(الصفحة 205)
القول في السكوت
أو الجواب بقوله «لا أدري» أو «ليس لي» أو غير ذلك .
مسألة 1: إن سكت المدّعى عليه بعد طلب الجواب عنه ، فإن كان لعذر كصمم أو خرس أو عدم فهم اللّغة أو لدهشة ووحشة ، أزاله الحاكم بما يناسب ذلك ، وإن كان السكوت لا لعذر ، بل سكت تعنّتاً ولجاجاً أمره الحاكمُ بالجواب باللطف والرفق ، ثمّ بالغلظة والشدّة ، فإن أصرّ عليه فالأحوط أن يقول الحاكم له: أجب وإلاّ جعلتك ناكلا ، والأولى التكرار ثلاثاً ، فإن أصرّ ردّ الحاكم اليمين على المدّعي ، فإن حلف ثبت حقّه1.
1 ـ إذا سكت المدّعى عليه بعد طلب الجواب عنه ، فإن كان لعذر كصمم أو خرس أو عدم فهم اللغة وأمثاله ، أزاله الحاكم بما يناسب ذلك ، وإن كان السكوت لا لعذر ، بل لجاجاً وتعنّتاً ، ففيه أقوال مختلفة:
أحدها: ما هو المحكيّ عن المفيد(1) والشيخ في كتابي النهاية(2)
- (1) المقنعة: 725 .
- (2) النهاية: 342 .
(الصفحة 206)
والخلاف(1) وابن حمزة(2) ، بل هو المنسوب إلى كافّة المتأخّرين(3) من أنّه يحبس حتى يجيب .
ثانيها: أنّه يجبر على الجواب بالضرب والإهانة ، ولم يعرف قائله .
ثالثها: ما عن المبسوط(4) والسرائر(5) وبعض المتأخّرين(6) ، وتبعهم الماتن (قدس سره)احتياطاً من أنّ الحاكم يقول له ثلاثاً: إن أجبت وإلاّ جعلتك ناكلا ، ورددت اليمين على المدّعي ، فإن أصرّ ردّ اليمين على المدّعي ، وعن المبسوط: أنّه الذي يقتضيه مذهبنا وعن السرائر: أنّه الصحيح من مذهبنا وأقوال أصحابنا ، وعن القاضي: أنّه ظاهر مذهبنا(7) .
رابعها: ما عن بعضهم من التخيير بين الحبس والردّ(8) .
واستدلّ للقول الأوّل بأنّه مرويّ ، لكن عن جماعة عدم العثور على هذه الرّواية(9) ، واحتمل أن يكون المراد منها ما تقدّم من رواية «ليّ الواجد بالدّين
- (1) الخلاف: 6 / 238 مسألة 37 .
- (2) الوسيلة: 217 .
- (3) مسالك الأفهام: 13 / 466 ، مختلف الشيعة: 8 / 380 ، إيضاح الفوائد: 4 / 332 ـ 333 ، اللمعة الدمشقية: 51 ، كفاية الأحكام: 269 .
- (4) المبسوط: 8 / 160 .
- (5) السرائر: 2 / 163 .
- (6) مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 170 ـ 171 ، وليراجع قواعد الأحكام: 2 / 215 .
- (7) المبسوط والسرائر تقدّما آنفاً ، المهذّب: 2 / 586 .
- (8) لم أجده ، نعم نقله بعينه السيّد الخوانساري في جامع المدارك: 6 / 38 .
- (9) كالشيخ في الخلاف والشهيد الثاني في المسالك والأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان والسبزواري في كفاية الأحكام .
(الصفحة 207)
يحلّ عرضه وعقوبته»(1)، مع أنّ الظاهر أنّ المراد بالواجد هو المديون المسلّم الواجد لأداء المتمكن منه لاالمتمكّن من الجواب، مع أنّ إطلاق العقوبة لا ينحصر بالحبس.
ومنه يظهر أنّ سائر ما تقدّم من الروايات الدالّة على أنّ عليّاً (عليه السلام) كان يحبس في الدين إنّما يكون مورده المديون الذي أحرز كونه مديوناً ، لا من ادّعي عليه الدين والمديون المشكوك .
وربّما يستدلّ على هذا القول بأنّ الجواب واجب على المدّعى عليه ، والضرب والإهانة خلاف الأصل ، ولا دليل على إجراء حكم النكول هنا فيتعيّن الحبس ، وفيه ما لايخفى ، مع أنّ الحبس ربّما يوجب الضرر على المدّعي كما هو الظاهر .
واستدلّ للقول الثاني بأدلّة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على حسب مراتبهما ، حتى تنتهي إلى الضرب والإيذاء .
وفيه: أنّ الدليل لا يقتضي تعيّن الضرب والإهانة ، ويمكن أن يكون الحبس في بعض الموارد مؤثِّراً ولعلّه أهون .
وأمّا القول الثالث الذي قوّاه المرحوم السيّد في الملحقات(2) ، فقد استدلّ له بأنّ الإصرار على عدم الجواب نكول أو أولى منه; لأنّه امتناع عن أصل الجواب فضلا عن اليمين بعده .
