(الصفحة 203)مسألة 5: ثبوت الحقّ بشاهد ويمين إنّما هو فيما لا يمكن إثباته بالبيّنة ، ومع إمكانه بها لا يثبت بهما على الأحوط1.
ودعوى عدم جواز أخذ الدين المشترك إلاّ بإذن الجميع مدفوعة بالمنع بعد انحلال الدعوى إلى دعاوى ، وانحلال الدين إلى ديون متعدّدة ، بل عدم ثبوت الارتباط بين أجزاء الدين الواحد ، كما إذا أراد تأدية البعض دون الجميع.
ثانيهما: ما في الجواهر من الاشتراك إذا أجاز الشريك القبض، وإذا لم يجز يبقى على ملك الدافع(1) ، إذ ليس له تعيين حصّة الشركاء من الحقّ المشترك ، بل الأمر بيدهم ، وهو مستلزم للضرر على الحالف وغيره من أصحاب الحقّ في كثير من المقامات; لعدم إمكان أخذ حقّه بدون إذن الشريك .
هذه هي ما تقتضيه القاعدة في باب الشركة ، وإلاّ فهناك روايات لابدّ من ملاحظتها ، والتحقيق في كتاب الشركة إن شاء الله تعالى .
1 ـ لأنّ القدر المتيقّن من أدلّة الاكتفاء بالشاهد واليمين ـ بعد عدم ثبوت الاطلاق لها ـ صورة عدم إمكان إقامة البيّنة ولو لعسرها ، ويؤيّده مرسلة يونس عمّن رواه قال: استخراج الحقوق بأربعة وجوه: بشهادة رجلين عدلين ، فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ، فإن لم تكن امرأتان فرجل ويمين المدّعي ، فان لم يكن شاهد فاليمين على المدّعى عليه ، فان لم يحلف وردّ اليمين على المدّعي ، فهي واجبة عليه أن يحلف ويأخذ حقّه ، فإن أبى أن يحلف فلا شيء له(2) .
- (1) جواهر الكلام: 25 / 58 و ج40 / 286 .
- (2) الكافي: 7 / 416 ح3 ، التهذيب: 6 / 231 ح562 ، الوسائل: 27/ 241 ، أبواب كيفيّة الحكم ب7 ح4 وص271 ب15 ح1 .
(الصفحة 204)مسألة 6: إذا شهد الشاهد وحلف المدّعي وحكم الحاكم بهما ، ثمّ رجع الشاهد ضمن نصف المال1.
فالأحوط اللزومي لو لم يكن الأقوى هو ما في المتن .
1 ـ لأنّ الظاهر أنّ مستند القاضي في الحكم بنفع المدّعي كان مركّباً من أمرين: هما الشاهد واليمين ، فاذا رجع الشاهد عن شهادته يكون ذلك كرجوع أحد الشاهدين فيما إذا أقام البيّنة ، فكما أنّه هناك يكون ضامناً لنصف المال يكون في المقام أيضاً كذلك .
ودعوى أنّ اليمين بمنزلة الشرط والشاهد بمنزلة المشروط ، أو أنّ اليمين حيث تكون جزءً أخيراً من العلّة يكون هو المؤثّر التامّ ، فلا وجه لضمان الشاهد ، مدفوعة بظهور الأدلّة في أنّ المستند مركّب من الشاهد واليمين ، مع أنّ استلزام الأمرين لغير ضمان النصف ممنوع .
(الصفحة 205)
القول في السكوت
أو الجواب بقوله «لا أدري» أو «ليس لي» أو غير ذلك .
مسألة 1: إن سكت المدّعى عليه بعد طلب الجواب عنه ، فإن كان لعذر كصمم أو خرس أو عدم فهم اللّغة أو لدهشة ووحشة ، أزاله الحاكم بما يناسب ذلك ، وإن كان السكوت لا لعذر ، بل سكت تعنّتاً ولجاجاً أمره الحاكمُ بالجواب باللطف والرفق ، ثمّ بالغلظة والشدّة ، فإن أصرّ عليه فالأحوط أن يقول الحاكم له: أجب وإلاّ جعلتك ناكلا ، والأولى التكرار ثلاثاً ، فإن أصرّ ردّ الحاكم اليمين على المدّعي ، فإن حلف ثبت حقّه1.
