(الصفحة 507)مسألة 6 ـ يعتبر في الشهادة على الشهادة ما يعتبر في شهادة الأصل من العدد والأوصاف ، فلا تثبت بشهادة الواحد ، فلو شهد على كلّ واحد إثنان أو شهد إثنان على شهادة كلّ واحد تقبل ، وكذا لو شهد شاهد أصل وهو مع آخر على شهادة أصل آخر ، وكذا لو شهد شاهدان على شهادة المرأة فيما جازت شهادتها1.
مسألة 7 ـ لا تقبل شهادة النساء على الشهادة فيما لا تقبل فيها شهادتهنّ
ولذا كان الشائع بينهم المقابلة لئلاّ يزيد الخبر ولا ينقص ، والإجازة الروائية ناظرة إلى هذه الجهة ، فتدبّر .
1 ـ لا شبهة في أنّه يعتبر في الشهادة على الشهادة ما يعتبر في شهادة الأصل من العدد والأوصاف المعتبرة في الشاهد المتقدّمة ، وقد دلّت الموثقتان المتقدّمتان(1)على اعتبار التعدّد والأوصاف أيضاً كذلك كما هو واضح ، خصوصاً بعد كون المراد شهادة البيّنة على البيّنة ، وحينئذ فلا تثبت شهادة شاهدي الأصل إلاّ بشهادة رجلين عادلين ، سواء شهدا معاً على شهادتهما أو شهد اثنان على شهادة كلّ واحد .
ومنه يظهر صحّة التركيب بأن يكون هنا شاهد أصل وشهد مع شاهد آخر على شهادة أصل آخر ، وكذا اللازم شهادة رجلين على شهادة المرأة فيما تجوز فيها شهادتهنّ ، وامّا فيما لا تجوز فيها شهادتهنّ فثبوت شهادتهنّ وجداناً لا يجدي فضلا عن الثبوت بالأمارة .
- (1) تقدّمتا في ذيل المسألة الاُولى من هذا المبحث.
(الصفحة 508)منفردات أو منضمّات ، فهل تقبل فيما تقبل شهادتهنّ كذلك؟ فيه قولان أشبههما المنع1.
1 ـ امّا فيما لا تقبل فيها شهادتهنّ منفردات أو منضمّـات فالوجه فيه واضح ، وامّا فيما تقبل فيها شهادتهنّ كذلك كعيوب النساء الباطنة ، فوجه أشبهية المنع أنّ قبول شهادتهنّ لأجل كون المورد ممّا لا يستطيع الرجال الاطّلاع عليه والنظر إليه غالباً ، كما قد وقع التصريح به في بعض رواياته(1) على ما عرفت . ومن الواضح وجود هذه الخصوصية بالإضافة إلى شهود الأصل ، وامّا بالإضافة إلى شاهد الفرع فلا مجال لبقاء هذه الخصوصية بعد كون متعلّق الشهادة هي شهادة الأصل ، لا اطلاع الشاهد عليها مستقيماً والنظر إليه كذلك ، فمقتضى اعتبار الرجولية في البيّنة ـ إلاّ في موارد خاصة ـ عدم قبول شهادة النساء هنا ، كما لا يخفى .
هذا ، ولكنّ المحكي عن ظاهر الاسكافي(2) والمبسوط(3) القبول; لإطلاق ما دلّ على قبول شهادتهنّ فيه الشامل لذلك أصلا وفرعاً ، ويرد عليه مضافاً إلى ظهور نصوص الشهادة على الشهادة في الرجل ما عرفت من العلّة في قبول شهادتهنّ منفردات من أنّه لا يستطيع الرجال النظر إليه ، ومن المعلوم عدم جريان هذه العلّة في الشهادة على الشهادة ، فالأقوى ما عليه المشهور(4) وفاقاً للمتأخّرين(5) .
- (1) راجع وسائل الشيعة : 27 / 350 ، كتاب الشهادات ب24 ح4 و5 و7 و12 و42 .
- (2) حكى عنه في مختلف الشيعة : 8 / 529 مسألة 91 .
- (3) المبسوط : 8 / 233 ـ 234 .
- (4) السرائر : 2 / 128 ـ 129 ، شرائع الإسلام : 4 / 924 ـ 925 ، قواعد الأحكام : 2 / 242 ، إيضاح الفوائد : 4/448 ، التنقيح الرائع : 4 / 319 ، مسالك الافهام : 14 / 284 .
- (5) رياض المسائل : 9 / 573 ، جواهر الكلام : 41 / 208 .
(الصفحة 509)مسألة 8 ـ الأقوى عدم قبول شهادة الفرع إلاّ لعذر يمنع حضور شاهد الأصل لإقامتها ، لمرض أو مشقّة يسقط بهما وجوب حضوره ، أو لغيبة كان الحضور معها حرجاً ومشقّة ، ومن المنع الحبس المانع عن الحضور1.
1 ـ عدم قبول شهادة الفرع إلاّ في صورة العذر هو المشهور شهرة محقّقه(1) ، بل في الخلاف الاجماع عليه ، وحكى الخلاف عن بعض الأصحاب(2) ، وهو والد الصدوق(قدس سره)(3) ، وفي محكيّ كشف اللثام الأقوى عدم الاشتراط(4) ، ويؤيده فرض اجتماع شاهد الأصل والفرع واختلافهما في بعض الكلمات . وعمدة الدليل على العدم رواية محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) في الشهادة على شهادة الرجل وهو بالحضرة في البلد ، قال : نعم ، ولو كان خلف سارية يجوز ذلك إذا كان لا يمكنه أن يقيمها هو لعلّة تمنعه عن أن يحضره ويقيمها ، فلا بأس بإقامة الشهادة على شهادته(5) ، وأورد عليها بعض الأعلام(قدس سره) بضعف السند ، فانّها مروية بطريقين ، ففي التهذيب بسنده عن محمد بن مسلم(6) ، وفي السند ذُبيان بن حكيم وهو مهمل ،
- (1) المبسوط : 8 / 232 ـ 233 ، غنية النزوع : 442 ، إصباح الشيعة : 531 ، الوسيلة : 233 ، الجامع للشرائع : 544 ، شرائع الإسلام : 4 / 924 ، قواعد الأحكام : 2 / 242 ، وادّعى الشهرة هنا في مسالك الأفهام : 14 / 277 ، وكفاية الأحكام : 287 ، ورياض المسائل : 9 / 576 ، وجواهر الكلام : 41 / 199 .
