(الصفحة 520)مسألة 6 ـ لو شهدا عند الحاكم وقبل أن يحكم بهما ماتا أو جنّا أو أُغمي عليهما حكم بشهادتهما ، وكذا لو شهدا ثم زكّيا بعد عروض تلك العوارض حكم بهما بعد التزكية ، وكذا لو شهدا ثم فسقا أو كفرا قبل الحكم حكم بهما ، بل لا يبعد ذلك لو شهد الأصل وحمل الفرع وكان الأصل عادلا ثم فسق ثم شهد الفرع ،ولا فرق في حدود الله تعالى وحقوق الناس في غير الفسق والكفر ، وأمّا فيهما فلا يثبت الحدّ في حقوق الله محضاً كحدّ الزنا واللواط ، وفي المشتركة بينه وبين العباد كالقذف والسرقة تردّد ، والأشبه عدم الحدّ ، وأمّا في القصاص فالظاهر ثبوته1.
الشاهد سمع إلاّ ديناراً أو لم يقطع إلاّ به وتردّد في الزائد أو مثل ذلك .
هذا ، ولكن ضعّفه الماتن(قدس سره) نظراً إلى أنّ التعارض مطلقا موجب للتساقط ، سواء كان الطرفان هما البينتين أو الشاهدين لما ذكرنا سابقاً ، نعم لو لم يكن هناك تعارض لكان العمل بالشاهد الواحد مع انضمام اليمين في محلّه .
1 ـ لو شهدا عند الحاكم مع اجتماع شرائط الشهادة ، ولكنّه قبل الحكم وانشائه عرض لهما أو لأحدهما الموت أو الجنون أو الاغماء ، فلا إشكال بل لا خلاف في جواز الحكم بشهادتهما(1); لأنّ المفروض اجتماع شرائط الشهادة عند إقامتها وادائها ، ولم يدلّ دليل على لزوم البقاء إلى تمامية الحكم بل لا وجه له أصلا ، لعدم دخالة البقاء في حكمه .
وكذا لو شهدا وقبل أن يزكّيا عرض لهما أو لأحدهما شيء من العوارض السابقة ، ثم زكّيا بعده أو شهدا ثم عرض لهما أو لأحدهما الفسق أو الكفر قبل
- (1) راجع جواهر الكلام : 41 / 217 .
(الصفحة 521)
الحكم ، فانّه لا يمنع ذلك عن الحكم بعد اجتماع الشرائط وجداناً أو بالبيّنة قبل حكم الحاكم ، واستناد الحكم إلى البيّنة الجامعة للشرائط ، بل نفى في المتن البُعد عن ذلك لو شهد الأصل وحمل الفرع وكان الأصل عادلا ثم فسق ثم شهد شاهد الفرغ .
ثمّ إنّه لا فرق فيما ذكر بين حقوق الناس وبين حدود الله تبارك وتعالى في غير الفسق والكفر ، وأمّا فيهما فقد ذكر في المتن أنّه لا يثبت في حقوق الله محضاً كحدّ الزنا واللّواط ، بل قال في الجواهر : بلا خلاف أجده فيه(1) ، بل في المسالك اتّفاق الفريقين على ذلك(2) معلّلا له في الشرائع بأنّه مبنيّ على التخفيف ولأنّه نوع شبهة(3) ، ولأجل ذلك يتحقّق الفرق بين الفسق والكفر وبين الجنون الذي يكون الظاهر اتفاقهم على عدم سقوط الحدّ فيه .
وامّا الحقوق المشتركة بينه تعالى وبين العباد ، كالقذف والسرقة بالإضافة إلى القطع فقد تردّد فيه الماتن(قدس سره) ، ولكنّ المحقّق في الشرائع جعل الأشبه الحكم لتعلّق حق الآدمي به ، مع أنّه لا فرق في الشبهة الدارئة للحدّ بين حق الله محضاً والحقّ المشترك . نعم في القصاص الذي هو من حقوق الآدميين محضاً ـ ولأجله يسقط بالإسقاط مطلقا أو مع الدّية في صورة رضا الجاني ـ الظاهر الثبوت ، ولا مجال لإحتمال كونه من الحدود ، كما لا يخفى .
- (1) جواهر الكلام : 41 / 219 .
- (2) حكاه عنه في جواهر الكلام : 41 / 219 ، لكن لم نجد هذه العبارة في مسالك الأفهام ، بل قال في ج14 / 295 : اتفق القائلان ، وفي الطبعة الحجرية منه ج2 / 419 : اتّفق القائلون ، ويمكن أن يراد من «الفريقين» القائلون بقولين السابقين في أصل المسألة .
- (3 و 4) شرائع الإسلام : 4 / 927 .
(الصفحة 522)مسألة 7 ـ قالوا : لو شهدا لمن يرثانه فمات قبل الحكم فانتقل المشهود به إليهما لم يحكم به لهما بشهادتهما ، وفيه تردّد وإشكال ، وأشكل منه ما قيل : إنّه لم يثبت بشهادتهما لشريكهما في الارث ، والوجه في ذلك ثبوت حصّة الشريك1.
