(الصفحة 68)يدّعي أداء الأمانة أو الدين ، فيلقّنه الإنكار ، وكذا لا يجوز أن يعلّمه كيفيّة الاحتجاج وطريق الغلبة ، هذا إذا لم يعلم أنّ الحقّ معه ، وإلاّ جاز كما جاز له الحكم بعلمه ، وأمّا غير القاضي فيجوز له ذلك مع علمه بصحّة دعواه ، ولا يجوز مع علمه بعدمها ، ومع جهله فالأحوط التّرك1.
1 ـ إن قلنا بوجوب التسوية في الأمر الأوّل ، فعدم الجواز في هذا الأمر الثاني يكون بطريق أولى ، فإنّه إذا لم يجز للقاضي النظر بغير المساوي إلى الخصمين ، فعدم جواز التلقين المذكور في المتن إنّما يكون بنحو الأولويّة . وأمّا إذا قلنا في الأمر الأوّل : بعدم الوجوب; لأنّه لا دليل عليه كما اخترناه فيه ، فيشكل الأمر في عدم الجواز الشرعي في هذه الصّورة خصوصاً بعد عدم رواية ولا نصّ عليه ، كما يستفاد من تعليل المحقّق (قدس سره) في الشرائع ، حيث إنّه علّله بأنّ ذلك يفتح باب المنازعة وقد نصب لسدّها(1) ، ويرد عليه أنّه إن لم يكن إجماع ، ما الدليل على حرمة ذلك ، خصوصاً بعد انتهاء القضيّة إلى حكم القاضي الرافع للتنازع والخصومة ، وخصوصاً بعد إمكان اندراجه في تعليم محاورات الشرع؟
هذا كلّه مع عدم علم القاضي بالواقعة ، وأنّ الحقّ مع الذي يلقّنه ، وإلاّ فكما يجوز للحاكم الحكم بعلمه ـ كما عرفت في بعض المسائل المتقدّمة ، من دون فرق بين حدود الله وحقوق الناس خلافاً لجملة آخرين ـ يجوز تعليمه ليصل إلى حقّه مع فرض وجود المانع عن الحكم بالعلم ، كشدّة التّهمة ونحوها .
وأمّا غير القاضي فإن كان عالماً بصحّة دعواه يجوز له ذلك أي التعليم والتلقين ، كما أنّه إذا كان عالماً بعدم صحّة دعواه لا يجوز له ذلك; لأنّه من باب التعاون على
- (1) شرائع الإسلام : 4 / 870 .
(الصفحة 69)الثالث : لو ورد الخصوم مترتّبين بدأ الحاكم في سماع الدعوى بالأوّل فالأوّل إلاّ إذا رضي المتقدّم تأخيره ، من غير فرق بين الشريف والوضيع والذكر والاُنثى ، وإن وردوا معاً أو لم يعلم كيفيّة ورودهم ولم يكن طريق لإثباته يقرع بينهم مع التشاحّ1.
الإثم والعدوان المحرّمين بمقتضى الآية الشريفة(1) . وأمّا إذا كان جاهلا بالصحّة وعدمها ، فمقتضى القاعدة في الشبهة التحريميّة المصداقيّة ، وإن كان هو الجواز عقلا إلاّ أنّه مع ملاحظة القول بعدم الجواز ، وكون القضاء الإسلامي لابدّ لكلّ أحد وأن يحفظ في مقامه العالي والرتبة الشامخة ، يكون مقتضى الاحتياط الترك ، كما في المتن .
1 ـ قال المحقّق في الشرائع : في الفرض الأخير : فإن وردوا جميعاً قيل : يقرع بينهم ، وقيل : يكتب أسماء المدّعين ، ولا يحتاج إلى ذكر الخصوم ، وقيل : يذكرهم أيضاً لتحضر الحكومة معه ، وليس بمعتمد ، ويجعلها تحت ساتر ، ثمّ يخرج رقعة رقعة ويستدعي صاحبها . وقيل : إنّما تكتب أسماؤهم مع تعسّر القرعة بالكثرة(2) .
أقول : لو لم نقل بوجوب التسوية بين الخصمين في الاُمور المذكورة في الأمر الأوّل كما اخترناه ، لا يكون هناك دليل على وجوب البدءَة في سماع الدعوى بالأول فالأوّل فيما إذا ورد الخصوم مع التعاقب ، ولا على وجوب القرعة فيما إذا وردا جميعاً ، أو لم يعلم كيفيّة ورودهم . فإنّ إطلاق الأمر بالحكومة للحاكم لايقتضي إلاّ التخيير في المقام ، وإن كانت الحكومة واجبة بالوجوب العيني أو الكفائي .
- (1) وهي قوله تعالى في سورة المائدة 5 : 2 (وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ).
- (2) شرائع الإسلام : 4 / 871 .
(الصفحة 70)الرّابع : لو قطع المدعى عليه دعوى المدّعي بدعوى لم يسمعها حتّى يجيب عن دعوى صاحبه ، وتنتهي الحكومة ، ثم يستأنف هو دعواه إلاّ مع رضا المدّعي الأوّل بالتقديم1.
نعم هنا شبهة الإجماع على لزوم البدأة بالأوّل فالأوّل ، أو القرعة في الفرض الثاني ، وأدلّة القرعة لا دلالة لها على الوجوب خصوصاً في مورد الورود جميعاً بلا تقدّم وتأخّر .
نعم لو قلنا : بوجوب التسوية في الأمر الأوّل لأمكن أن يقال : باللزوم في هذا الأمر بطريق أولى على تأمّل ، كما لايخفى .
