(الصفحة 429)ومنها : ما إذا دفع بشهادته ضرراً عنه ، كشهادة العاقلة بجرح شهود الجناية خطأً ، وشهادة الوكيل والوصيّ بجرح الشهود على الموكّل ، والموصي في مثل الموردين المتقدّمين1.
«فعلى المدّعي يمين» وإلاّ لكان المناسب الاقتصار على الضمير كما في قوله : «إذا شهد معه» كما لا يخفى .
ومقتضى إطلاقها حينئذ أنّه لا فرق بين زيادة الأجرة بشهادته وبين عدمها ، لكن ينبغي ترك القبول في صورة الزيادة . وعليه فالنسبة بينها وبين الرواية الواردة في الشريك ، المتقدّمة المشتملة على استثناء شيء فيه نصيب ـ بناءً على استفادة شبه التعليل منها ـ هي العموم والخصوص من وجه ، ومادّة الإجتماع هو الوصي مع زيادة الاُجرة ، والترجيح بعد التعارض مع هذه الرواية المطابقة للعموم لو لم نقل بأظهرية الآخر ، فتدبّر .
وكذا شهادة الشريك بالإضافة إلى بيع الشقص الذي له فيه الشفعة ، وفي الشرائع وكذا لا تقبل شهادة من يستدفع بشهادته ضرراً ، كشهادة أحد العاقلة بجرح شهود الجناية ، وكذا شهادة الوكيل والوصي بجرح شهود المدّعي على الموصي والموكّل(1); لأنّ المستفاد من الرواية الواردة في الشريك عدم كون الشهادة موجبة لجرّ النفع إلى الشاهد ، ومن الواضح أنّ استدفاع الضرر جرّ نفع عند العقلاء ، فلا تقبل الشهادة في مثل هذه الموارد .
1 ـ قد عرفت عبارة الشرائع في ذلك في ذيل المسألة السابقة مع استدلال له منّا ، ولكنه ذكر صاحب الجواهر(قدس سره) في مقام الاستدلال قوله : ضرورة كون الجارح
- (1) شرائع الإسلام : 4 / 914 .
(الصفحة 430)ومنها : أن يشهد ذو العداوة الدنيوية على عدوّه ، وتقبل شهادته له إذا لم يستلزم العداوة الفسق ، وأمّا ذو العداوة الدينيّة فلا تردّ شهادته له أو عليه حتى إذا أبغضه لفسقه واختصمه لذلك1.
في الجميع هو المدّعى عليه ، فلا وجه لقبول شهادته في دفع الدعوى عنه كما هو واضح(1) .
1 ـ لا خلاف في أنّ العداوة الدنيوية غير المستلزمة للفسق إذا كانت الشهادة على عدوّه كذلك تكون مانعة عن القبول ، كما إذا كانت مستلزمة للفسق بلا إشكال ، وذلك لما عرفت من اشتمال بعض الروايات المتقدّمة على عنوان الخصم في مقابل الظنين والمتّهم ، بناء على عدم كونه عطفاً تفسيريّاً وكونه عنواناً آخر ، كما أنّه قد فسّره بعضهم بالعدوّ ، والقدر المتيقّن منه هي العداوة الدنيوية والعرفية ، ولرواية إسماعيل بن مسلم ، عن الصادق جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن آبائه(عليهم السلام)قال : لا تقبل شهادة ذي شحناء ، أو ذي مخزية في الدين(2) .
والظاهر أنّ المعروف كما صرّح الشيخ في الفهرست(3) أنّ اسم أبي زياد مسلم ،
وحينئذ يشكل الأمر من جهة إحتمال وحدة هذه الرواية مع روايته السابقة(4)، المشتملة على «فحّاش» مكان «الشحناء» ; لاشتراكهما في عنوان ذي مخزية في الدين، وعليه فيحتمل أن يكون الصادر هو عنوان الفحاش لاالشحناء، كما لايخفى .
- (1) جواهر الكلام : 41 / 69 .
- (2) وسائل الشيعة : 27 / 378 ، كتاب الشهادات ب32 ح5 .
- (3) الفهرست : 50 الرقم 38 .
- (4) تقدّمت في ص400 .
(الصفحة 431)
وفي رواية معاني الأخبار قال: قال النبي(صلى الله عليه وآله) : لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة، ولا ذي غمز على أخيه ، ولا ظنين في ولاء ، ولا قرابة ، ولا القانع مع أهل البيت(1)وقد تقرّر في محلّه انّ هذا النحو من الإرسال الذي يسند مثل الصدوق مقول القول إلى النبي أو الإمام دون الرواية يكون معتبراً; لأنّه بمنزلة توثيق الوسائط بينه وبينه كما لا يخفى ، بخلاف ما إذا كان مسنداً إلى الرواية مثل «روي عنه» .
ثم حكي عن الصدوق(قدس سره) أنّه قال : الغمز: الشحناء والعداوة ، والظنين: المتّهم في دينه ، والظنين في الولاء والقرابة : الذي يتّهم بالدعاء إلى غير أبيه ، والمتولّي غير مواليه ، والقانع من أهل البيت : الرجل يكون مع قوم في حاشيتهم ، كالخادم لهم والتابع والأجير ونحوه .
