(الصفحة 228)فلا إشكال في عدم حرمته1.
1 ـ الغرض من هذه المسألة بيان الحكم التكليفي للحلف بغيره تعالى ، ولو لم يكن في حال التخاصم والتنازع الذي يجري فيه فصل الخصومة ، كما إذا كان في مقام إثبات أمر أو ابطاله مثلا كما هو المتعارف بين الناس من الحرمة وعدمها ، وفيه وجهان بل قولان:
القول بالحرمة التي يترتّب على مخالفتها الإثمّ ، كما أسنده النراقي في محكي المستند إلى الأشهر بين الطائفة ، قال: بل قيل: إنّه مقتضى الإجماعات المنقولة . وصرّح به جماعة منهم المحقّق الأردبيلي(1) وصاحب المفاتيح(2) وشارحه(3) وبعض مشايخنا المعاصرين(4) ،(5) .
والقول بعدم الحرمة الذي اختاره صاحب الجواهر (قدس سره)(6) ،وتبعه مثل الماتن .
وقال المحقّق في الشرائع بعد الحكم بأنّه لا يُستحلف أحد ـ يعني في مقام القضاء ـ إلاّ بالله ولو كان كافراً ، وحكاية القول بأنّه لا يقتصر في المجوس على لفظ الجلالة بل يضمّ إلى هذه اللفظة الشريفة ما يزيل الاحتمال: ولا يجوز الإحلاف بغير أسماء الله سبحانه ، كالكتب المنزلة والرسل المعظمة والأماكن المشرّفة(7) ، واستظهر صاحب الجواهر من هذه العبارة ترتّب الاثم بذلك زائداً على عدم انقطاع
- (1) مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 175 ـ 178 .
- (2) مفاتيح الشرائع: 3 / 264 مفتاح 1165 .
- (3) لم نعثر عليه .
- (4) رياض المسائل: 9 / 321 ـ 323 .
- (5) مستند الشيعة: 2 / 603 .
- (6) جواهر الكلام: 40 / 228 .
- (7) شرائع الإسلام: 4 / 876 .
(الصفحة 229)
الدعوى(1) ، واستظهر صاحب المسالك أنّ المراد بعدم الجواز هنا بالنظر إلى الاعتداد به في إثبات الحقّ(2) ، أي في مقام الدعوى ، وهو الظاهر من العبارة خصوصاً من التعبير بالاحلاف لا بالحلف، كما لا يخفى .
وكيف كان ففي المسألة طائفتان من الأخبار:
إحداهما: الطائفة الظاهرة في المنع ، مثل: صحيحة محمد بن مسلم المتقدّمة الدالّة على أنّ لله عزّوجلّ أن يقسم من خلقه بما شاء ، وليس لخلقه أن يقسموا إلاّ به(3)وصحيحة الحلبي، عن الصادق (عليه السلام): لا أرى أن يحلف الرجل إلاّ بالله ، الحديث(4). ومقتضى إطلاقهما عدم جواز الحلف ولو في غير صورة التخاصم والمدّعي والمنكر ، بل في رواية نبويّة: مَن حلف بغير الله فقد أشرك(5)، وفي رواية عامّية عنه (صلى الله عليه وآله): فقد كفر أو أشرك(6) ، وفي ذيل رواية الحلبي: لو حلف الرجل بهذا وأشباهه لترك الحلف بالله .
الطائفة الثانية: الأخبار الدالّة على الجواز . وذكر في الجواهر أنّه يخطر في بالي وجود القسم في النصوص بغير الله تعالى شأنه(7) .
أقول: بل يوجد فيها ما يظهر منه أنّ الإمام (عليه السلام) قد حلف بغيره تعالى، مثل قرابته
- (1) جواهر الكلام: 40 / 227 .
- (2) مسالك الأفهام: 13 / 473 .
- (3) تقدّمت في ص222.
- (4) الكافي: 7 / 449 ح2، التهذيب: 8 / 278 ح1010، الوسائل: 22 / 343، كتاب الإيلاء باب3 ح2. وج23/260، كتاب الأيمان ب30 ح4.
