(الصفحة 432)ومنها : السؤال بكفّه ، والمراد منه من يكون سائلا في السوق وأبواب الدّور وكان السؤال حرفة وديدناً له ، وأمّا السؤال أحياناً عند الحاجة فلا يمنع من قبول شهادته1.
أورده عليه جماعة من الفقهاء(2) من استلزام الفرح بمساءة المؤمن وبالعكس المعصية ، إلاّ أن يقال بأنّ الإصرار لا يتحقّق إلاّ بالإكثار من الصغائر لا بالإستمرار على معصية واحدة ، أو بعدم كونه معصية ما دام لم يقع التظاهر به ، أو إذا لم يكن هو البادئ .
1 ـ العمدة في هذا الأمر وجود روايات كثيرة دالّة عليه :
منها : صحيحة عليّ بن جعفر ، عن أخيه أبي الحسن (عليه السلام) قال : سألته عن السائل الذي يسأل بكفّه هل تقبل شهادته؟ فقال : كان أبي لا يقبل شهادته إذا سأل في كفّه(3) . ورواه عبدالله بن الحسن ، عن علي بن جعفر (عليه السلام)(4) .
ومنها : صحيحة محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : ردّ رسول الله(صلى الله عليه وآله)شهادة السائل الذي يسأل في كفّه ، قال أبو جعفر (عليه السلام) : لأنّه لا يؤمن على الشهادة ،
وذلك لأنّه إن اُعطي رضى وإن منع سخط(4) .
والظاهر أنّ عنوان السائل بكفّه عنوان كنائي عمّن يكون سائلا في أبواب الدور والطرق والسوق ، وأمّا ما عن المسالك من أنّه كناية عمّن يباشر السؤال والأخذ
- (1) كالشهيد الثاني في مسالك الأفهام : 14 / 193 ، والأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان : 12 / 390 ، والطباطبائي في رياض المسائل : 9 / 472 .
- (2، 3) وسائل الشيعة : 27 / 382 ، 383 ، كتاب الشهادات ب35 ح1 و 3.
- (4) وسائل الشيعة : 27 / 382 ، كتاب الشهادات ب35 ح2 .
(الصفحة 433)
بنفسه(1) ، ففيه أنّه خلاف ما هو المتفاهم منه عند العرف; لأنّ المنساق منه من يدور الأبواب والناس بسؤال الشيء اليسير كالخبز والدرهم مثلا ، وامّا مجرّد المباشرة في السؤال والأخذ بنفسه فلا يصدق عليه السائل بالكفّ; لتداول ذلك بين الناس كثيراً ، ومن الواضح عدم صدق هذا العنوان عليهم .
ثم الظاهر كون السؤال حرفة وديدناً له لا احياناً ولو مرّتين أو مرّات ، والجمع في الجواب في الصحيحة الاُولى مع كون السؤال فيها عن السائل الذي يسأل بكفّه ، بين عدم قبول شهادته وبين ما إذا سأل في كفّه ، هل هو لأجل التأكيد وبيان أنّ هذا العنوان بنفسه مانع عن قبول الشهادة وإن كان شرائط الشهادة بأجمعها موجودة ، أو لأجل أنّ هذا الحكم مادامي ، وانّ عدم قبول شهادته ما دام كونه سائلا بكفّه ، فإذا زال هذا العنوان يرتفع الحكم ، ولو قلنا بأنّ المشتق حقيقة في الأعم من المقتضى عنه المبدأ ، ويؤيّد الأوّل خلوّ رواية عبدالله بن الحسن ، عن علي بن جعفر (عليه السلام)المروية في قرب الاسناد(2) عن هذه الزيادة ، فتدبّر .
ثم إنّ التعليل في صحيحة محمّد بن مسلم بقوله (عليه السلام) : «لأنّه لا يؤمن على الشهادة» الى آخره ، يعطي أنّه لو فرض في مورد تحقق الأمن بأن علم أنّ الاعطاء والمنع غير مؤثّرين فيه في مقام الشهادة ، فاللازم الأخذ بشهادته ; لأن العلّة
منصوصة لابدّ فيها من الإقتصار على موردها ، كما لا يخفى .
ثم إنّ السؤال بالكفّ بالنحو المذكور هل يكون محرّماً مطلقاً ، أو في خصوص المدلّس بإظهار الحاجة مع عدم كونه كذلك واقعاً ، أو لا يكون له حرمة بعنوانه ،
- (1) مسالك الأفهام : 14 / 199 .
- (2) قرب الإسناد: 298 ح1172 .
(الصفحة 434)ومنها : التبرع بالشهادة في حقوق الناس ، فانه يمنع عن القبول في قول معروف ، وفيه تردّد ، وأمّا في حقوق الله كشرب الخمر والزنا وللمصالح العامة فالأشبه القبول1.
كما يؤيده ذكره في مقابل الفاسق وفاقد العدالة ، نعم التدليس المستلزم للكذب القولي أو العملي حرام ، وفي الجواهر : أنّ النصوص مستفيضة بالنهي عن سؤال الناس ، لكن كثيراً منها محمول على بعض مراتب الأولياء ، وهو الغناء عن الناس والالتجاء إلى الله تعالى ، وآخر محمول على المدلّس بإظهار الحاجة والفقر لتحصيل المال من الناس بهذا العنوان ـ إلى أن قال : ـ وامّا حرمة السؤال من حيث كونه سؤالا ولوبالكفّ فلادليل مطمئنّ به على حرمته، وإن كان ذلك مغروساً في الذهن(1).