ثم إنّه يظهر من مناسبة الحكم والموضوع أنّ شهادة الخصم إذا لم تكن على عدوّه بل كان بنفع عدوّه لا مانع عن قبولها بوجه ، كما أنّه ظهر ممّا ذكرنا انّ العداوة الدينية لا تكون مانعة عن قبول الشهادة بوجه ، كشهادة المسلم على الكافر أو له ، ويؤيّده انّ الشهود في باب موجبات الحدّ الشرعي لا تكون خالية عن هذه العداوة ، فتدبّر جيّداً .
ثم إنّ المحقّق في الشرائع بعد أن ذكر أنّ العداوة الدنيوية تمنع ، سواء تضمّنت
فسقاً أو لم تتضمّن ، قال : وتتحقّق العداوة بأن يعلم من حال أحدهما السرور بمساءة الآخر والمساءة بسروره ، أو يقع بينهما تقاذف(2) .
ويرد عليه مضافاً إلى أنّ العداوة قد تكون من جانب واحد لا من الطرفين ، ما
- (1) معاني الأخبار : 208 ح3 ، وسائل الشيعة: 27 / 379، كتاب الشهادات ب32 ح8 .
- (2) شرائع الإسلام : 4 / 915 .
(الصفحة 432)ومنها : السؤال بكفّه ، والمراد منه من يكون سائلا في السوق وأبواب الدّور وكان السؤال حرفة وديدناً له ، وأمّا السؤال أحياناً عند الحاجة فلا يمنع من قبول شهادته1.
أورده عليه جماعة من الفقهاء(2) من استلزام الفرح بمساءة المؤمن وبالعكس المعصية ، إلاّ أن يقال بأنّ الإصرار لا يتحقّق إلاّ بالإكثار من الصغائر لا بالإستمرار على معصية واحدة ، أو بعدم كونه معصية ما دام لم يقع التظاهر به ، أو إذا لم يكن هو البادئ .
1 ـ العمدة في هذا الأمر وجود روايات كثيرة دالّة عليه :
منها : صحيحة عليّ بن جعفر ، عن أخيه أبي الحسن (عليه السلام) قال : سألته عن السائل الذي يسأل بكفّه هل تقبل شهادته؟ فقال : كان أبي لا يقبل شهادته إذا سأل في كفّه(3) . ورواه عبدالله بن الحسن ، عن علي بن جعفر (عليه السلام)(4) .
ومنها : صحيحة محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : ردّ رسول الله(صلى الله عليه وآله)شهادة السائل الذي يسأل في كفّه ، قال أبو جعفر (عليه السلام) : لأنّه لا يؤمن على الشهادة ،
وذلك لأنّه إن اُعطي رضى وإن منع سخط(4) .
والظاهر أنّ عنوان السائل بكفّه عنوان كنائي عمّن يكون سائلا في أبواب الدور والطرق والسوق ، وأمّا ما عن المسالك من أنّه كناية عمّن يباشر السؤال والأخذ
- (1) كالشهيد الثاني في مسالك الأفهام : 14 / 193 ، والأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان : 12 / 390 ، والطباطبائي في رياض المسائل : 9 / 472 .
- (2، 3) وسائل الشيعة : 27 / 382 ، 383 ، كتاب الشهادات ب35 ح1 و 3.
- (4) وسائل الشيعة : 27 / 382 ، كتاب الشهادات ب35 ح2 .
(الصفحة 433)
بنفسه(1) ، ففيه أنّه خلاف ما هو المتفاهم منه عند العرف; لأنّ المنساق منه من يدور الأبواب والناس بسؤال الشيء اليسير كالخبز والدرهم مثلا ، وامّا مجرّد المباشرة في السؤال والأخذ بنفسه فلا يصدق عليه السائل بالكفّ; لتداول ذلك بين الناس كثيراً ، ومن الواضح عدم صدق هذا العنوان عليهم .
ثم الظاهر كون السؤال حرفة وديدناً له لا احياناً ولو مرّتين أو مرّات ، والجمع في الجواب في الصحيحة الاُولى مع كون السؤال فيها عن السائل الذي يسأل بكفّه ، بين عدم قبول شهادته وبين ما إذا سأل في كفّه ، هل هو لأجل التأكيد وبيان أنّ هذا العنوان بنفسه مانع عن قبول الشهادة وإن كان شرائط الشهادة بأجمعها موجودة ، أو لأجل أنّ هذا الحكم مادامي ، وانّ عدم قبول شهادته ما دام كونه سائلا بكفّه ، فإذا زال هذا العنوان يرتفع الحكم ، ولو قلنا بأنّ المشتق حقيقة في الأعم من المقتضى عنه المبدأ ، ويؤيّد الأوّل خلوّ رواية عبدالله بن الحسن ، عن علي بن جعفر (عليه السلام)المروية في قرب الاسناد(2) عن هذه الزيادة ، فتدبّر .
ثم إنّ التعليل في صحيحة محمّد بن مسلم بقوله (عليه السلام) : «لأنّه لا يؤمن على الشهادة» الى آخره ، يعطي أنّه لو فرض في مورد تحقق الأمن بأن علم أنّ الاعطاء والمنع غير مؤثّرين فيه في مقام الشهادة ، فاللازم الأخذ بشهادته ; لأن العلّة
منصوصة لابدّ فيها من الإقتصار على موردها ، كما لا يخفى .
ثم إنّ السؤال بالكفّ بالنحو المذكور هل يكون محرّماً مطلقاً ، أو في خصوص المدلّس بإظهار الحاجة مع عدم كونه كذلك واقعاً ، أو لا يكون له حرمة بعنوانه ،
- (1) مسالك الأفهام : 14 / 199 .
- (2) قرب الإسناد: 298 ح1172 .