وأورد عليه بعدم ورود لفظ النكول في شيء من الأخبار حتى يدور الحكم مداره ، أو ما هو أولى منه .
والتحقيق أن يقال:
- (1) أمالي الطوسي: 520 ح1146 ، الوسائل: 18 / 333 ، أبواب الدين والقرض ب8 ح4 .
- (2) ملحقات العروة الوثقى: 3 / 102 ـ 103 .
(الصفحة 208)
أوّلا: أنّه لم يرد في شيء من الأخبار الصحيحة المتقدّم بعضها الواردة في مورد البينة واليمين ، إلاّ أنّ البيّنة على من ادّعى واليمين على من ادّعي عليه ، لا أنّ اليمين على من أنكر حتى يقال: بعدم دلالته على ثبوت اليمين في المقام; لأنّه لا يصدق عليه عنوان المنكر بعد إصراره على عدم الجواب رأساً ، ومن المحتمل أن لا يكون على فرض الجواب منكراً بل مقرّاً ، أو قائلا بمثل لا أدري .
ومن الواضح أنّ عنوان المدّعى عليه يصدق على الساكت المصرّ ، وإن كان مصرّاً على السكوت وعدم الجواب .
وثانياً: أنّ رواية عبد الرحمن بن أبي عبدالله المفصّلة المتقدّمة ، التي رواها المشايخ الثلاثة ، ربّما يستفاد منها صدراً وذيلا ثبوت الحقّ بمجرّد عدم حلف المدّعى عليه ، وعدم الحاجة إلى ردّ الحاكم أيضاً .
أمّا الصدر فقوله (عليه السلام) بناءً على نقل غير الصدوق: «وإن لم يحلف فعليه» يعني أنّه إن لم يتحقّق الحلف من المدّعى عليه فالحق يثبت عليه ، وهو ظاهر في عدم الرد على المدّعي لا من المدعى عليه ولا من الحاكم مطلقاً .
أمّا الذيل فقوله (عليه السلام): «ولو كان حيّاً لألزم باليمين ، أو الحقّ ، أو يردّ اليمين عليه»(1)فإنّ ظاهره أنّ المدّعى عليه يكون الثابت عليه أحد اُمور ثلاثة: من اليمين ، أو الحقّ ، أو ردّ اليمين على المدّعي ، فإذا لم يتحقّق الأوّل والثالث يتعيّن الثاني ، وظاهره عدم الحاجة إلى ردّ الحاكم أيضاً .
ودعوى ابتناء ذلك على كون قوله: «يردّ» بصيغة المبني للفاعل ، مع أنّه يحتمل
- (1) وسائل الشيعة: 27 / 236، أبواب كيفيّة الحكم ب4 ح1.
(الصفحة 209)أن يكون بصيغة المبني للمعفول ، فيدل على ردّ الحاكم ، مدفوعة بكونها خلاف مسألة 2: لو سكت لعذر من صمم أو خرس أو جهل باللسان توصل إلى معرفة جوابه بالإشارة المفهمة أو المترجم ، ولابدّ من كونه اثنين عدلين ، ولا يكفي العدل الواحد1.
الظاهر أوّلا ، مع أنّه على هذا التقدير لابدّ وأن يكون بصورة التأنيث، كما في صحيحة هشام، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: «تردّ اليمين على المدّعي»(1) .
وقد انقدح ممّا ذكرنا تعيّن هذا القول ، وأنّ الاحتياط المذكور في المتن هو الاحتياط الاستحبابي ، وإن كان ظاهر العبارة خلافه ، كما أنّه ظهر بطلان سائر الأقوال حتى القول الرّابع الذي لا دليل عليه بالخصوص .
1 ـ قال المحقّق في الشرائع: ولو استغلقت إشارته بحيث يحتاج إلى المترجم لم يكفِ الواحد ، وافتقر في الشهادة بإشارته إلى مترجمين عدلين(2) . ومن كلامه ظهر وجه الاحتياج إلى العادلين ، وأنّه من باب الشهادة التي يعتبر فيها التعدّد والعدالة ، ولكن ذكر في الجواهر: أنّه قد يحتمل في أصل الترجمة للفظ أنّها من قرائن الظنّ بالمراد به ، فلا تعتبر العدالة حينئذ فضلا عن التعدّد ، قال: فتأمّل والأمر سهل(3) .
وأنت خبير بأنّ أصالة الظهور التي يبتنى عليها كشف المراد تكون حجّة مطلقاً ولو لم يفد الظنّ الشخصي ، بل إذا كان الظنّ كذلك على خلافه ، بل حجيتها مطلقة ، غاية الأمر أنّه لابدّ من تشخيص الظهور ولو بمعونة القرينة ، فقوله: رأيت أسداً يرمي ظاهر في الرجل الشجاع ولو بسبب قرينة يرمي ، لكن المقام يرتبط
- (1) الكافي: 7 / 417 ح5 ، التهذيب: 6 / 230 ح560 ، الوسائل: 27/ 241 ، أبواب كيفيّة الحكم ب7 ح3 .
- (2) شرائع الإسلام: 4 / 875 .
- (3) جواهر الكلام: 40 / 211 .