(الصفحة 54)الأعلم . ولو كان كلّ منهما مدّعياً من جهة ومنكراً من جهة اُخرى ، فالظاهر في صورة التساوي الرجوع إلى القرعة1.
1 ـ لو كان القاضيان متساويين في العلم لا مختلفين ، الذي عرفت أنّ مقتضى الاحتياط الوجوبي تعيّنه للمراجعة إليه ، وكان كلّ من المدعي والمنكر متمحّضاً في هذه الجهة بأن كان المدّعي مدّعياً فقط والمنكر منكراً كذلك ، واختار كلّ منهما حاكماً خاصّاً لرفع الخصومة مع تساويهما في العلم ، فقد نفى البعد في المتن عن تقديم اختيار المدّعي .
وعمدة المستند في ذلك الإجماع ، كما استدلّ به صاحب المستند فيما حكي عنه(1) ، وهو إنّما يتمّ على تقدير ثبوت الأصالة له ، بأن لا يكون مستند المجمعين بعض الوجوه الاعتباريّة التي أضافها المستدلّ إلى الإجماع ، مثل أنّه لم يطالب بالحقّ ولا حقّ لغيره أوّلا ، فمن طلب منه المدّعي استنقاذ حقّه يجب عليه الفحص ، فيجب اتّباعه ولا وجوب لغيره(2) .
واستشكل عليه السيّد في ملحقات العروة : بأنّ كون الحقّ له غيرمعلوم ، وإن أريد أنّ حقّ الدعوى له، حيث إنّ له أن يدّعي وله أن يترك، ففيه: أنّ مجرّد هذا لا يوجب تقديم مختاره، إذ بعد الدعوى يكون للآخر أيضاً حقّ الجواب، مع أنّه يمكن أن يسبق المدّعى عليه بعد الدعوى إلى حاكم، ويطلب منه تخليصه من دعوى المدّعي(3).
أقول : الظاهر تحقّق الإجماع وثبوت الأصالة له بعد أن لا يكون في المسألة نصّ ، ولا وجه آخر يصلح الاعتماد عليه . هذا ، وأمّا لو كان كلّ منهما مدّعياً من
- (1 ، 2) مستند الشيعة : 2 / 522 المسألة التاسعة (ط ق) .
- (3) ملحقات العروة الوثقى : 3 / 14 ـ 15 .
(الصفحة 55)مسألة 6 : إذا كان لأحد من الرّعية دعوى على القاضي ، فرفع إلى قاض آخر ، تسمع دعواه وأحضره ، ويجب على القاضي إجابته ، ويعمل معه الحاكم في القضيّة معاملته مع مدّعيه من التساوي في الآداب الآتية1.
جهة ومنكراً من جهة اُخرى ، كما إذا زوّجت الباكرة الرشيدة نفسها من رجل ، وزوّجها أبوها من آخر ، فتنازع الرجلان في زوجيّتها . أو تنازع اثنان فيما في يد ثالث يقول : بأنّه لا يكون ملكاً ، ولا يؤيّد أحدهما بالخصوص ، أو موارد اُخر تكون من هذا القبيل ، فلا محيص إلاّ القرعة التي هي لكلّ أمر مشتبه ، سيّما في الاُمور المالية التي هي حقّ الناس .
1 ـ ذكروا أنـّه إذا كان للحاكم منازعة مع غيره لا ينفذ حكمه لنفسه على ذلك الغير ، ولو بأن يوكّل غيره في المرافعة معه ترافعا إليه ، بل يلزم الرجوع إلى حاكم آخر بالإجماع وأخبار رجوع المتنازعين إلى من عرف أحكامهم ، ونظر في حلالهم وحرامهم(1) . فاللاّزم أن يكون الحاكم غيرهما . نعم له أن ينقل حقّه إلى غيره ، ثم يرجع ذلك الغير مع الخصم إليه ، فإنّه حينئذ ينفذ حكمه لذلك الغير وإن انتقل إليه بعد ذلك بإقالة ونحوها ، بل استظهر جواز ذلك وإن كان النقل إلى الغير بشرط الخيار لنفسه في الفسخ ، أي بشرط أن يكون الفسخ فسخاً من الحين لا من حين أصل الانتقال ، كما هو الظاهر .