وكيف كان فالمستفاد من عبارة الشرائع المتقدّمة أنّ القرعة أمر وكتابة أسمائهم أمر آخر وأنّه لا ينتقل إلى الثاني إلاّ مع تعسّر القرعة بالكثرة ، كما هو مقتضى القول الأخير من الأقوال المذكورة فيها . والظاهر أنّ النظر بالطريق المتعارف في القرعة وهو وضع الرقاع في بنادق من طين ونحوه ، وإلاّ فالظاهر أنّ كتابة الأسماء بالنحو المذكور فيها هي أيضاً قسم من القرعة ، وأنّه لا يكون لها كيفيّة مخصوصة; ولعلّه لأجل ذلك لم يذكر للقرعة طريقاً مخصوصاً في المتن ، كما لا يخفى .
وممّا ذكرنا ظهر أنّه كان ينبغي له أن يذكر كلمة «الخصمين» مقام الخصوم في الأمر الأوّل . وأمّا الخصوم فيناسب هذا الأمر .
1 ـ لو قطع المدّعى عليه دعوى المدّعي بدعوى ، فتارة تكون تلك الدعوى مرتبطة بنفس الواقعة التي يكون هو فيها منكراً والآخر مدّعياً ، واُخرى مرتبطة بواقعة اُخرى ، بحيث تكون هناك واقعتان يكون في الاُولى منكراً و في الثانية
(الصفحة 71)الخامس : إذا بدر أحد الخصمين بالدعوى فهو أولى ، ولو ابتدرا معاً يسمع من الذي على يمين صاحبه ، ولو اتّفق مسافر وحاضر فهما سواء ما لم يستضرّ أحدهما بالتأخير ، فيقدّم دفعاً للضرر ، وفيه تردّد1.
مدّعياً . لا إشكال في عدم سماع دعواه في صورة القطع ما دام لم يجب عن دعوى صاحبه في الواقعة الاُولى ، وعدم انتهاء الحكومة فيه; لأنّه لها حقّ السّبق . نعم في صورة رضا المدّعي الأوّل بالتقديم ، ورفع اليد عن الدعوى الاُولى فعلا يجوز التقديم . أمّا في صورة عدم الرّضا تكون النوبة له كما لايخفى .
وأمّا في صورة عدم تعدّد الواقعة ، ففرض المسألة إنّما هو في صورة تحوّل المنكر مدّعياً ، كما إذا ادّعى زيد أنّ له عند عمرو أمانة ، وقال عمرو ابتداءً ما يكون لك عندي أمانة ، فهذا المقدار يوجب كون عمرو منكراً لما ادّعاه زيد . أمّا إذا قطع دعواه وادّعى أداء الأمانة إليه في يوم كذا ومكان كذا وساعة كذا يصير عمرو مدّعياً; لأنّه مع قبول ثبوت الأمانة عنده يدّعي أداءَها ، والأصل عدم الأداء وبقاء الأمانة عنده .
فهذه الصورة يجيء حكمها في بعض المسائل الآتية ، والظاهر عدم كون شمول العبارة مقصوداً للماتن (قدس سره)كما لايخفى .
1 ـ في صورة مبادرة أحد الخصمين بالدعوى يكون حقّ الأولويّة له من دون فرق بين أن يكون مدّعياً أو منكراً ، ومجرّد كون أحدهما مدّعياً لا يوجب ثبوت هذا الحقّ له بوجه .
وأمّا في صورة الابتداء معاً ، فظاهر المتن أنّه يسمع من الذي على يمين صاحبه . والعمدة هنا بعض الروايات الصحيحة ، وإن حكي الإجماع عليه عن السيّد
(الصفحة 72)
المرتضى والشيخ الطوسي (قدس سرهما) مثلا(1) .
صحيحة عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام)قال : إذا تقدّمت مع خصم إلى وال أو إلى قاض فكن عن يمينه ـ يعني يمين الخصم ـ(2) .
وصحيحة محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يقدّم صاحب اليمين في المجلس بالكلام(3) .
هذا ، ولكن دلالة الروايتين مخدوشة; لأنّ في الأولى ـ مضافاً إلى ذكر الوالي مع القاضي ، والظاهر كون القاضي من قضاة الجور ، وإلى عدم انطباقها على المدّعى; لأنـّه عبارة عن سماع القاضي دعوى من على يمين صاحبه ، والرواية آمرة بالكون عن يمينه ـ عدم وضوح كون الضمير في «يمينه» راجعاً إلى الخصم ، بل إلى الوالي أو القاضي . والتفسير المذكور ليس من الإمام (عليه السلام) ، أو لا يعلم كونه منه .
والرواية الثانية ـ مضافاً إلى الظهور في كون المراد يمين المتكلّم ـ لا دلالة لها على مسألة القضاء بوجه ، والإطلاق بحيث يشمل مجلس القاضي مشكل .
وكيف كان فلم ينهض دليل قويّ على ما أفاده في المتن ، وإن لم ينقل الخلاف فيه من أحد من علمائنا الإماميّة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ، وإن كان يظهر من محكيّ المبسوط أنّ لهم فيه أقوالا مختلفة :
القول بالقرعة .
والقول بتقديم الحاكم من شاء .
- (1) الإنتصار : 495 ، النهاية : 338 .
- (2) الفقيه : 3 / 7 ح8 ، الإنتصار : 496 ، التهذيب : 6 / 227 ح548 ، الوسائل : 27 / 218 ، أبواب آداب القاضي ب5 ح1 .
- (3) الفقيه : 3 / 7 ح25 ، الإنتصار : 495 ، الوسائل : 27 / 218 ، أبواب آداب القاضي ب5 ح2 .