1 ـ معنى التبرّع بالشهادة هو إقامتها واداؤها قبل طلب الحاكم وسؤاله ، وهو بالإضافة إلى حقوق الآدميين كالبيّنة الشاهدة للمدّعي يمنع عن القبول ، ونفى في الجواهر وجدان الخلاف فيه(2) ، بل حكى عن كشف اللثام أنّه ممّا قطع به الأصحاب ، سواء كان قبل دعوى المدّعي أو بعدها(3) . وقد وقع في كلام كثير
كالمحقق في الشرائع (4) التعليل بالتهمة ، وقد عرفت أنّ هذا العنوان بمعناه العام العرفي لا يكون مانعاً عن قبول الشهادة ، مع أنّ ظاهر كلامهم ردّ المتبرّع بشهادته وان انتفت التهمة عنه بقرائن الأحوال ، ككون المشهود له عدوّاً له والمشهود عليه
- (1) جواهر الكلام : 41 / 82 ـ 83 .
- (2) جواهر الكلام : 41 / 104 .
- (3) كشف اللثام : 2 / 376 .
- (4) شرائع الإسلام : 4 / 917 ، وكذا الفاضل الآبي في كشف الرموز : 2 / 524 ، والعلاّمة في قواعد الأحكام : 2 / 238 ، والشهيد الثاني في الروضة البهية : 3 / 134 .
(الصفحة 435)
صديقاً له ، أو يعلم منه أنّ ذلك كان منه جهلا بالحكم الشرعي .
اللّهم إلاّ أن يقال : إنّ المراد من التهمة الواقعة في التعليل هي التهمة الشرعية الصادقة مع عدم التهمة العرفية أيضاً ، والدليل على ثبوت التهمة الشرعية هو الاجماع المزبور المؤيّد بالنبويّ ، المروي عن غير طرقنا الوارد في مقام الذمّ: ثم يجيء قَوم يتسمَّنون يحبّون السمن يعطون الشهادة قبل أن يسألوها(1) ، وآخر : ثم يفشو الكذب حتى يشهد الرجل وما يُستشهد(2) ومثل ذلك ، إلاّ أن يقال : لو كان المستند هو الإجماع لما كان هناك حاجة إلى قيام الاجماع على ثبوت التهمة الشرعية ثم ردّ الشهادة لأجل ذلك ، بل كان قيام الاجماع على الردّ مستقيماً كافياً في ذلك ، لكن الشأن مع ذلك كلّه في أصل انعقاد الاجماع; ولذا تردّد فيه في المتن . هذا كلّه بالنسبة إلى حقوق الآدميين .
وأمّا بالنسبة إلى حقوق الله تعالى والمصالح العالية كالأمثلة المذكورة في المتن، فالمشهور شهرة عظيمة القبول(3) ، بل لم يعرف الخلاف فيه إلاّ من الشيخ في بعض
كتبه(4) ، وإن وافق المشهور في البعض الآخر(5) وعلّل بأنّه لا مدّعي لها ، مع أنّه لو كان التبرّع مانعاً فيها لتعطّلت الحدود ، مع أنّ الناس خصوصاً في هذه الأزمنة لهم مشاغل كثيرة لا يمكن لهم نوعاً الانتظار وصرف الوقت ولو ساعة مثلا .
- (1) مسند أحمد : 7 / 193 ح19841 .
- (2) سنن ابن ماجة : 3 / 129 ح2363 .
- (3) راجع غاية المرام : 4 / 284 ، ورياض المسائل : 9 / 502 ، وجواهر الكلام : 41 / 106 .
- (4) النهاية : 330 .
- (5) أي في المبسوط ، على ما نقل عنه الفاضل الآبي في كشف الرموز : 2/524 ـ 525 ، ولكن لم نعثر عليه .
(الصفحة 436)مسألة 5 ـ النسب لا يمنع عن قبول الشهادة ، كالأب لولده وعليه والولد لوالده والأخ لأخيه وعليه ، وسائر الأقرباء بعضها لبعض وعليه ، وهل تقبل شهادة الولد على والده؟ فيه تردّد ، وكذا تقبل شهادة الزوج لزوجته وعليها وشهادة الزوجة لزوجها وعليه ، ولا يعتبر في شهادة الزوج الضميمة ، وفي اعتبارها في الزوجة وجه والأوجه عدمه ، وتظهر الفائدة فيما إذا شهدت لزوجها في الوصية ، فعلى القول بالاعتبار لا تثبت ، وعلى عدمه يثبت الرابع1.
وامّا الحقوق المشتركة بين الله وبين الناس كالسرقة لوجود القطع فيها والغرامة ، فالظاهر وان كان في بادئ النظر هو التبعيض فيها ، فيكون التبرّع بالشهادة مانعاً عن القبول في حق الناس دون حق الله ، إلاّ أنّه في المقام خصوصية تقتضي القبول ولو بالإضافة إلى حق الناس ، وهي أنّ الدليل على المنع في حق الناس على تقديره هو الاجماع ، وحيث أنّه من الأدلّة اللبّية فاللازم الاقتصار على القدر المتيقّن وهو حق الناس محضاً، فلايشمل الحق المشترك، مع أنّ ثبوت الاجماع أيضاً كان محلّ ترديد وكلام.
1 ـ النسب لا يمنع عن قبول الشهادة وإن كانت التهمة العرفية متحقّقة; لعدم الدليل على الكبرى كما عرفت ، فتجوز شهادة الأب لولده أو عليه والأخ كذلك وسائر الأقرباء كذلك ، مضافاً إلى قيام الدليل على الجواز في كثير من الموارد ، ففي صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن شهادة الوالد لولده ، والولد لوالده ، والأخ لأخيه؟ فقال : تجوز(1) .
وفي مضمرة سماعة قال: سألته عن شهادة الوالد لولده ، والولد لوالده ، والأخ
- (1) وسائل الشيعة : 27 / 368 ، كتاب الشهادات ب26 ح3 .