- (5) عوالي اللآلي: 3 / 444 ح8 ، مستدرك الوسائل: 16 / 65 ، كتاب الأيمان ب24 ح3 .
- (6) السنن الكبرى للبيهقي: 14 / 452 كتاب الأيمان باب أسماء الله عزّوجلّ ثناؤه ح20394.
- (7) جواهر الكلام: 40 / 228 ، وليراجع وسائل الشيعة: 23 / 261 ، كتاب الأيمان ب30 ح6 و7 .
(الصفحة 230)
لرسول الله (صلى الله عليه وآله) فضلا عن القسم بغيره عنده (عليه السلام) ، ويؤيّد هذه الطائفة ما اعتمد عليه صاحب الجواهر (قدس سره) من سيرة المتشرّعة المستمرّة في جميع الأعصار والأمصار بين الخواص والعوام على الحلف بغير الله، مضافاً إلى قوله تعالى في سورة المائدة:
{جَهدَ أَيمَانِهِم}(1) حيث إنّه يشعر بوجود أيمان بغيره تعالى ، ولو أغمض عن السيرة يكون مقتضى الجمع هو حمل الطائفة الأولى على الكراهة كما في سائر المقامات ، ويدلّ على هذا الجمع التعليل المتقدّم في رواية الحلبي، بأنّه يوجب ترك الحلف بالله تعالى ، وكذا التعبير في النبويّين، بأنّه شرك أو كفر ، مع ملاحظة عدم ثبوت الشرك أو الكفر الحقيقي بعد ملاحظة أنّ القسم بغير الله لا يستلزم جعل الغير في عرض الله ، الذي ليس كمثله شيء ، فإنّ القسم بالرسول (صلى الله عليه وآله) مثلا كيف يكون كذلك ، فلابدّ من الحمل على الكراهة .
بقي الكلام في هذه المسألة في أمرين:
أحدهما: لو كان الحلف بغير الله بمثل العتاق والطلاق والبراءة ، فالمحكي عن الشهيدين في الدروس والروضة أنّه حرام قطعاً(2) ، وفي محكي التحرير الذي هو قبل الشهيدين: لا يجوز الإحلاف بشيء من ذلك; لأنّه بدعة ، وكذا لا يجوز الحلف بالقرآن، ولا بالبراءة من الله تعالى، ولا من رسوله (صلى الله عليه وآله)، ولا من أحد من الأئمّة(عليهم السلام)ولا من الكتب المنزلة ، ولا يجوز الحلف بالكفر ولا بالعتق ولا بالطلاق(3) . والوجه فيه إن كان هو البدعة فالمحرم عنوانها ، ولا يكاد يسري الحكم من متعلّقه إلى
- (1) سورة المائدة 5: 53 .
- (2) الدروس الشرعيّة: 2 / 96 ، الروضة البهيّة: 3 / 94 .
- (3) تحرير الأحكام: 2 / 190 ، المطلب الثالث .
(الصفحة 231)مسألة 5: حلف الأخرس بالإشارة المفهمة ، ولا بأس بأن تكتب اليمين في لوح ويغسل ويؤمر بشربه بعد إعلامه ، فإن شرب كان حالفاً ، وإلاّ ألزم بالحقّ ،
مصاديقه ، أو ما هو متحد مع المتعلق في الخارج، كما هو المحقّق في محلّه ، وإن كان شيئاً آخر فهو غير معلوم، كما لايخفى .
