(الصفحة 478)مسألة 4 ـ من حقوق الآدمي ما يثبت بشاهدين ، وبشاهد وامرأتين ، وبشاهد ويمين المدعي ، وبامرأتين ويمين المدّعي ، وهو كلّ ما كان مالا أو المقصود منه المال كالديون بالمعنى الأعم ، فيدخل فيها القرض وثمن المبيع والسلف وغيرها ممّا في الذّمة، وكالغصب وعقودالمعاوضات مطلقا، والوصية له والجناية التي توجب الدية ، كالخطأ وشبه العمد وقتل الأب ولده والمسلم الذمي ، والمأمومة والجائفة وكسر العظام ، وغير ذلك ممّا كان متعلّق الدعوى فيها مالا أو مقصوداً منها المال ، فجميع ذلك تثبت بما ذكر حتى بشهادة المرأتين واليمين على الأظهر1 ، وتقبل شهادتهنّ في النكاح إذا كان معهنّ الرّجل 2 .
ومن هذه الروايات يستفاد حكم شهادة النساء في الرّضاع وانّ شهادة النساء مقبولة فيه ، كما استقربه في المتن تبعاً للمحقّق في الشرائع(1) ، خلافاً لما عن الأكثر(2)من العدم ، إستناداً إلى مرسلة ، وهي أنّه لا تقبل شهادة النساء في الرضاع(3) ، وهي غير موجودة في الاُصول ، فلا ينبغي توهم الإنجبار فيها ، كما لايخفى .
1 ـ كذا في طبعة الآداب / النجف الأشرف وأيضاً في طبعة مؤسسة النشر الإسلامي بقم، ولكن في الطبعة الثالثة / بيروت 1401هـ توزيع دار التعارف: بشهادة المرأة واليمين على الأظهر.
2 ـ القسم الثاني من حقوق الآدمي ما يثبت بغير شاهدين عدلين ذكرين أيضاً ،
- (1) شرائع الإسلام : 4 / 921 .
- (2) الخلاف: 6 / 257 ـ 258 مسألة 9 ، المبسوط: 5 / 311 ، السرائر: 2 / 137 ، الجامع للشرائع: 543 ، تحرير الأحكام: 2 / 212 ، وفي مسالك الأفهام: 14/259 نسبه إلى الأكثر.
- (3) المبسوط : 8 / 175 .
(الصفحة 479)
بل يثبت بشاهد وامرأتين وبشاهد ويمين المدّعي ، وبامرأتين ويمين المدّعى ، وهو كلّ ما كان مالا أو المقصود منه المال ، ولا فرق في الأوّل بين الدين والعين ، وقد ورد في آية الدين قوله تعالى :
{وَاستَشهِدُوا شَهِيدَينِ مِن رِجَالِكُم فَاِن لَم يَكُونَا رَجُلَينِ فَرَجُلٌ وَامرَأتَانِ} الآية(1) ، كما أنّ الدين يشمل جميع الديون بالمعنى الأعم من القرض وثمن المبيع والسّلف وغيرها ممّا في الذمّة ، والعين تشمل الغصب وعقود المعاوضات مطلقاً وسائر الأمور المذكورة في المتن ، كما هو المشهور(2) .
ولكن بعض الأعلام(قدس سره) استقرب عدم الثبوت في مثل الغصب والوصية إليه والأموال ، نظراً إلى أنّه لا دليل على قيام المرأتين مقام رجل واحد في الموارد المزبورة ، ومقتضى الأصل العدم ، ولا وجه للتعدّي عن مورد الآية مع عدم القرينة على إلغاء الخصوصيّة ، ومعتبرة داود بن الحصين تدلّ على اختصاص الآية بالدين ، مضافاً إلى دلالة جملة من الروايات على عدم قبول شهادتهنّ مطلقا إلاّ فيما دلّ الدليل على اعتبارها(3) .
أقول : امّا معتبرة داود بن الحصين ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) فهي مشتملة على سؤال الراوي بعد حكمه (عليه السلام) بالفرق بين النكاح والطلاق ، بأنّه قال : فقلت : فأنّى ذكر الله تعالى قوله :
{فَرَجُلٌ وَامرَأتَانِ}؟ فقال : ذلك في الدين إذا لم يكن رجلان فرجل وامرأتان ، الحديث(4) .
- (1) البقرة 2 : 282 .
- (2) المبسوط : 8 / 172 ، الجامع للشرائع : 542 ، شرائع الإسلام : 4 / 921 ، قواعد الأحكام : 2 / 239 ، الدروس الشرعية : 2 / 137 ـ 138 .
- (3) مباني تكملة المنهاج : 1 / 126 مسألة 100 .
(الصفحة 480)
ومن الواضح أنّ الدين فيه في مقابل النكاح والطلاق لا في مقابل الأموال الآخر ، فلا دلالة لها على الاختصاص بالدين ، ولو بني على الاختصاص بالمورد لكان اللازم الالتزام بالاختصاص بما إذا وقع بينهما التداين والدين إلى أجل مسمّى ، فيختص بالقرض المؤجّل إليه ، مع أنّ لازمه الاختصاص بما إذا استشهد رجلين ، ولا يعمّ صورة عدم الاستشهاد ، ولا يقول بذلك أحد ظاهراً ، فإذا بني على عدم الاختصاص بخصوص المورد فأيّ فرق بين الدين والعين على ما هو المتفاهم عرفاً ، وعليه فالدليل على قبول شهادتهنّ في سائر الديون هو الدليل على القبول في سائر الموارد .
