(الصفحة 144)سؤال الشهود ، نعم له السؤال من المدّعي بأنّه أراد الإقامة أو لا1.
مسألة 13 : إذا شهدت البيّنة فإن عرفهما الحاكم بالفسق طرح شهادتهما ، وكذا لو عرف بفقدهما بعض شرائط الشهادة ، ولو عرفهما بالعدالة وجامعيّتهما الشرائط قبل شهادتهما ، وإن جهل حالهما توقّف واستكشف من حالهما ، وعمل بما يقتضيه2.
1 ـ لو أحضر المدّعي البيّنة ، ففيه صور ثلاث بالإضافة إلى الحاكم :
الاُولى : أن يعلم الحاكم أو شهدت القرائن بأنّه لم يرد إقامتها لإثبات دعواه بعد حضورها ، ففي هذه الصورة لا يجوز للحاكم أن يسأل من البيّنة شيئاً; لأنّ المفروض عدم إرادة المدّعي إقامتها وإن كان قد أحضرها .
الثانية : أن يعلم الحاكم أو شهدت القرائن بأنّه أراد إقامتها ، وفي هذه الصورة يجوز للحاكم السؤال من البيّنة فيما يرتبط بدعواه وشهادتهما ، كما لا يخفى .
الثالثة : صورة الجهل بالحال وعدم علم الحاكم ، وكذا عدم شهادة القرائن بأنّه أراد الإقامة أو لم يرد ، وفي هذه الصورة أيضاً لا يجوز للحاكم السؤال من البيّنة بعد عدم إحراز إرادة الإقامة ، نعم مع الجهل بذلك ، وأنّ المدّعي أراد الإقامة أو لم يرد يجوز له السؤال من المدّعي ، وأنّه في مقام الإقامة ، وما لم يثبت للحاكم ذلك لا يجوز السؤال من الشهود .
2 ـ إذا شهدت البيّنة التي أقامها المدّعي ، ففيه أيضاً صور ثلاث :
الاُولى : أن يعرفهما الحاكم بالفسق ، أو بفقد بعض شرائط الشهادة ، ففي هذه الصورة يطرح شهادتهما .
الثانية : أن يعرفهما الحاكم بالعدالة والجامعيّة لشرائط الشهادة ، وفي هذه
(الصفحة 145)مسألة 14 : إذا عرفهما بالفسق أو عدم جامعيّتهما للشرائط طرحهما من غير انتظار التزكية ، لكن لو ادّعى المدّعي خطأ الحاكم في اعتقاده تسمع منه ، فإن أثبت دعواه ، وإلاّ فعلى الحاكم طرح شهادتهما . وكذا لو ثبت عدالتهما وجامعيتهما للشرائط ، لم يحتج إلى التزكية ويعمل بعلمه ، ولو ادّعى المنكر جرحهما أو جرح أحدهما تقبل ، فإن أثبت دعواه أسقطهما وإلاّ حكم ، ويجوز للحاكم التعويل على الاستصحاب في العدالة والفسق1.
الصورة يقبل شهادتهما ويحكم للمدّعي .
الثالثة : أن يكون حالهما من حيث العدالة أو الجامعيّة للشرائط مجهولا للحاكم ، وفي هذه الصورة يتوقّف الحاكم عن القبول والحكم ، ويستكشف عن حالهما ليظهر ويعمل على طبق ما استكشف من القبول أو الردّ .
1 ـ الغرض من هذه المسألة أنّه إذا اعتقد الحاكم فسق الشاهدين أو أحدهما ، أو عدم الجامعيّة للشرائط المعتبرة في قبول الشهادة ، يطرحهما من غير انتظار التزكية ، لكن لو ادّعى المدّعي خطأ الحاكم في اعتقاده تسمع هذه الدعوى من المدّعي ، بمعنى أنّ له إثبات دعواه وخطأ الحاكم ، فإن أثبت دعواه وخطأ الحاكم ، وإلاّ فعليه طرح شهادتهما وعدم الاعتناء بالبيّنة . وهكذا بالإضافة إلى المنكر لو ثبتت العدالة والجامعيّة للشرائط بحسب اعتقاد الحاكم ، لكن ادّعى المنكر جرحهما أو جرح أحدهما ، فإنّه تقبل هذه الدعوى من المنكر ، غاية الأمر يحتاج إلى الإثبات ، فإن أثبت دعواه أسقطهما وإلاّ يحكم الحاكم .
