(الصفحة 34)مسألة 7 : قيل : من لا تقبل شهادته لشخص أو عليه لا ينفذ حكمه كذلك ، كشهادة الولد على والده ، والخصم على خصمه ، والأقوى نفوذه ، وإن قلنا بعدم قبول شهادته1.
وهنا شبهة
وهو أنّ المفروض الثلاثة وإن كانت مختلفة من جهة الحكم بالباطل والحكم بالحقّ كما عرفت ، وفي الجواز بالإضافة إلى الدافع وعدمه ، إلاّ أنّها مشتركة في حرمة الأخذ بالنسبة إلى الحاكم والقاضي ، وعليه فيخرج القاضي عن العدالة بسبب ذلك بعد أن كانت مرتّبة الحرمة عالية بالغة حدّ الكفر والشرك، ومع الخروج عن العدالة لا يصير حكمه نافذاً ، وإن كان بالحقّ فضلا عمّا إذا كان باطلا، وهو عالم ببطلانه، فهو أيضاً سبب لعدم العدالة وإن كان حاصلا بنفس الحكم. وعليه فكيف يتوصّل الرّاشي إلى مقصوده من الحكم له بالباطل أو مطلقاً؟ نعم لو تاب بعد الأخذ ثمّ حكم بالحقّ بعد التّوبة صحّ ونفذ ، ولكن لا تحصل التوبة في مثل ذلك من حقوق الناس، إلاّ برفع اليد عنها والاداء إلى صاحبها عيناً أومثلا أوقيمة مع التمكن.
والأولى أن يقال : إنّ الحكم الذي يريد الراشي التوصّل إليه ليس هو الحكم الشرعي ، بل العرفيّ العقلائيّ المجتمع مع وجود الشرائط .
1 ـ القائل هو المحقّق في الشرائع وعبارته هكذا : كلّ من لا تقبل شهادته لا ينفذ حكمه ، كالولد على الوالد ، والعبد على مولاه ، والخصم على خصمه . ويجوز حكم الأب على ولده وله ، والأخ على أخيه وله(1) . وقد علّله في الجواهر بأنّه شهادة
- (1) شرائع الإسلام : 4 / 864 ، المسألة الحادية عشرة .
(الصفحة 35)مسألة 8 : لو رفع المتداعيان اختصامهما إلى فقيه جامع للشرائط ، فنظر في الواقعة وحكم على موازين القضاء ، لا يجوز لهما الرفع إلى حاكم آخر ، وليس للحاكم الثاني النظر فيه ونقضه ، بل لو تراضى الخصمان على ذلك
وزيادة ، فيشترط في نفوذه ما يشترط في نفوذ الشهادة في الطرفين أو أحدهما ، وحينئذ لايقبل حكم الخصم على خصمه ، ويقبل له مع عدم منافاة الخصومة للعدالة .
وأورد عليه بأنّه إن تمّ إجماعاً كان هو الحجّة ، وإلاّ كان للنظر فيه مجال ، ضرورة إمكان منع كون الحكم شهادة على وجه يلحقه حكمها المعلّق عليها من حيث كونها شهادة(1) .
ويؤيّده اختلاف القاضي والشاهد في الشرائط المعتبرة فيهما في غير هذا المورد كالرجوليّة والانوثيّة والاجتهاد وعدمه .
وبالجملة : النسبة بين الشرائط عموم وخصوص من وجه; ولأجلها لا يمكن دعوى الأولويّة أيضاً . لكن الذي يوجب الريب والشكّ عدم إشعار كلامه بكون المسألة اختلافيّة ، بل أرسلها إرسال المسلّمات ، وكذا حكي عن الشهيد الثاني صاحب المسالك(2) ، والدليل الوحيد المحتمل هو الإجماع ، والظاهر عدم تحقّقه أيضاً; لأنّه حكى عن بعضهم اختصاص المنع بقاضي التحكيم ، والتحقيق ما أفاده في المتن من أنّه لا يكون عدم قبول شهادتهم بمحرز ، وعلى تقديره لا ملازمة بين الشهادة وبين الحكم .
- (1) جواهر الكلام : 40 / 71 .
- (2) مسالك الأفهام : 13 / 363 ـ 364 .
(الصفحة 36)فالمتّجه عدم الجواز . نعم لو ادّعى أحد الخصمين بأنّ الحاكم الأوّل لم يكن جامعاً للشرائط ـ كأن ادعى عدم اجتهاده أو عدالته حال القضاء ـ كانت مسموعة ، يجوز للحاكم الثاني النظر فيها ، فإذا ثبت عدم صلوحه للقضاء نقض حكمه ، كما يجوز النقض لو كان مخالفاً لضروري الفقه بحيث لو تنبّه الأوّل يرجع بمجرّده لظهور غفلته . وامّا النقض فيما كان نظرياً اجتهادياً فلا يجوز ، ولا تسمع دعوى المدعي ولو ادّعى خطأه في اجتهاده1.
1 ـ قال المحقّق في الشرائع : ليس على الحاكم تتبّع حكم من كان قبله ، لكن لو زعم المحكوم عليه أنّ الأوّل حكم عليه بالجور لزمه النظر فيه(1) .
أقول : لو رفع التنازع والتخاصم بعد رفع الأمر إلى الحاكم الأوّل ، الذي يكون واجداً للشرائط باعتقاد المتخاصمين ، ونظره في الواقعة ، وحكمه على طبق موازين القضاء الشرعي ، لا يجوز لهما رفع هذا النزاع إلى الحاكم الشرعي الثاني; لعدم كون دعواه مسموعة بعد الحكم له أو عليه .