- (2) الخلاف : 6 / 315 مسألة 65 .
- (3) راجع مجمع الفائدة والبرهان : 12 / 481 ، وكفاية الأحكام : 287 ، ورياض المسائل : 9 / 576 ـ 577 .
- (4) كشف اللثام : 2 / 385 .
- (5) وسائل الشيعة : 27 / 402 ، كتاب الشهادات ب44 ح1 .
- (6) التهذيب : 6 / 256 ح672 .
(الصفحة 510)مسألة 9 ـ لو شهد الفرع على شهادة الأصل فأنكر شاهد الأصل ، فإن كان بعد حكم الحاكم فلا يلتفت إلى الإنكار ، وإن كان قبله فهل تطرح بيّنة الفرع أو يعمل
ورواها الشيخ الصدوق بسنده إلى محمد بن مسلم(1) ، وفي السند علي بن أحمد بن أبي عبدالله ، عن أبيه ، وكلاهما لم يوثّقا(2) .
هذا ، ولكن استناد المشهور إلى الرواية خصوصاً بعد كون مفادها على خلاف القاعدة جابر لضعفها ، ولا حاجة إلى ما قيل : من أنّ الفرع أضعف ، ولا وجه للعدول إليه عن الأقوى مع الإمكان(3) .
ثم إنّ مقتضى الرواية عدم إمكان إقامة الشهادة لشاهد الأصل لعلّة تمنعه عن أن يقيمها ، والعلّة المانعة ـ مضافاً إلى أنّ المانعية عرفية لا عقلية ـ تشمل المرض والغيبة التي كان الحضور معها حرجاً ومشقّة ، والحبس المانع عن الحضور كذلك .
وبالجملة : كلّ أمر يمنع عن الحضور لأجل العسر والمشقة الرافعة للتكليف خلافاً لبعض العامة حيث اعتبر مسافة القصر ، وللبعض الآخر حيث اعتبر تعذّر الرجوع إلى منزله ليبيت فيه(4) ، بل الضابط ما أفاده المحقّق في الشرائع حيث قال : وضابطه مراعاة المشقّة على شاهد الأصل في حضوره(5) .
- (1) الفقيه : 3 / 56 ح141 .
- (2) مباني تكملة المنهاج : 1 / 145 مسألة 115 .
- (3) راجع جواهر الكلام : 41 / 200 .
- (4) الخلاف : 6 / 315 مسألة 65 ، الحاوي الكبير : 21 / 242 ـ 243 ، حلية العلماء : 8 / 297 ـ 298 ، المغني لابن قدامة : 12 / 89 ـ 90 ، روضة الطالبين : 10 / 71 ، المحلّى بالآثار : 8 / 540 .
- (5) شرائع الإسلام : 4 / 924 .
(الصفحة 511)بأعدلهما ومع التساوي تطرح الشهادة؟ وجهان1.
1 ـ لو شهد الفرع على شهادة الأصل وحكم الحاكم على طبق شهادة الفرع ثم أنكر شاهد الأصل بعد حكم الحاكم ، فلا يلتفت إلى الإنكار بعد فرض وقوع الحكم على طبق الموازين ، وتوقّف الصحة على عدم الإنكار ولو في الآتي مستلزم لعدم صدور الحكم رأساً .
وامّا لو وقع انكار الأصل قبل حكم الحاكم فقد ورد فيه بعض الروايات ، مثل :
صحيحة عبد الرّحمن ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل شهد على شهادة رجل فجاء الرجل فقال : إنّي لم اشهده ، قال : تجوز شهادة أعدلهما ، وإن كانت عدالتهما واحدة لم تجز شهادته(1) ، ورواه في الوسائل في باب واحد بعنوان روايتين مع أنـّه من الواضح الوحدة وعدم التعدّد .
وصحيحة ابن سنان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل شهد على شهادة رجل فجاء الرجل فقال : لم أشهده ، قال : فقال : تجوز شهادة أعدلهما ، ولو كان أعدلهما واحداً لم تجز شهادته(2) ، والظاهر أنّ الجملة الأخيرة كانت مثل الجملة الأخيرة في الرواية السابقة ، ضرورة أنّ ظاهرها غير صحيح ، فانّه ـ مضافاً إلى أنّ الأعدلية في عدلين إذا كانت ثابتة لا تعقل أن تكون في أزيد من واحد ـ يرد عليه أنّ الجملة الأولى تدلّ على جواز شهادة أعدلهما فكيف تدل الجملة الثانية على خلافها ، كما أنّ الظاهر أنّ الصحيح في قوله : «لم تجز شهادته» هو لم تجز شهادة في كلتا الروايتين; لأنّه مع وحدة العدالة لا معنى لعدم جواز شهادة واحد منهما خصوصاً مع كون
- (1) وسائل الشيعة : 27 / 405 ، كتاب الشهادات ب46 ح1 .
- (2) وسائل الشيعة : 27 / 405 ، كتاب الشهادات ب46 ، ح3 .