(الصفحة 265)
كانت المخاصمة مع المالك أو الأجنبي .
وأمّا الإشكال في شمول الأخبار لليد على المنافع فقد عرفت الجواب عنه ، وأنّ بعض الروايات واردة في خصوص المنفعة ، فلا فرق بين أن يكون المدرك الأخبار أو بناء العقلاء . نعم قد عرفت المناقشة في أصل اعتبار الإجماع في القاعدة ، بأنّه لا أصالة له ولا يكشف عن موافقة المعصوم (عليه السلام) .
ومن جملة موارد الخلاف ما أفاده الماتن (قدس سره) بقوله: بل الظاهر الحكم بملكية ما في يده ولو لم يعلم أنّه له الخ .
والوجه في الاستظهار المزبور إطلاق قوله (عليه السلام) في موثقة يونس المتقدّمة: «ومن استولى على شيء منه فهو له»، ولكنّه ربما يناقش في الاستدلال بها بأنّ الظاهر من هذه الرواية أنّه (عليه السلام) حكم في مقام مخاصمة الزوج مع الزوجة، بأنّ كلّ واحد منهما إذا كان مستولياً على شيء من متاع البيت فهو له ، فلا إطلاق لها يشمل صورة عدم التنازع وعدم وجود مدّع في البين .
ويدفع هذه المناقشة ـ مضافاً إلى أنّ المفروض في الرواية موت أحد الزوجين ، فلا معنى للمخاصمة بينهما ـ أنّه على تقدير التصحيح بأنّ المراد ورثة الميت لأحد الزوجين الحيّ ، لم يفرض في الرواية التخاصم والتنازع بوجه ، بل قد عرفت(1) أنّ ذيل الرواية يدل على قاعدة كلية وضابطة عامة، سواء كان مشتملا على كلمة «منه» أم لا ، وهي تشمل صاحب اليد أيضاً إذا لم يكن عالماً بالخلاف ، كما لايخفى .
نعم ربما يستدلّ على الخلاف بصحيحة جميل بن صالح المتقدّمة(2) ; لأنّه (عليه السلام)
- (1) في ص251 .
- (2) تقدّمت في ص253 ـ 254.
(الصفحة 266)
حكم فيها بالإضافة إلى ما وجده الرجل في داره من الدينار مع دخول الغير فيها بأنّه لقطة ، ومرجعه إلى عدم الاختصاص بالرجل صاحب البيت والدّار ، وأيضاً علّل (عليه السلام)كون ما وجده في الصندوق المختصّ له بما يفيد العلم بأنّه ليس لغيره; لعدم إدخال أحد يده فيه غيره ، وبموثقة إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا إبراهيم (عليه السلام)عن رجل نزل في بعض بيوت مكّة ، فوجد فيها نحواً من سبعين درهماً مدفونة، فلم تزل معه ولم يذكرها حتى قدم الكوفة كيف يصنع؟ قال: يسأل عنها أهل المنزل لعلّهم يعرفونها . قلت: فإن لم يعرفوها؟ قال: يتصدّق بها(1) .
نظراً إلى أنّه لاشك في أنّ الدراهم كانت في تصرّف أهل المنزل وتحت أيديهم ، ولو كانت يدهم حجّة لكان اللاّزم مع عدم المعرفة الردّ إليهم لا التصدّق بالدراهم، كما هو الظاهر .
أقول: أمّا الصحيحة فالظاهر عدم دلالتها على مرام المستدلّ; لأنّ الظاهر أنّ سؤال الإمام (عليه السلام) عن أنّه هل يدخل منزله غيره أم لا كان لأجل افتراق الصورتين في الحكم ، ضرورة أنّه لا مجال للاستفصال مع الإشتراك ، وحينئذ يستفاد أنّ دخول الغير منزل الرجل له دخل في الحكم بكون الدينار الذي وجده الرجل لقطة ولو لم يكن كذلك لم يكن كذلك ، بل هو لصاحب المنزل المستولي عليه ، ومن الظاهر أنّ الحكم باللقطة في الصورة الأولى إنّما هو لأجل أنّه مع دخول الغير، خصوصاً إذا كان الداخل كثيراً لا يكون للرجل استيلاء على المنزل ، خصوصاً مع كون المتعارف في الدراهم والدنانير أنّ لهما موضعاً مخصوصاً بعيداً عن
- (1) التهذيب: 6 / 391 ح1171 ، الوسائل: 25 / 448 ، كتاب اللقطة ب5 ح3 .
(الصفحة 267)
أيدي الداخلين وأنظارهم ، وهذا النحو من المنازل كثير كالدفاتر والمكاتب للمراجع مثلا ، كما أنّ التفصيل فيما لو وجد في صندوقه ديناراً بين ما يدخل أحد غيره يده فيه وبين غيره ، ليس لأجل أنّه مع عدم إدخال الغير يده فيه يحصل له العلم بكونه ملكاً له ، ضرورة أنّه قد يحصل له الشك وإلاّ لم يكن مجال للسؤال ، بل لأجل أنّه مع انحصار التصرّف في الصندوق به نفسه يكون هو المستولي فقط ، وأما مع إدخال الغير يده فيه الذي يكون كناية عن استيلاء الغير أيضاً لا يكون الاستيلاء له فقط .