ينبغي التنبيه على أمرين :
أحدهما : أنّ إثبات دعوى المنكر خطأ الحاكم في الاعتقاد بالعدالة لا يتوقّف
(الصفحة 146)مسألة 15 : إذا جهل الحاكم حالهما وجب عليه أن يبيّن للمدّعي أنّ له تزكيتهما بالشهود مع جهله به ، فإن زكّاهما بالبيّنة المقبولة وجب أن يبيّن للمدّعى عليه أنّ له الجرح إن كان جاهلا به ، فإن اعترف بعدم الجارح حكم عليه ، وإن أقام البيّنة المقبولة على الجرح سقطت بينة المدّعي1.
على ثبوت الفسق بنحو يوجب الحدّ مثلا ، فإذا ادّعى المنكر أنّ أحد الشاهدين زان مثلا ، لا حاجة في مقام الإثبات إلى البيّنة المعتبرة في إثبات الزنا الموجب للحدّ ، بل مجرّد شهادة عدلين بذلك يكفي في لزوم الإسقاط وعدم الحكم; لأنّه ليس المراد إلاّ مجرّد عدم العدالة المعتبرة في الشهادة ، لا ثبوت الزّنا الموجب للحدّ ، فتدبّر كي لا يختلط عليك الأمر .
ثانيهما : يجوز للحاكم التعويل على الاستصحاب في العدالة والفسق ، إذا كانت هناك حالة سابقة متيقّنة لفرض حجيّته ، وإن لم يكن في البين حتى الاستصحاب; لعدم العلم بالحالة السابقة ، فلا يجوز للحاكم ترتيب الأثر على البيّنة المشكوكة ، كما لايخفى .
1 ـ إذا كان الحاكم جاهلا بحال البيّنة التي أقامها المدّعي فالواجب عليه أن يبيّن للمدّعي إذا كان جاهلا أنّ له تزكية الشهود ، فإن لم يزكّهما فبها ، وإن زكّاهما بالبيّنة المعتبرة المقبولة عنده بحيث قامت البيّنة على عدالة كلّ منهما ، فا لواجب على الحاكم أن يبيّن للمدّعى عليه الجاهل أنّ له الجرح فإن اعترف بعدم الجارح حكم على المدّعى عليه ، وإن أقام البيّنة المقبولة على الجرح تساقطت البيّنتان; لتعارض الأمارتين أو تقدّم بيّنة الجارح على بيّنة المزكّي ، كما يأتي البحث فيه إن شاء الله تعالى ، وبالآخرة تسقط بيّنة المدّعي عن الاعتبار وجواز الحكم باستنادها ، كما لا يخفى .
(الصفحة 147)مسألة 16 : في صورة جهل الحاكم وطلبه التزكية من المدّعي لو قال : «لا طريق لي» أو قال : «لا أفعل» أو «يعسر عليّ» وطلب من الحاكم الفحص ، لايجب عليه ذلك وإن كان له ذلك ، بل هو راجح . ولو طلب الجرح في البيّنة المقبولة من المدّعى عليه ولم يفعل وقال : «لا طريق لي» أو «يعسر عليّ» لا يجب عليه الفحص ، ويحكم على طبق البيّنة ، ولو استمهله لإحضار الجارح فهل يجب الإمهال ثلاثة أيّام، أو بمقدار مدّة أمكنه فيها ذلك، أو لا يجب وله الحكم ، أو وجب عليه الحكم فإن أتى بالجارح ينقضه؟ وجوه ، لا يبعد وجوب الإمهال بالمقدار المتعارف ، ولو ادّعى الإحضار في مدّة طويلة يحكم على طبق البيّنة1.
