(الصفحة 219)مسألة 7: لو أجاب المدّعى عليه بأنّ المدّعي أبرأ ذمّتي ، أو أخذ المدّعى به مني ، أو وهبني أو باعني أو صالحني ونحو ذلك ، انقلبت الدعوى وصار المدّعى عليه مدّعياً والمدّعي منكراً ، والكلام في هذه الدعوى على ما تقدّم1.
المدّعى عليه المقرّ وتردّ إلى المدّعي المقرّ له ، وإن ناقشنا في ذلك بأنّ الإقرار لا يقتضي أكثر من تحقّق الجهة السلبية ، وهي عدم كون المقرّ به مالا للمقرّ ، وأمّا ثبوت الملكية للمدّعي فيحتاج إلى أمر آخر زائد على الإقرار، مثل البيّنة ونحوها، فتدبّر .
1 ـ هذا هو قسم من جواب المدّعى عليه ، وهو يرجع إلى الإقرار بأنّه كان ملكاً له سابقاً ، غاية الأمر تحقّق الإبراء أو الأخذ بالإضافة إلى الدين أو الهبة أو البيع أو الصلح بالإضافة إلى العين ، ومن المعلوم أنّ هذه أمور حادثة يحتاج إثباتها إلى الادّعاء ، والمدّعي في هذه الجهة يكون هو المدعى عليه ، ففرق بين أن يقول المدّعى عليه في مقام جواب المدّعي بأنّ له ديناً عليه : بأنّ ذمّتي ليست مشغولة بك ، أو أن يقول: بأنّك أبرأتني منه ، ففي الأوّل يكون المدّعي ، عليه الإثبات ، وفي الثاني يكون على المدّعى عليه الإثبات . والفرض أنّ القاضي لا يكون عالماً بالحال بوجه .
وقد تقدّم أنّ في بعض الروايات قال النبيّ (صلى الله عليه وآله) بعد حصر القضاء بالبيّنات والأيمان: «وبعضكم ألحن بحجّته من بعض ، فأيّما رجل قطعت له من مال أخيه شيئاً ، فإنّما قطعت له به قطعة من النّار»(1)، ومن هنا يعلم أنه إذا لم يتمكّن المدّعى عليه من إثبات الإبراء ونحوه يجوز له أن يقول: بأنّ ذمّتي لا تكون مشغولة لك
- (1) الكافي: 7 / 414 ح1 ، التهذيب: 6 / 229 ح552 ، معاني الأخبار: 279 ، الوسائل: 27/ 232 ، أبواب كيفيّة الحكم ب2 ح1 .
(الصفحة 220)
وأمثال ذلك . وهذا كما أنّه إن أراد الرجل الاستمتاع من المرأة في وقت معيّن ، فإن كان بصورة الزنا فهو غير جائز بل معصية كبيرة ، وإن كان بصورة العقد المؤجّل والنكاح المنقطع فهو جائز بل مستحبّ ، وإن كان واقع الأمر واحداً كما لايخفى ، وكذا في المعاملات الصحيحة والفاسدة فتدبّر .
ثمّ إنّه بعد صيرورة المدّعى عليه مدّعياً وبالعكس أنّ جواب المدّعى عليه وهو المدّعي في الدعوى الاُولى: إمّا أن يكون إقراراً أو إنكاراً أو سكوتاً أو لا أدري ، والحكم في جميع هذه الأقسام ما تقدّم . لكنّ المحكي عن المستند الفرق في جواب لا أدري بين المقامين(1); نظراً إلى موافقة قوله في هذا المقام مع الأصل فيعمل بمقتضاه ، ولم يعلم وجه الفرق بعد كون قوله: «لا أدري» في ذلك المقام موافقاً مع الأصل أيضاً ، كما لايخفى .
- (1) مستند الشيعة: 2 / 568 ـ 570 (ط ق) .
(الصفحة 221)
القول في أحكام الحلف
مسألة 1: لا يصحّ الحلف ولا يترتّب عليه أثر من إسقاط حقّ أو إثباته إلاّ أن يكون بالله تعالى أو بأسمائه الخاصّة به تعالى كالرحمن والقديم والأوّل الذي ليس قبله شيء ، وكذا الأوصاف المشتركة المنصرفة إليه تعالى ، كالرازق والخالق ، بل الأوصاف غير المنصرفة إذا ضمّ إليها ما يجعلها مختصّة به ، والأحوط عدم الاكتفاء بالأخير ، وأحوط منه عدم الاكتفاء بغير الجلالة ، ولا يصحّ بغيره تعالى كالأنبياء والأوصياء والكتب المنزلة والأماكن المقدّسة ، كالكعبة وغيرها1.
1 ـ البحث فعلا إنّما هو في اليمين القاطعة للدعوى نفياً لها أو إثباتاً ، كما أنّ البحث منحصر بالحكم الوضعي المترتّب عليه . وأمّا من جهة الحكم التكليفي المترتّب عليه جوازاً أو منعاً أو كراهة أو التفصيل ، فالبحث فيه موكول إلى كتاب الأيمان ، كما أنّ الإيجاب للكفارة أيضاً موكول إلى ذلك الكتاب .