وكذا لا ينفذ حكمه لمن له عليه ولاية خاصّة كالاُبوّة والوصاية; لأنّه هو المنازع في الحقيقة ، وإن وكّل غيره في المرافعة فترافعا إليه . وأمّا فيما لو كان له ولاية عامّة كالولاية على الأيتام والمجانين والغيّب وغيرهم ، ففي نفوذ حكمه لهم قولان : اختار
- (1) يراجع الوسائل : 27 / 136 ، أبواب صفات القاضي ب11 ح1 .
(الصفحة 56)مسألة 7 : يجوز للحاكم الآخر تنفيذ الحكم الصادر عن القاضي ، بل قد يجب ، نعم لو شكّ في اجتهاده أو عدالته أو سائر شرائطه لا يجوز إلاّ بعد الإحراز ، كما لايجوز نقض حكمه مع الشكّ واحتمال صدور حكمه صحيحاً ، ومع علمه بعدم أهليّته ينتقض حكمه1.
العلاّمة في محكيّ التحرير وتبعه صاحب الجواهر (قدس سره)النفوذ(1); لأنّ كلّ قاض وليّ اليتيم ، ولا فرق بينه وبين قاض آخر .
وأمّا الفرض المذكور في المتن فهو عبارة عن أنّه إذا رفع أحد الرعيّة التي تدّعي على القاضي المرافعة إلى قاض آخر، ثمّ أحضر القاضي الأوّل، فالواجب عليه الإجابة والحضور كآحاد من الناس ، ويعامل الحاكم الآخر معه معاملته مع مدّعيه في التساوي في الآداب من دون فرق ، كما ربّما يحكى أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام)حضر مجلس شريح القاضي كحضور أحد من الناس من دون تفاوت(2) . ولعلّ هذا من خصائص الإسلام ، الذي له أحكام خاصّة ومقرّرات مخصوصة سيّما في باب القضاء ، كما لايخفى .
1 ـ
أقول : بعدما عرفت في المسألة المفصّلة الثامنة المتقدّمة قبل القول في صفات القاضي وخصوصيّاته ، أنّه لا يجوز للمترافعين ـ بعد رفع التنازع والخصومة بسبب فقيه جامع للشرائط قاض على طبق موازين الشرع ـ الترافع إلى قاض آخر ، ولو كان كلاهما متوافقين على ذلك ، وأنّه لا يجوز للحاكم الثاني النظر فيه ونقضه إلاّ في بعض الموارد . وبعدما عرفت في المسألة الثالثة المتقدّمة في هذا الفصل ـ أنّه لابدّ
- (1) تحرير الأحكام : 2 / 181 ، جواهر الكلام : 22 / 333 وج40 / 377 .
- (2) حلية الأولياء : 4 / 139 ، تلخيص الحبير : 4 / 193 ح2105 ، المغني لابن قدامة : 11 / 444 .