1 ـ قالوا : لو شهدا لمن يرثانه فمات قبل الحكم فانتقل المشهود به إليهما لم يحكم به لهما بشهادتهما ، وقد نفى وجدان الخلاف فيه في الجواهر(1) ، بل عن المسالك اتّفاق الجميع عليه(2) معلّلين له باقتضاء ذلك الحكم لهما بشهادتهما ، مع أنّ مقتضى القاعدة خلاف ذلك ، فانّ مقتضاها وجدان الشرائط حين إقامة الشهادة وادائها ، والمفروض أنّه كذلك ، والموت قبل الحكم أمر لا يطّلع عليه الشاهدان نوعاً ، فإن ثبت إجماع فهو وإلاّ فهو محلّ إشكال ، ولذا تردّد فيه الماتن(قدس سره)واستشكل ، وأشدّ إشكالا ما قيل كما في محكيّ قواعد الفاضل : من أنّه لا يحكم لهما ولا لشركائهما في الميراث بشهادتهما(3) ، وان احتمل في المسالك(4) وكشف اللثام(5) القبول في حصّة الشريك ، لكن في الجواهر لم نجد به قائلا كما اعترف به في المسالك(6) ، لكنّ الماتن(قدس سره)قد استوجهه ، ولعلّه لما ذكرنا من أنّ مقتضى القاعدة ثبوت حقّهما فضلا عن الشريك ، فتدبّر جيّداً .
- (1) جواهر الكلام : 41 / 219 .
- (2) مسالك الأفهام : 14 / 296 .
- (3) قواعد الأحكام : 2 / 247 .
- (4) مسالك الأفهام : 14 / 296 .
- (5) كشف اللثام : 2 / 390 .
- (6) جواهر الكلام : 41 / 220 .
(الصفحة 523)مسألة 8 ـ لو رجع الشاهدان أو أحدهما عن الشهادة قبل الحكم وبعد الإقامة لم يحكم بها ولا غرم ، فان اعترفا بالتعمّد بالكذب فسقا وإلاّ فلا فسق ، فلو رجعا عن الرجوع في الصورة الثانية فهل تقبل شهادتهما؟ فيه إشكال ، فلو كان المشهود به الزنا واعترف الشهود بالتعمّد حدّوا للقذف ، ولو قالوا : أوهمنا فلا حدّ على الأقوى1.
1 ـ لو رجع الشاهدان أو أحدهما عن الشهادة قبل الحكم وبعد الإقامة والاداء لم يحكم بسبب هذه الشهادة ولا غرم; لأنّ المفروض عدم الحكم ، كما أنّ عدم الحكم لأجل وضوح اعتبار عدم الرجوع قبل الحكم وبعد الإقامة ، ومجرّد الحدوث لا يكفي في صحّة الحكم ، وقوله(صلى الله عليه وآله): انّما أقضي بينكم بالبيّنات والايمان(1) يكون المنسبق إلى الأذهان منه البيّنات الباقية على الشهادة التي أقاموها إلى زمان الحكم وانشائه ، ولا يقاس الرجوع بالموت قبل الحكم ، حيث إنّك عرفت جواز الحكم بالشهادة في مثل الثاني ، فانّ الموت لا ينافي الشهادة بخلاف الرجوع .
أضف إلى ذلك دلالة مرسلة جميل ، عن أحدهما(عليهما السلام) ـ التي هي كالصحيح على ما في الجواهر(2) ، سيّما مع اعتضادها بالفتوى ـ في الشهود إذا [شهدوا على رجل ثم](3) رجعوا عن شهادتهم وقد قضي على الرجل ، ضمنوا ما شهدوا به وغرموا ، وإن لم يكن قضي طرحت بشهادتهم ولم يغرّم الشهود شيئاً(4) .
- (1) وسائل الشيعة : 27 / 232 ، كتاب القضاء ، أبواب كيفية الحكم ب2 ح1 .
- (2) جواهر الكلام : 41 / 220 .
- (3) هذه الزيادة من التهذيب : 6 / 259 ح685 .
- (4) وسائل الشيعة : 27 / 326 ، كتاب الشهادات ب10 ح1 .
(الصفحة 524)
ثمّ إن اعترفوا بأنّهم تعمّدوا الكذب فسقوا فلا يعبأ بشهادتهم بعد ذلك ما لم تتحقّق العدالة المعتبرة في الشاهد ، وإن كان يمكن أن يقال : بأنّ الاعتراف بأنّهم تعمّدوا الكذب لا ينافي قبول هذه الشهادة; لأنّ التعمّد بالكذب انّما يتحقّق بتمامية الشهادة ، ضرورة أنّ الصدق والكذب من عوارض الخبر ، وهو متقوّم بالنسبة أو الهوهوية ، وعليه فلا ينافي الاعتراف بالتعمّد مع قبول هذه الشهادة ، نعم له أثر بالإضافة إلى الشهادة بعداً .
وان اعترفوا بالخطأ والاشتباه فلا فسق ، وفي هذه الصورة إذا رجعوا عن الرجوع فهل تقبل فيها الشهادة منهم بعد كون المفروض عدم تحقق الفسق؟ فقد وردت فيها رواية محمد بن قيس الصحيحة ، عن الباقر (عليه السلام) قال : قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل شهد عليه رجلان بأنّه سرق فقطع يده ، حتى إذا كان بعد ذلك جاء الشاهدان برجل آخر فقالا : هذا السارق وليس الذي قطعت يده ، انّما شبّهنا ذلك بهذا ، فقضى عليهما أن غرّمهما نصف الدّية ، ولم يجز شهادتهما على الآخر(1) .
وقد أفتى بمضمونها في محكيّ القواعد(2) والمسالك(3) ، ولكن في محكي كشف اللثام القبول إذا كانا معروفين بالعدالة والضبط(4) ، ولكنّ الظاهر لزوم العمل على طبق الرواية وان كان على خلاف القاعدة والعمومات لصحتها ، كما عرفت .
ثمّ إنّه لو كان المشهود به هو مثل الزّنا واعترف الشهود بالتعمّد حدّوا للقذف; لما
- (1) وسائل الشيعة : 27 / 332 ، كتاب الشهادات ب14 ح1 .
- (2) قواعد الأحكام : 2 / 244 .
- (3) مسالك الأفهام : 14 / 297 .
- (4) كشف اللثام : 2 / 387 .