كما أنّه لا يلزم على الحاكم الثاني النظر في الواقعة ، ونقض حكم الحاكم الأوّل; لأنّ حكم الأوّل محمول على الصحّة بمقتضى أصالتها ، هذا ولكن أصالة الصحّة الشرعيّة المجعولة في موارد يكون مقتضى الاستصحاب عدمها من دون فرق بين باب المعاملات بالمعنى الأعمّ ، والمعاملات بالمعنى الأخصّ ، بل وحتى العبادات التي تكون مشكوكة الصحّة إنّما يكون أثرها عدم لزوم ترتيب آثار الفساد .
وأمّا لزوم ترتيب آثار الصحّة بحيث لم يكن ترتيب آثار الفساد بجائز فلا ، فلا يجب عقد جديد في النكاح الذي يشك في صحّته مع وقوعه سابقاً . وامّا حرمة
- (1) شرائع الإسلام : 4 / 867 .
(الصفحة 37)مسألة 9 : لو افتقر الحاكم إلى مترجم لسماع الدعوى أو جواب المدعى عليه أو الشهادة يعتبر أن يكون شاهدين عدلين1.
إيجاد عقد جديد واجد للشرائط والخصوصيّات المحتملة مثلا فلا ، ومنه يظهر أنّ تعبير المحقّق الظاهر في عدم اللزوم أنسب من تعبير الماتن الظاهر في عدم الجواز .
نعم لا يجوز للحاكم الثاني نقض حكم الحاكم الأوّل بعد كونه مجتمعاً للشرائط; لأنّه لم يبق اختصام وتنازع حتى يرفعه ، ولأنّ حكم الأول لم يكن فاقداً لشيء ممّا يعتبر في الحكم ، والمحكوم عليه لا يكون راضياً على القاعدة ، وهذا من دون فرق بين تراضي الخصمين بذلك وعدمه .
نعم يجوز للحاكم الثاني النقض في موردين :
الأوّل : ما لو ثبت عنده عدم صلاح الأوّل للقضاء ، فإنّه باعتقاده يكون التنازع باقياً لم يرتفع ، فيجوز له الحكم والنقض .
الثاني : ما إذا كان حكمه مخالفاً لضروريّ الفقه بحيث كان الحكم الصادر من الأوّل اشتباهاً ، وقد وقع غفلة بحيث لو تنبّه يرجع بمجرّد التنبّه; لظهور غفلته ووضوح اشتباهه حتى عند نفسه مع التنبّه . وأمّا فيما إذا كان غير ضروري الفقه ، ولكن كان خلافاً للاجتهاد واجتهاداً في المسألة الفقهيّة غير الضرورية فلا يجوز ، وإن كان معتقداً لخطئه في الاجتهاد من دون فرق بين أن يكون المحكوم عليه موافقاً للثاني في هذه الجهة أو مخالفاً له ، كما أنّه لا تسمع دعواه فيما إذا ادّعى ذلك ، فتدبّر .
1 ـ قال المحقّق في الشرائع : إذا افتقر الحاكم إلى مترجم لم يقبل إلاّ شاهدان عدلان ، ولا يقتنع بالواحد عملا بالمتّفق عليه(1) .
- (1) شرائع الإسلام : 4 / 867 .
(الصفحة 38)
أقول : الوجه في ذلك أنّ الترجمة بحكم الشهادة على الشهادة لا أصل الشهادة; ولذا يكتفى بالعدلين في ترجمة شهود الزنا المعتبر فيه أربعة ، ولا مجال لأن يقال : بأنّه من باب الرواية التي يكتفى فيها بالواحد ، ولا لأن يقال : بأنّه يكفي في الموضوعات خبر العدل الواحد . أمّا الثاني فلما حقّقناه في محلّه وأشرنا إليه آنفاً : أنّ الدليل على حجّية البيّنة في الموضوعات ينفي كفاية أقلّ من العدلين فيها ، وإلاّ لا مجال لهذا الدليل بعد كون العادل الواحد من سنخ البيّنة . وأمّا الأول فلأنّ الشهادة أمر والخبر أمر آخر ، ولا تكون حجيّة الشهادة من باب الخبر وإن اتّحدا في الجنس ، ضرورة أنّهما نوعان عرفاً ومتغايران كذلك ، وأدلّة أحدهما لا تشمل الآخر بوجه ، فإذا كانت الوحدة كافية في الخبر فلا تلازم كفايتها في الشهادة ، فحجّية خبر العادل الحاكي لقول المعصوم (عليه السلام) أو فعله أو تقريره لا تلازم حجّية مطلق الشّهادة ، ولو كان الشاهد واحداً .
نعم هنا شبهة وهي : أنّ آية النبأ التي ربّما يستدلّ بمفهومها على حجّية خبر العادل في علم الاصول يكون موردها من أفراد الشهادة، وهوارتداد بني المصطلق ، فيقال حينئذ : إنّه لِمَ قد عبّر عن الشهادة فيه بالنبأ الذي معناه الخبر ، مضافاً إلى أنّ شهادة الفاسق لا تبين فيها أصلا ، بل تكون مطرودة مطروحة من أوّل الأمر .
ودعوى أنّ المراد من المفهوم فيها عدم وجوب تبيّن نبأ العدل في موضوعي الشهادة والرّواية على معنى كونه مقبولا في الجملة ، وإن كان قبوله في الشهادة على معنى أنّه جزء البيّنة ، وقبوله في الرواية العمل به من غير حاجة إلى التعدّد ، مدفوعة بضعف هذا التوجيه ، وإن صدر من مثل صاحب الجواهر (قدس سره)(1) فراجع .
- (1) جواهر الكلام : 40 / 108 .