(الصفحة 57)مسألة 8 : يجوز للقاضي أن يحكم بعلمه من دون بيّنة أو إقرار أو حلف في حقوق الناس ، وكذا في حقوق الله تعالى ، بل لا يجوز له الحكم بالبيّنة إذا كانت مخالفة لعلمه ، أو إحلاف من يكون كاذباً في نظره . نعم يجوز له عدم التصدّي
وأن تكون الشرائط المعتبرة في القاضي مجتمعة عند المترافعين ، ولا يكفي الثبوت عند أحدهما ، وظاهره كفاية الاجتماع لديهما ، وإن كان غيرَ واجد للشرائط عند آخرين ، بل والقضاة الاُخرى ـ يقع الكلام في أنّ الماتن (قدس سره)في طرح هذه المسألة ماذا يريد وماذا يهدف ويكون متعلّقاً لغرضه؟
والظّاهر أنّ مراده أن هنا عناوين ثلاثة : الحكم ، وإجراء الحكم ، وتنفيذ الحكم ، الذي هو أمر متوسّط بين الحكم والإجراء ، ويكون موجباً لأصل الإجراء أو قوّته أحياناً ، كما سيصرّح به في بعض المسائل الآتية . والمقصود هنا أنّ مرحلة التنفيذ ، التي ليست بحكم مستقلّ يجوز أن تصدر من الحاكم الآخر ، بل قد يجب ذلك . والظاهر أنّ مراده الوجوب فيما إذا كان إجراء الحكم الأوّل متوقّفاً عليه ، أو إذا كانت شرائط القاضي وصفاته الموجودة في القاضي الأوّل عند المترافعين وعنده مشكوكة لدى الناس بخلافه ، وإن كان يرد على الأوّل عدم وجوب المقدّمة عنده كما بيّنه في الاُصول ، وعلى الثاني أنّه لايوجب ذلك الاتّصاف بالوجوب بوجه .
ولايجوز للحاكم الثاني نقض حكم الحاكم الأوّل وإن كان شاكّاً في الاتّصاف بالشرائط حين الحكم; لجريان أصالة الصحّة الجارية في سائر الموارد مع الشكّ في وقوعها صحيحة أو فاسدة; لعدم الفرق . نعم مع العلم بعدم أهليّته يجوز له نقض حكمه ، بناءً على عدم كفاية الاعتبار عند المترافعين فقط ، كما هو المفروض .
(الصفحة 58)للقضاء في هذه الصورة مع عدم التعيّن عليه1.
مسألة 9 : لو ترافعا إليه في واقعة قد حكم فيها سابقاً يجوز أن يحكم فيها على طبقه فعلا ، إذا تذكّر حكمه ، وإن لم يتذكّر مستنده . وإن لم يتذكّر الحكم فقامت البيّنة عليه جاز له الحكم . وكذا لو رأى خطّه وخاتمه وحصل منهما القطع أو الاطمئنان به ، ولو تبدّل رأيه فعلا من رأي سابقه الذي حكم به جاز تنفيذ حكمه إلاّ مع العلم بخلافه ، بأن يكون حكمه مخالفاً لحكم ضروريّ أو إجماع قطعيّ ، فيجب عليه نقضه2.
1 ـ قد وقع التعرّض لهذه المسألة هنا ، وفي الّلواحقّ من مسائل حدّ الزنا المسألة الرابعة في كتاب الحدود ، حيث إنّا قد تعرّضنا لشرحها هناك بما لا مزيد عليه . وقد طبع كتاب الحدود في الأزمنة السّابقة فلا نرى وجهاً للإعادة ، واللاّزم الرجوع إليها ، نعم ينبغي التعرّض لاُمور ثلاثة :
الأوّل : أنّه لو كان الإمام المعصوم (عليه السلام) ـ إمّا بعنوان القاضي ، وإمّا بعنوان أحد المتداعيين ـ فهو خارج عن محلّ البحث .
الثاني : أنّه لا يجوز الحكم بالبيّنة إذا كانت مخالفة لعلمه ، بناءً على جواز أن يحكم القاضي بعلمه ، ولا إحلاف من يكون كاذباً في نظره .
الثالث : يجوز للقاضي العالم ـ إذا لم يشأ أن يحكم بعلمه ـ عدم التصدّي للقضاء في هذه الصورة إذا لم يكن القضاء متعيّناً عليه ، وإلاّ فيجب كما لايخفى .
2 ـ مقتضى ما أفاده في المسألة الثامنة قبل القول في صفات القاضي ، أنّه بعد حكم القاضي الواجد للشرائط عند المتخاصمين من أنّه لا يجوز الترافع إلى حاكم آخر ، عدم جواز الترافع إلى القاضي الأوّل ثانياً حتى مع تراضي الطرفين; لاتّحاد