الأوّل: ما لو كان الشيء بالفعل تحت يد زيد مثلا ، وكان هذا الشيء سابقاً تحت يد عمرو أو ملكاً له من دون أن يكون هناك شيء زائد على ذلك ، وفي هذا الفرض تقدّم اليد الفعليّة التي هي أمارة على الملكية الفعلية ; لأنّه لا منافاة بينها وبين اليد السابقة التي هي أمارة على الملكية السابقة وكذا بين الملكية السابقة ، فالعلّة في التقدّم هي عدم المنافاة وإمكان الجمع بين الأمارتين ، وكذا بين الأمارة اللاحقة والملكيّة السابقة ، وعليه فالمنكر هو ذو اليد الفعلية ، ويتوجّه عليه اليمين مع عدم البيّنة للآخر ، هذا ما عليه الأكثر(1) .
وعن المحقّق في الشرائع اختيار تقدّم اليد أو الملكية السابقتين(2) ، وعن الإرشاد الميل إليه(3) ، وعن التحرير احتمال التساوي(4) ، وعن الدروس الإقتصار على
- (1) الخلاف: 6 / 342 مسألة 15 ، ونسب القول إلى الأكثر في ملحقات العروة: 3 / 145 مسألة 1 .
- (2) شرائع الإسلام: 4 / 899 ، المسألة الخامسة .
- (3) إرشاد الأذهان: 2 / 150 .
- (4) تحرير الاحكام: 2 / 195 .
(الصفحة 299)
نقل القولين(1) .
وما يمكن أن يقال: من أنّه إذا ثبتت الملكية السابق للسابق ولو بسبب اليد ، فلابدّ لذي اليد الحالية من إثبات الانتقال إليه والأصل عدمه ، مدفوع بأنّ اليد الفعلية أمارة على الملكية الفعلية ، والأمارة لا يعارضها الأصل بوجه ، مع أنّ العلم حاصل بأنّ أكثر ما في أيدي الناس يكون مسبوقاً بيد الغير أو ملكيته، ولا مدخلية للعلم التفصيلي بصاحب اليد السّابقة ، بل يحرز ذلك مع العلم الإجمالي أيضاً كما لا يخفى ، فالأقوى ما عليه المتن تبعاً للأكثر ، وخلافاً للمحقّق ومن عرفت .
الفرض الثاني: هو الفرض الأوّل بضميمة إقرار صاحب اليد الفعلية بأنّ ما في يده كان لعمرو ، وانتقل إليه بناقل شرعي اختياري أو قهري كالإرث مثلا ، وفي هذه الصورة تنقلب الدعوى ، ويصير زيد مدّعياً وعمرو منكراً ، ويكون القول قول عمرو مع عدم ثبوت البيّنة لزيد .
والوجه فيه أنّ مرجع النزاع إلى ثبوت الناقل وعدمه، بعد الاتّفاق على ثبوت اليد السابقة أو الملكية السابقة ، وعليه فذو اليد يكون مدّعياً للنقل الشرعي ، وغيره يكون منكراً يقدّم قوله مع عدم إقامة البيّنة . وعن الكفاية أنّه قال: وفي كلامهم القطع بأنّ صاحب اليد لو أقرّ أمس بأنّ الملك له أي للمدّعي ، أو شهدت البيّنة بإقراره له أمس ، أو أقرّ بأنّ هذا له أمس قضي به له ، قال: وفي إطلاق الحكم بذلك إشكال(2) .
- (1) الدروس الشرعيّة: 2 / 101 ـ 102 .
- (2) كفاية الأحكام: 277 .
(الصفحة 300)
ومن الواضح أنّ هذا الفرض أولى لادّعائه صريحاً الانتقال الذي يكون مقتضى الأصل عدمه ، فمدعي الانتقال هو المدّعي وعليه إقامة البيّنة على الانتقال ، ومع عدمها يكون القول قول الآخر مع يمينه .
الفرض الثالث: هو الفرض الثاني مع مجرّد الإقرار بأنّه كان في يد عمرو أو ملكاً له سابقا مع السكوت عن الانتقال إليه ، وفي المتن مساواة حكمه مع الفرض الثاني أوّلا; نظراً إلى أنّ لازم الإقرار الكذائي دعوى الانتقال; لعدم انفكاكه عنه ، والإشكال في جعله منكراً لأجل يده مع حكمه بالانقلاب في الفرض الثاني بصورة الجزم ، ولعلّ الوجه فيه عدم الادّعاء صريحاً الانتقال الذي هو خلاف الأصل ويوجب مدّعيه مدّعياً ، بل ادّعى الملكيّة الفعليّة غير المنافية للإقرار باليد السابقة أو الملكيّة كذلك .
ومن الواضح شمول عبارة الكفاية المتقدّمة لهذا الفرض ، وإن استشكل في إطلاقه . وكيف كان فجعله منكراً لأجل اليد الفعلية الكاشفة عن الملكية الفعلية مع وجود الإقرار بسابقه مشكل ، كما في المتن ، من جهة وجود الدلالة الالتزامية ، ومن جهة أنّ المناط مصبّ الدعوى .