ثانيهما: أنّه ذكر في المتن إنّ مثل قوله: سألتك بالقرآن أو بالنبيّ (صلى الله عليه وآله) وأمثالهما لا إشكال في عدم حرمته ، والوجه فيه كما أفاده السيد (قدس سره) في الملحقات: أنّه لا يكون حلفاً بل استشفاع وتوسيط(1) ، ومن الواضح أنّه لا يكون حراماً فضلا عن أن يكون شركاً ، كما توهّمته الفرقة الضالّة المنحرفة الجاهلة الوهابية ، حيث ينسبون الشرك الخفي إلى الشيعة الاثني عشريّة ، مع أنّ تجليلهم لأئمّتهم(عليهم السلام) إنّما هو لكونهم عباد الله المخلصين الصالحين ، وهم محبوبون للرّب لأجل ذلك ، كما تصرّح بذلك ذيل الزيارة الجامعة الكبيرة المشتملة على قوله: «اللهمّ إنّي لو وجدت شفعاء أقرب إليك من محمّد وأهل بيته الأخيار الأئمّة الأبرار لجعلتهم شفعائي»(2) ، وغير ذلك من الموارد ، فكيف يجوّز الوهّابي الجاهل أن ينسب إلى الشيعة ما هم بُراء منه ، بل يعارضوه أشدّ المعارضة .
ولعمري إنّ التعصّب الموجب للانحراف صار مانعاً عن الوصول إلى حقيقة هذا المذهب ، أو أنّ الجهالة تمنع عن ذلك ، أو أن السياسة الخبيثة صارت سبباً لعدم اتّضاح الحقّ ، كما أنّها صارت سبباً لحدوث مذهب الوهابية البعيد عن أصل الإسلام بمراحل جدّاً ، وهذا أقرب إلى الصواب كما لايخفى .
- (1) ملحقات العروة الوثقى: 3 / 201 ذ مسألة 2 .
- (2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): 2 / 277 ، بحار الأنوار: 102 / 133 .
(الصفحة 232)ولعلّ بعد الاعلام كان ذلك نحو إشارة ، والأحوط الجمع بينهما1.
1 ـ وقع الإشكال في حلف الأخرس من جهة أنّ المشهور كما في سائر الموارد قيام إشارته مقام اللفظ ، مثل التكبير والتلبية وغيرهما ، ومن جهة ورود رواية صحيحة في هذا المقام ، وهي رواية محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام)عن الأخرس ، كيف يحلف إذا ادعي عليه دين وأنكره ، ولم يكن للمدّعي بيّنة؟ فقال: إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) اُتي بأخرس فادّعي عليه دين ، ولم يكن للمدّعي بيّنة . فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): الحمد لله الذي لم يخرجني من الدنيا حتى بيّنت للاُمّة جميع ما تحتاج إليه ، ثمّ قال: ائتوني بمصحف ، فأُتي به ، فقال للأخرس: ما هذا؟ فرفع رأسه إلى السّماء وأشار أنّه كتاب الله عزّوجلّ ، ثمّ قال: ائتوني بوليّه ، فاُتي بأخ له فأقعده إلى جنبه .
ثمّ قال: يا قنبر عليّ بدواة وصحيفة ، فأتاه بهما ، ثمّ قال لأخي الأخرس: قل لأخيك هذا بينك وبينه أنّه عليّ ، فتقدّم إليه بذلك ، ثمّ كتب أمير المؤمنين (عليه السلام): والله الذي لا إله إلاّ هو عالم الغيب والشهادة ، الرحمن الرحيم ، الطالب الغالب ، الضارّ النافع ، المهلك المدرك ، الذي يعلم السّر والعلانية ، إنّ فلان بن فلان المدّعي ليس له قبل فلان بن فلان ، أعني الأخرس حقّ ولا طلبة بوجه من الوجوه ، ولا بسبب من الأسباب ، ثمّ غسله وأمر الأخرس أن يشربه ، فامتنع ، فألزمه الدّين(1) .
هذا ، ولم يناقش أحد في سند الرواية في نفسها ، وأمّا دلالتها ، فالمحكي عن التحرير أنّها قضية في عين فلا تعدّى(2) ، أي لا يجوز التعدي عن نفس تلك الواقعة
- (1) التهذيب: 6 / 319 ح879 ، الفقيه: 3 / 65 ح218 ، الوسائل: 27 / 302 ، أبواب كيفيّة الحكم ب33 ح1 .
- (2) تحرير الأحكام: 2 / 191 .