نعم ، لا مجال للتعدّي إلى غير الأموال خصوصاً بعد ظهور مثل آية الطلاق في لزوم كون الشاهدين ذكرين عادلين، قال الله تعالى:
{وَأشهِدُوا ذَوَي عَدل مِنكُم}(2) ، ويؤيّد ما ذكرنا مرسلة يونس ، عمّن رواه قال : استخراج الحقوق بأربعة وجوه : بشهادة رجلين عدلين ، فان لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ، فإن لم تكن امرأتان فرجل ويمين المدّعي ، فإن لم يكن شاهد فاليمين على المدّعى عليه ، الحديث(3) .
ثمّ إنّ هنا بعض الروايات الدالّة على إنحصار قبول شهادة النساء بالمنفوس والعذرة ، والمراد بالأوّل الولد وبالثاني البكارة ، ففي رواية عبدالله بن سنان قال : سألته عن امرأة حضرها الموت وليس عندها إلاّ امرأة أتجوز شهادتها؟ فقال : لاتجوز شهادتها إلاّ في المنفوس والعذرة(3) .
والظاهر أنّ المراد شهادة المرأة وحدها وعدم انضمام الرجل ولا مثل اليمين إليها،
- (1) الطلاق 65 : 2 .
- (2) وسائل الشيعة : 27 / 271 ، كتاب القضاء ، أبواب كيفية الحكم ب15 ح2 .
- (3) وسائل الشيعة : 27 / 357 ، كتاب الشهادات ب24 ح24 .
(الصفحة 481)
وإلاّ تكون مخالفة للكتاب المصرّح ولو في الدين بأنّه
{فَإنْ لَم يَكُونَا رَجُلَينِ فَرَجُلٌ وَامرَأتانِ} الآية ، ولجملة من الروايات الاُخر الدالّة على قبول شهادتهنّ في الموارد الاُخر ، مثل :
صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) المشتملة على قوله : قلت : تجوز شهادة النساء مع الرجل في الدين؟ قال : نعم (2).
والروايات المتكثرة الاُخر الدالّة على قبول شهادتهنّ في النكاح ، وفي الرجم وفي غيرهما ، بل ظاهر بعض الروايات قبول شهادتهنّ وحدهنّ في القتل ، ففي صحيحة جميل بن دراج ومحمد بن حمران ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قلنا : أتجوز شهادة النساء في الحدود؟ فقال : في القتل وحده ، إنّ علياً (عليه السلام) كان يقول : لا يبطل دم امرىء مسلم(3) .
وبالجملة : لا مجال لاحتمال اختصاص قبول شهادتهنّ بالمنفوس والعذرة .
فانقدح صحّة ما هو المشهور ـ وتبعه المتن ـ وعدم تمامية ما استقربه بعض الأعلام(قدس سره) من عدم الثبوت في غير الدين .
ثمّ إنّه قد تقدّم في كتاب القضاء في بحث «القول في الشاهد واليمين» أنّه لا إشكال في جواز القضاء في الديون بالشاهد الواحد ويمين المدّعي ، وعدم الحكم والقضاء بهما في حقوق الله تعالى ، كثبوت الهلال وحدود الله ، وأنّ الماتن(قدس سره) جعل الأشبه الاختصاص بالديون من بين حقوق الناس ، وأنّه لا يشمل مطلق الأموال أو ما يقصد بها كذلك ، وذكر أنّ المراد بالدين كلّ حقّ ماليّ في الذمة بأيّ سبب كان ،
- (2) وسائل الشيعة : 27 / 351 ، كتاب الشهادات ب24 ح2 .
- (3) وسائل الشيعة : 27 / 350 ، كتاب الشهادات ب24 ح1 .
(الصفحة 482)
فيشمل ما استقرضه وثمن المبيع ومال الإجارة ومهر الزوجة إذا تعلّق بالعهدة ، وجوّز القضاء فيها بشهادة امرأتين مع اليمين(1) .
فالذي هاهنا يغاير ما هناك في أمرين :
أحدهما : قبول الشهادة مع اليمين في جميع حقوق الناس من الأموال أو ما يقصد به المال ، فانّك عرفت أنّه هناك جعل الأشبه الاختصاص بالديون بالمعنى الأعم ، وظاهره هنا عدم الاختصاص .
ثانيهما : الإكتفاء بشهادة المرأة الواحدة مع اليمين واستظهاره الثبوت بها هنا ، وإن كان في بعض نسخ التحرير ذكر المرأتين مكان المرأة في الجملة الأخيرة من هذه المسألة(2) ، ولكن سياق العبارة يناسب مع ما هنا . مع أنّه لم يتقدّم منه ذلك ، بل ظاهره العدم كما لايخفى .
أقول : امّا بالإضافة إلى الأمر الأوّل فقد عرفت أنّ مورد آية الدين الدالّة على قيام المرأتين مقام الرجل وإن كان هو القرض إلى أجل مسمّى إلاّ أنّ الظاهر عدم اختصاص حكمها بالدين ولو بالمعنى الأعمّ; لأنه لو لم نقل بالتعدّي وإلغاء الخصوصية لكان اللازم التخصيص بما ذكر من القرض إلى أجل مسمّى ، ولم يقل به أحد لا المشهور ولا غيره ، وعليه فالحكم المذكور في آية الدين يشمل جميع الحقوق المالية من الدين وغيره .
وامّا في مسألة الاكتفاء بالشهادة واليمين فانّه وإن لم يمكن استفادة حكمها من الآية الشريفة; لدلالتها على قيام المرأتين مقام الرجل في مطلق الحقوق المالية ، ولم
- (1) كتاب القضاء من تفصيل الشريعة : 189 .
- (2) تحرير الوسيلة: 2/403 ـ 404 مسألة 4 ، ط : مؤسسة النشر الإسلامي بقم ، وكذا ط : مطبعة الآداب في النجف الأشرف ، 1387هـ .