الفرض الرابع: ما لو قامت البيّنة على أنّه كان لعمرو سابقاً أو علم الحاكم بذلك ، وقد أفاد في المتن أنّ ذا اليد يده محكّمة ، ويكون القول قوله لعدم المنافاة; لأنّ هذا الفرض شبيه الفرض الأوّل ، بل المفروض في كلام المحقّق إقامة البيّنة على أنّه كان في يد زيد سابقاً(1) .
ومن الواضح أنّه لا فرق بين الأمرين ، كما أنّه لا فرق بين صورة قيام البيّنة وبين
- (1) شرائع الإسلام: 4 / 899 .
(الصفحة 301)مسألة 8: لو تعارضت البيّنات في شيء ، فإن كان في يد أحد الطّرفين ، فمقتضى القاعدة تقديم بيّنة الخارج ورفض بيّنة الداخل ، وإن كانت أكثر أو أعدل وأرجح ، وإن كان في يدهما فيحكم بالتنصيف بمقتضى بيّنة الخارج وعدم اعتبار الداخل ، وإن كان في يد ثالث أو لا يد لأحد عليه ، فالظاهر سقوط البيّنتين والرجوع إلى الحلف أو إلى التنصيف أو القرعة ، لكنّ المسألة بشقوقها في غاية الإشكال من حيث الأخبار والأقوال ، وترجيح أحد الأقوال مشكل ، وإن لا يبعد في الصّورة الأولى ما ذكرناه1.
صورة علم الحاكم بذلك ، كما لا يخفى . وليعلم أنّ هذا الفرض لا يكون فرضاً مستقلاًّ في مقابل الفرض الأول ، بل هو جزء منه ، فإنّ الملكية السابقة المفروضة في الفرض الأوّل لابدّ وأن تكون محرزة ، والاحراز قد يكون بقيام البيّنة ، وقد تكون بسبب علم الحاكم بناءً على جواز قضائه بعلمه كما قدّمناه سابقاً ، فهذا الفرض بعض منه ، لا أنّه مغاير له كما يفيد ظاهر العبارة .
الفرض الخامس: قيام البيّنة على أنّ يد زيد غصبية أو عارية أو أمانة أو نحوها من الأيادي غير الملكية ، ولا ينبغي الإشكال في تقدّم البيّنة على اليد; لأنّهما وإن كانتا أمارتين إلاّ أنّ البيّنة مقدّمة على اليد ، كما يظهر من قول النبيّ (صلى الله عليه وآله): البيّنة على من ادّعى واليمين على من أنكر(1) . مضافاً إلى أنّ حجّية اليد منحصرة بما إذا لم تكن في مقابلها بيّنة ، وإلاّ لا يجوز الأخذ من السارق والغاصب في صورة عدم العلم ، بل قيام البيّنة كما لا يخفى .
1 ـ هذه المسألة من عويصات المسائل الفقهية وغوامضها ، وقد اضطربت فيها
- (1) تفسير القمّي: 2 / 156 ، الوسائل: 27 / 293 ، أبواب كيفيّة الحكم ب25 ح3 .
(الصفحة 302)
الأقوال واختلفت الروايات ، بل قال السيّد (قدس سره) في الملحقات: قد يختلف فتوى واحد منهم ، فيفتي في مقام ويفتي بخلافه في مقام آخر ، وربّما يدّعي الإجماع في مورد ويدّعي على خلافه الإجماع في مورد آخر ، وقد يحكم بضعف خبر ويعمل به في مورد آخر ، وقد يحملون الخبر على محمل بلا شاهد ويفتون به ، ويفرّقون بين الصور بقيود لا تستفاد من الأخبار من ذكر الشاهد السبب وعدمه ، أو كون الشيء ممّا يتكرّر كالبيع والشراء والصياغة ونحوها ، أو ممّا لا يتكرّر كالنتاج والنساجة والخياطة ونحوها ، وليس الغرض الإزرآء عليهم ، بل بيان الحال مقدّمة لتوضيح الحقّ من الأقوال ، فإنّ المسألة في غاية الإشكال وليست محرّرة(1) ، واللازم الدقّة وإمعان النظر فيها إن شاء الله تعالى .
فنقول: قد فرض في المتن لها صوراً ثلاثة; لأنّ الشيء مورد التنازع تارةً يكون في يد أحد الطرفين ، واُخرى يكون في يدهما ، وثالثة يكون في يد ثالث ، أو لا يد لأحد عليه . وقبل الخوض في المقصود لابدّ من تقديم أمرين:
أحدهما: أنّ معنى تعارض البيّنتين ثبوت التضادّ بين مفادهما بحيث لم يمكن الجمع والتوفيق بينهما . قال المحقّق (قدس سره) في الشرائع: يتحقّق التعارض في الشهادة مع تحقّق التضادّ ، مثل أن يشهد شاهدان بحقّ لزيد ، ويشهد آخران أنّ ذلك الحقّ بعينه لعمرو ، أو يشهدان بأنّه باع ثوباً مخصوصاً لعمرو غدوة ، ويشهد آخران ببيعه بعينه لخالد في ذلك الوقت ، ومهما أمكن التوفيق بين الشهادتين وفّق(2) .
ثانيهما: أنّ مقتضى القاعدة فيما إذا كان المال في يد أحدهما وأقاما البيّنة ، هو
- (1) ملحقات العروة الوثقى: 3 / 148 مسألة 2 .
- (2) شرائع الإسلام: 4 / 897 مسألة 3 .