1 ـ إذا سكت المدّعى عليه بعد طلب الجواب عنه ، فإن كان لعذر كصمم أو خرس أو عدم فهم اللغة وأمثاله ، أزاله الحاكم بما يناسب ذلك ، وإن كان السكوت لا لعذر ، بل لجاجاً وتعنّتاً ، ففيه أقوال مختلفة:
أحدها: ما هو المحكيّ عن المفيد(1) والشيخ في كتابي النهاية(2)
- (1) المقنعة: 725 .
- (2) النهاية: 342 .
(الصفحة 206)
والخلاف(1) وابن حمزة(2) ، بل هو المنسوب إلى كافّة المتأخّرين(3) من أنّه يحبس حتى يجيب .
ثانيها: أنّه يجبر على الجواب بالضرب والإهانة ، ولم يعرف قائله .
ثالثها: ما عن المبسوط(4) والسرائر(5) وبعض المتأخّرين(6) ، وتبعهم الماتن (قدس سره)احتياطاً من أنّ الحاكم يقول له ثلاثاً: إن أجبت وإلاّ جعلتك ناكلا ، ورددت اليمين على المدّعي ، فإن أصرّ ردّ اليمين على المدّعي ، وعن المبسوط: أنّه الذي يقتضيه مذهبنا وعن السرائر: أنّه الصحيح من مذهبنا وأقوال أصحابنا ، وعن القاضي: أنّه ظاهر مذهبنا(7) .
رابعها: ما عن بعضهم من التخيير بين الحبس والردّ(8) .
واستدلّ للقول الأوّل بأنّه مرويّ ، لكن عن جماعة عدم العثور على هذه الرّواية(9) ، واحتمل أن يكون المراد منها ما تقدّم من رواية «ليّ الواجد بالدّين
- (1) الخلاف: 6 / 238 مسألة 37 .
- (2) الوسيلة: 217 .
- (3) مسالك الأفهام: 13 / 466 ، مختلف الشيعة: 8 / 380 ، إيضاح الفوائد: 4 / 332 ـ 333 ، اللمعة الدمشقية: 51 ، كفاية الأحكام: 269 .
- (4) المبسوط: 8 / 160 .
- (5) السرائر: 2 / 163 .
- (6) مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 170 ـ 171 ، وليراجع قواعد الأحكام: 2 / 215 .
- (7) المبسوط والسرائر تقدّما آنفاً ، المهذّب: 2 / 586 .
- (8) لم أجده ، نعم نقله بعينه السيّد الخوانساري في جامع المدارك: 6 / 38 .
- (9) كالشيخ في الخلاف والشهيد الثاني في المسالك والأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان والسبزواري في كفاية الأحكام .
(الصفحة 207)
يحلّ عرضه وعقوبته»(1)، مع أنّ الظاهر أنّ المراد بالواجد هو المديون المسلّم الواجد لأداء المتمكن منه لاالمتمكّن من الجواب، مع أنّ إطلاق العقوبة لا ينحصر بالحبس.
ومنه يظهر أنّ سائر ما تقدّم من الروايات الدالّة على أنّ عليّاً (عليه السلام) كان يحبس في الدين إنّما يكون مورده المديون الذي أحرز كونه مديوناً ، لا من ادّعي عليه الدين والمديون المشكوك .
وربّما يستدلّ على هذا القول بأنّ الجواب واجب على المدّعى عليه ، والضرب والإهانة خلاف الأصل ، ولا دليل على إجراء حكم النكول هنا فيتعيّن الحبس ، وفيه ما لايخفى ، مع أنّ الحبس ربّما يوجب الضرر على المدّعي كما هو الظاهر .
واستدلّ للقول الثاني بأدلّة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على حسب مراتبهما ، حتى تنتهي إلى الضرب والإيذاء .
وفيه: أنّ الدليل لا يقتضي تعيّن الضرب والإهانة ، ويمكن أن يكون الحبس في بعض الموارد مؤثِّراً ولعلّه أهون .
وأمّا القول الثالث الذي قوّاه المرحوم السيّد في الملحقات(2) ، فقد استدلّ له بأنّ الإصرار على عدم الجواب نكول أو أولى منه; لأنّه امتناع عن أصل الجواب فضلا عن اليمين بعده .
وأورد عليه بعدم ورود لفظ النكول في شيء من الأخبار حتى يدور الحكم مداره ، أو ما هو أولى منه .
والتحقيق أن يقال:
- (1) أمالي الطوسي: 520 ح1146 ، الوسائل: 18 / 333 ، أبواب الدين والقرض ب8 ح4 .
- (2) ملحقات العروة الوثقى: 3 / 102 ـ 103 .