وأمّا الموثقة فالظاهر أيضاً عدم تمامية الاستدلال بها; لأنّ بيوت مكّة في الموسم تكون أكثرها منزلا للحجّاج كما في هذه الأزمنة ، مع شدّة وكثرة عددها ، فكيف بالأزمنة السابقة؟ ومن المعلوم أنّ في تلك الأيّام لا يبقى لصاحب المنزل استيلاء على ما في منزله خصوصاً بالنسبة إلى الدراهم التي وجدها الرجل مدفونةً ، فإنّ الظاهر أنّه ليس المراد بالدفن إلاّ كونها مستورة تحت رماد ونحوه ، ممّا هو من آثار من دخل في المنزل قبل هذا الرجل ممّن هو مثله ، لأنّ الرجل المسافر لا يكون من شأنه الإقدام على حفر منزل غيره .
وبالجملة: فالحكم بالتصدّق مع عدم معرفة أهل تلك البيوت ليس لأجل عدم اعتبار يد المستولي بالنسبة إلى نفسه، بل لأجل عدم تحقّق الاستيلاء في مثله، فتدبّر.
بقي في أصل المسألة أمور ينبغي التعرّض لها:
أحدها: عدم اختصاص اعتبار اليد وحجّيته بالإضافة إلى الأعيان والمنافع ، بل يشمل الحقوق أيضاً، من دون فرق بين ما تعلّق منها بالأعيان المتموّلة، كحقّ الرهانة وحقّ التولية المذكور في المتن ونحوهما من الحقوق ، وبين ما تعلّق منها
(الصفحة 268)
بالأعيان غير المتمولة شرعاً، كحقّ الاختصاص المتعلّق بالخمر أو العذرة أو الميتة ، وقد عرفت في المنافع(1) أنّه لا فرق بين ما كان في مقابل ذي اليد مالك العين أو الأجنبي .
ودعوى أنّ أدلّة اعتبار اليد لا تشمل الحقوق وإن كانت شاملة للمنافع; لأنّ الحقوق أمور اعتبارية صرفة معتبرة عند العقلاء والشارع ، أو خصوص الشارع، بخلاف المنافع فإنّها ليست اعتبارية ، بل موجودة بتبع وجود العين ، غاية الأمر أنّ وجود المنافع تدريجي بخلاف وجود العين .
مدفوعة بأنّ مقتضى إطلاق أكثر أدلّة الاعتبار الشمول للحقوق ، وقوله (عليه السلام)في موثّقة يونس المتقدّمة: «ومن استولى على شيء منه فهو له»(2) لا يدلّ على الاختصاص بالعين أو المنفعة; لعدم ثبوت الملكية التي يدلّ عليها اللام في غيرهما ، وذلك مضافاً إلى ثبوت الملكية بالإضافة إلى الانتفاع في مثل العارية أيضاً ، أنّ الظاهر كون اللام للاختصاص الذي هو أعمّ من الملكية; وذلك لأنّ تخصيص متاع المرأة بالمرأة مع أنّه يمكن أن يكون عندها عارية لا ملكاً للمنفعة أو العين قرينة على المراد من اللام ، بل يمكن أن يقال بورود الرواية الواردة في الرحى المتقدّمة(3)في الحقوق دون المنافع ، لا أقل من أن يكون ترك الاستفصال في الجواب دليلا على العموم، فتدبّر .
ثانيها: لا يشترط في دلالة اليد على الملكية ونحوها اقتران الاستيلاء واجتماعها مع التصرّف المتوقّف على الملك مثلا ، فإنّك قد عرفت أنّ حقيقة الغصب هو
- (1) في ص263 ـ 264 .
- (2) الوسائل: 26 / 216، أبواب ميراث الأزواج ب8 ح3.
- (3) الوسائل: 25 / 431، كتاب إحياء الموات ب15 ح1.
(الصفحة 269)مسألة 2: لو كان شيء تحت يد وكيله أو أمينه أو مستأجره فهو محكوم بملكيته ، فيدهم يده ، وأما لو كان شيء بيد غاصب معترف بغصبيته من زيد ، فهل هو محكوم بكونه تحت يد زيد أم لا؟ فلو ادّعى أحد ملكيته وأكذب الغاصب في اعترافه يحكم بأنّه لمن يعترف الغاصب أنّه له ، أم يحكم بعدم يده عليه ، فتكون الدعوى من الموارد التي لا يد لأحدهما عليه؟ فيه إشكال وتأمّل ، وإن لا يخلو الأوّل من قوّة ، نعم الظاهر فيما إذا لم يعترف بالغصبية ، أو لم تكن
الاستيلاء على مال الغير عدواناً سواء كان مقروناً مع التصرف أم لا ، وأنّ المتّحد مع الصلاة في باب اجتماع الأمر والنهي هو التصرّف في الدّار المحرّم ، ولو لم يكن التصرّف مع الغصب وهنا قد عرفت(1) أنّ المستفاد من الأدلّة أنّ المعتبر والحجّة هو الاستيلاء الذي هو أمر اعتباري ولو بالإضافة إلى الغاصب بالنسبة إلى العين المغصوبة ، فإنّ الاستيلاء متحقّق والملكية غير معتبرة بوجه ، فمجرّد الاستيلاء في المقام دليل على الملكية ونحوها .
ثالثها: لا يعتبر في دلالة اليد على الملكية دعوى المالك إيّاها ، بل قد عرفت أنّ اليد معتبرة بالإضافة إلى المالك ، إذا كان شاكّاً في الملكية ، كالمال الذي يجده في الدار الاختصاصية.
نعم يعتبر عدم العلم بعدم الملكية; لأنّ غاية الأمر أنّ اليد أمارة ولا مجال للأمارة مع العلم بخلافها ، كما أنّه لا مجال لها مع العلم بوفاقها . وفي باب قاعدة اليد مباحث اُخرى مفصّلة ذكرناها في القواعد الفقهية فراجع ، وإن كان الماتن (قدس سره)سيتعرض لبعضها.