1 ـ فيما إذا طلب الحاكم الجاهل بحالهما من المدّعي التزكية ، وقال المدّعي في الجواب : لا طريق لي أو قال : لا أفعل ، أو قال : يعسر عليّ ، وطلب من الحاكم الفحص عن العدالة وعدمها ، ففي وجوب الفحص عليه وجهان ، قد يقال بالوجوب نظراً إلى أحد أمرين :
الأوّل : كون المقام من قبيل باب الوضوء ، فكما أنّه يجب في ذلك المقام الفحص عن الماء ، ولا يكتفى بمجرّد عدم وجدانه في المحلّ الذي يريد الوضوء ، فكذلك المقام يجب على الحاكم الفحص عن عدالة البيّنة المأمور بالحكم على طبقها .
ويرد عليه بطلان المقايسة والتشبيه ، فإنّ وجوب الوضوء وجوب مطلق ، واللاّزم تهيئة مقدّماته من الماء وغيره ، ولولا الدليل على لزوم الفحص إلى مقدار معيّن لكان اللاّزم الفحص مطلقاً إلى أن يتحقّق اليأس ، وهذا بخلاف المقام الذي لا يلزم ولا يجب فيه الحكم بنفع المدعي إلاّ على فرض إقامة بيّنة عادلة مقبولة عند الحاكم ، والفرض جهله بالعدالة ، وقد عرفت أنّ الحاكم لا يجوز أن يقول للمدّعي الواجد للبيّنة : أحضرها ، مريداً به الإلزام ، كما أنّك عرفت أنّه لا يجوز أن يسأل
(الصفحة 148)
عن البيّنة ما لم يُرد المدّعي إقامتها ، وهذا وأشباهه دليل على عدم كون وجوب الحكم وجوباً مطلقاً كالوضوء في المثال .
الثاني : دلالة الرواية المنقولة عن التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن بن عليّ العسكري (عليهما السلام) ، عن آبائه ، عن عليّ (عليه السلام) المفصّلة الدالّة على أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) إذا تخاصم إليه رجلان قال للمدّعي : ألكَ حجّة؟ فإن أقام بيّنة يرضاها ويعرفها أنفذ الحكم على المدّعى عليه ، وإن لم يكن له بيّنة حلف المدّعى عليه ـ إلى أن قال : ـ وإذا جاء بشهود لا يعرفهم بخير ولا شرّ ، قال للشهود : أين قبائلكما؟ فيصفان ـ إلى أن قال : ـ ثمّ يأمر فيكتب أسامي المدّعي والمدّعى عليه والشهود ، ويصف ما شهدوا به ثم يدفع ذلك إلى رجل من أصحابه الخيار ، ثم مثل ذلك إلى رجل آخر من خيار أصحابه ، ثم يقول : ليذهب كلّ واحد منكما من حيث لا يشعر الآخر إلى قبائلهما فيسأل عنهما فيذهبان ويسألان ، فإن أتوا خيراً ـ إلى أن قال : ـ قضى حينئذ بشهادتهما على المدّعى عليه ، فإن رجعا بخبر سيّىً لم يهتك ستر الشاهدين ، ولكن يدعو الخصوم إلى الصّلح; لئلاّ يفتضح الشهود ، فإن كان الشهود من أخلاط الناس غرباء لا يعرفون ولا قبيلة لهما ، فإن قال المدّعى عليه : ما عرفنا أي في الشهود إلاّ خيراً غير أنّهما قد غلطا فيما شهدا عليّ ، أنفذ شهادتهما ، وإن جرحهما وطعن عليهما أصلح بين الخصم وخصمه ، وأحلف المدّعى عليه ، وقطع الخصومة بينهما(1) .
هذا ، ولكن صحّة التفسير المذكور وانتسابه إلى الإمام (عليه السلام) غير معلومة ، وإن نقل عنه في الوسائل ولم ينقل عن مثل فقه الرضا ، لكن اعتماد الوسائل ليس بحجّة شرعيّة ، نعم بعد ملاحظة قاعدة التسامح في أدلّة السنن لا مجال للارتياب في
- (1) تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) : 284 ، الوسائل : 27 / 239 ، أبواب كيفية الحكم ب6 ح1 .