فنقول: لا إشكال من جهة النفي والإثبات في أمرين:
أحدهما: الاكتفاء في الحلف بالجلالة; لأنّه القدر المسلّم من الحلف بالله الوارد في
(الصفحة 222)
بعض روايات الحلف ، وقد عرفت الرواية المشتملة على خطاب الله تعالى إلى بعض الأنبياء بقوله تعالى: «وأضفهم إلى اسمي»(1) فإنّ الحلف بالجلالة مصداق كامل لذلك ، كما أنّه قد فرّع عليه فيها فحلّفهم به .
ثانيهما: عدم صحّة الحلف بغير الله تعالى من الأنبياء والأوصياء والكتب المنزلة والأماكن المقدّسة ، كالكعبة والمشاهد المشرّفة وغيرها; لخروجه عن عنوان الحلف بالله تعالى ، ويمكن استفادة عدم الجواز من مثل:
صحيحة محمد بن مسلم قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): قول الله عزّوجلّ:
{وَالّيل إذا يَغشَى}(2)
{وَالنَّجم إذَا هَوَى}(3) وما أشبه ذلك . فقال: إنّ لله عزّوجلّ أن يقسم من خلقه بما شاء ، وليس لخلقه أن يقسموا إلاّ به(4) .
إنّما الإشكال بل الخلاف في غيرهما من الصور:
الاُولى: ما إذا حلف بأسمائه الخاصّة به كالأمثلة المذكورة في المتن ، والظاهر صحّته وشمول الحلف بالله له ، وإن كان بغير لفظ الجلالة .
الثانية: ما إذا حلف بالأوصاف المشتركة بينه وبين غيره ، ولكن الانصراف العرفي يخصّها إليه تعالى كالرازق والخالق ، والظاهر صحّته وشمول الحلف بالله له; للانصراف المذكور على ما هو المفروض .
- (1) الكافي: 7 / 414 ـ 415 ح2 ـ 4 ، التهذيب: 6 / 328 ح550 و551 ، الوسائل: 27/ 229 ـ 230 ، أبواب كيفيّة الحكم ب1 ح1 ـ 3 .
- (2) سورة الليل 92: 1 .
- (3) سورة النجم 53: 1 .
- (4) الكافي: 7 / 449 ح1 ، التهذيب: 8 / 227 ح1009 ، الوسائل: 22/ 343 ، أبواب الإيلاء ب3 ح1، وج23 / 259 ، كتاب الأيمان ب30 ح3، وج27 / 303 ، أبواب كيفيّة الحكم ب34 ح1 .
(الصفحة 223)مسألة 2: لا فرق في لزوم الحلف بالله بين أن يكون الحالف والمستحلف مسلمين أو كافرين أو مختلفين، بل ولا بين كون الكافر ممّن يعتقد بالله أو يجحده، ولا يجب في إحلاف المجوس ضمّ قوله: «خالق النور والظلمة» إلى «الله» ، ولو رأى الحاكم أنّ احلاف الذمّي بما يتقضيه دينه أردع ، هل يجوز الاكتفاء به كالاحلاف بالتوراة التي أنزلت على موسى (عليه السلام)؟ قيل: نعم، والأشبه عدم الصحّة ، ولا بأس بضمّ ما ذكر إلى اسم الله إذا لم يكن أمراً باطلا1.
الثالثة: ما إذا حلف بالأوصاف المشتركة ، لكن مع عدم الانصراف العرفي إليه تعالى ، بل مع الضميمة الموجبة للاختصاص، كالعالم بكلّ شيء والقادر على كلّ شيء ، وعنوان واجب الوجود ، فإنّ الإضافة توجب الاختصاص به تعالى ، والظاهر أيضاً صحّته وشمول الحلف بالله له; لأنّه بعد الانضمام بنحو التوصيف أو الإضافة أو مثلهما لا ينطبق إلاّ عليه تعالى . وممّا ذكرنا بان أنّ المثال الأخير المذكور في المتن للصورة الاُولى ، وهو «الأول الذي ليس قبله شيء» من مصاديق هذه الصورة لا من أمثلة الصورة الاُولى ، ثمّ إنّ ممّا ذكرنا ظهر أنّ رعاية كمال الاحتياط تقتضي عدم الحلف بغير لفظ الجلالة كما في المتن .
1 ـ يقع الكلام في هذه المسألة في مقامات:
المقام الأوّل: في إحلاف اليهودي والنصراني ومثلهما ممّن يعتقد بالله وبنبوّة غير نبيّنا محمّد (صلى الله عليه وآله)، وقد وردت فيه طائفتان من الروايات:
الطائفة الاُولى: وهي أكثرها ما دلّ على عدم جواز حلفهما بغير الله امّا بنحو العموم والإطلاق، كصحيحة محمد بن مسلم المتقدّمة الدالّة على أنّه ليس لخلقه أن يقسموا إلاّ به ، أو بنحو الخصوص لعنوانهما في موضوع الحكم، مثل: