(الصفحة 359)مسألة 6: لو توقّف أخذ حقّه على التصرّف في الأزيد جاز ، والزائد يردّ إلى المقتصّ منه ، ولو تلف الزائد في يده من غير إفراط ولا تفريط ولا تأخير في ردّه لم يضمن1.
وذكر صاحب الجواهر (قدس سره) بعد قوله: «أشبهه»: وفاقاً للأكثر كما في كشف اللثام(1)وغيره(2) .
وذكر في ذيل كلامه أنّه لم نر للقائل بالمنع من شيء يعتدّ به(3) .
أقول: المتفاهم عند العرف من أخبار المقاصة(4) مع إطلاقها ظاهراً عدم الجواز مع إمكان أخذ الحقّ بسهولة من طريق الترافع والقضاء; لأنّ لازم الجواز انحصار موارد القضاء بصورة عدم الإمكان أو تعسّره ، وهو بعيد كما لايخفى .
1 ـ لو فرض توقّف أخذ حقّه على التصرّف في الأزيد ، كما لو كان عنده فرش زائد قيمته على الدين أو قيمة العين ، فالظاهر جواز التصرّف في الأزيد ، لكن لابدّ أن يردّ الزائد إلى المقتص منه; لأنّه يعتبر في جواز المقاصة التساوي في القيمة ، وقد عرفت التصريح بذلك في جملة من الروايات المتقدّمة(5) ، وفي الدعاء الوارد في بعضها، حيث يصرّح بأنّي لم أزدد عليه شيئاً(6) ، ولا يترتّب على تلف الزائد مع عدم التعدّي والتفريط ضمان; لأنّه أمانة شرعية ، والترخيص إنّما وقع من الشارع .
- (1) كشف اللثام: 2 / 343 .
- (2) مسالك الافهام: 14 / 70 ـ 71 .
- (3) جواهر الكلام: 40 / 388 ـ 390 .
- (4) وسائل الشيعة: 17 / 272 ـ 276 ، أبواب ما يكتسب به ب83 .
- (5) وسائل الشيعة : 17 / 275 ، أبواب ما يكتسب به ب83 ح9 و ص272 ح1 وص276 ح13 .
- (6) وسائل الشيعة : 17 / 272 ، أبواب ما يكتسب به ب83 ح4 .
(الصفحة 360)مسألة 7: لو توقف أخذ حقّه على بيع مال المقتصّ منه جاز بيعه وصحّ ، ويجب ردّ الزائد من حقّه ، وأمّا لو لم يتوقّف على البيع بأن كان قيمة المال بمقدار حقّه فلا إشكال في جواز أخذه مقاصّة ، وأمّا في جواز بيعه وأخذ قيمته مقاصّة ، أو جواز بيعه واشتراء شيء من جنس ماله ثمّ أخذه مقاصّة إشكال ، والأشبه عدم الجواز1.
نعم في صورة التعدّي والتفريط يكون ضامناً لضمان الأمين معهما ، ولو كانت أمانة مالكية ، فتدبّر .
1 ـ في هذه المسألة مقامان:
المقام الأوّل: فيما لو توقّف أخذ حقّه على بيع مال المقتصّ منه ، سواء كان بقدر حقّه أو أزيد ، وفي هذا المقام ذكر أنّه يجوز بيعه ويصحّ ، ويدلّ عليه أنّه قد أقامه الشارع مقام من عليه الحقّ في الاستيفاء ، فلا يلزم بالمقاصة من غير الجنس ، كما ربما يتوهّم في بادئ النظر من النصوص . نعم حيث كان هو الولي في ذلك وجب عليه الجمع بينه وبين حقّ المالك .
قال في محكيّ المبسوط: «ومن الذي يبيع؟ قال بعضهم: الحاكم; لأنّ له الولاية عليه . وقال آخرون: يحضر عند الحاكم ومعه رجل واطأه على الاعتراف بالدين والامتناع من أدائه ، ثمّ قال: والأقوى عندنا أنّ له البيع بنفسه; لأنّه قد يتعذّر عليه إثباته عند الحاكم ، والذي قالوه كذب يتنزّه عنه»(1) .
ويظهر من عبارته أنّ جواز البيع بنفسه قول علمائنا الإمامية في مقابل العامة القائلين بأحد القولين الأوّلين ، وعليه فهذا المورد كما أشرنا إليه سابقاً من الموارد
(الصفحة 361)مسألة 8: لا إشكال في أنّ ما إذا كان حقّه ديناً على عهدة المماطل فاقتصّ منه بمقداره برأت ذمّته ، سيّما إذا كان المأخوذ مثل ما على عهدته ، كما إذا كان عليه مقدار من الحنطة فأخذ بمقدارها تقاصّاً ، وكذا في ضمان القيميات إذا اقتصّ القيمة بمقدارها ، وأمّا إذا كان عيناً فإن كانت مثليّة واقتص مثلها فلا يبعد حصول المعاوضة قهراً على تأمّل .
وأمّا إذا كانت من القيميات كفرس مثلا واقتص بمقدار قيمتها ، فهل كان الحكم كما ذكر من المعاوضة القهرية ، أو كان الاقتصاص بمنزلة بدل الحيلولة ، فإذا تمكّن من العين جاز أخذها بل وجب ، ويجب عليه ردّ ما أخذ ، وكذا يجب على الغاصب ردّها بعد الاقتصاص وأخذ ماله؟ فيه إشكال وتردّد ، وإن لا يبعد
التي يجوز فيها بيع غير المالك ، كما لا يخفى .
ثمّ إنّه ظهر أنّه لو كان بيع مال المقتصّ منه بأزيد من مقدار حقّه وجب عليه ردّ الزائد إليه ، وقد عرفت حكم ضمانها في صورة التلف .
المقام الثاني: فيما لو لم يتوقّف أخذ مقدار حقّه على البيع ، بأن كانت قيمة المال بمقدار حقّه ، فلا إشكال حينئذ في جواز أخذه مقاصة لفرض التساوي ، وأمّا جواز البيع وأخذ القيمة مقاصّة أو اشتراء شيء من جنس ماله ثمّ أخذه مقاصة ، فقد استشكل فيه في المتن ، ثمّ جعل الأشبه عدم الجواز ، أي لا يجوز البيع في هذه الصورة مطلقا; لأنّ الجمع بين كون المقاصة على خلاف القاعدة ، وبين عدم توقّف أخذ مقدار الحقّ على البيع كما هو المفروض العدم ، خصوصاً مع أنّه لم يرد في شيء من الروايات جواز البيع ، كما لايخفى .
ومع أنّ الغرض الأصلي من المقاصة الوصول إلى مقدار المالية الذي هو المقصود بالاصالة نوعاً ، والمفروض أنّ قيمة المال الذي عنده بمقدار حقّه .
(الصفحة 362)جريان حكم بدل الحيلولة فيه1.
1 ـ في المسألة أيضاً مقامان:
المقام الأوّل: فيما إذا كان حقّه ديناً على عهدة المماطل بالمعنى الأعمّ من الجاحد ، وقد وقع الاقتصاص من ماله بمقداره ، وفي هذا المقام نفى الإشكال عن براءة ذمّته سواء كان المأخوذ مثل ما على عهدته ، كما إذا كان الدين مقداراً من الحنطة فأخذ بمقدارها تقاصّاً ، أو كان المأخوذ من غير جنس ما على عهدته ، كما في المثال المفروض إذا كان المأخوذ شعيراً مثلا وانحصرت المقاصّة به أو جازت; لأنّ الغرض من الاقتصاص ليس مجرّد وصول الدائن إلى ماله ، بل حصول البراءة من الدين للمديون أيضاً ، على أنّه لا يكاد يجتمع بين ملكيّة المال المأخوذ بعد الاقتصاص وبقاء الدين على عهدته ، وهكذا في ضمان القيميات إذا اقتصّ القيمة بمقدارها .
ثمّ إنّ قوله في المتن: «وكذا في ضمان القيميات . . .» يشعر بل يدلّ على أنّ العين المغصوبة التالفة في يد الغاصب تكون مضمونة بقيمتها إذا كانت قيمية ، مع أنّا قد حقّقنا في كتابنا في القواعد الفقهية في بحث ضمان اليد أنّه يمكن أن يقال بانّها مضمونة بنفسها ، وأنّ المستفاد من قاعدة «على اليد ما أخذت» نفس كون المأخوذ على العهدة(1) .
والثمرة تظهر في لزوم اداء قيمة يوم الاداء لا التلف ولا الغصب ولا غيرهما فراجع .
المقام الثاني: فيما إذا كان عيناً باقية في حال الاقتصاص تحت يد المماطل بالمعنى
- (1) القواعد الفقهية: 1 / 90 ـ 91 .
(الصفحة 363)
المذكور ، وقد فصّل في المتن بين ما إذا كانت مثلية واقتص مثلها ، فنفى البعد عن حصول المعاوضة القهرية على تأمّل ، وبين ما إذا كانت قيمية واقتص بمقدار قيمتها ، ففيه إشكال من جهة المعاوضة القهرية ، أو كان الاقتصاص بمنزلة بدل الحيلولة ، ونفى البعد عن الثاني . وقد مرّ كلام في هذا المجال من المحقّق العراقي في الرسالة(1) ، وعرفت أنّ الظاهر عدم كون الاقتصاص معاوضة قهرية ثابتة بالكتاب والسّنة(2) ، فراجع .
وإن كان يظهر من صاحب الجواهر الأوّل ، حيث قال فيها: وينبغي أن يلزمه انتقال مقابله إلى ملك الغاصب; لقاعدة عدم الجمع بين العوض والمعوّض عنه ، بل قد يشكل استحقاق الردّ عليه لو بذله له بعد ذلك ، بل لعلّه كذلك لو كان البذل من المالك استصحاباً لملك العوض، واحتمال كون الملك متزلزلا ـ نحو ما ذكروه في القيمة التي يدفعها الغاصب للحيلولة ـ مناف لقاعدة اللزوم بعد ظهور النصوص في ذلك ، بل يمكن دعواه أيضاً هناك ، ويجعل ما هنا دليلا عليه ، فتأمّل جيّداً(3) .
ويدفعه المنع من الجمع بين العوض والمعوّض بعد عدم تحقّق تسلّطه في زمان واحد إلاّ على واحد منهما ، ومجرّد الجمع في الملكية من دون أن يدلّ دليل هناك على ثبوت المعاوضة ليتحقق عنوان العوض والمعوّض ممنوع ، ويؤيّد عدم ثبوت المعاوضة أنّه ربّما تكون خصوصيات العين أو بعضها مطلوبة للمالك ، فإذا قلنا: بثبوت المعاوضة يلزم ارتفاع يده عنها ، بخلاف ما إذا كان على نحو بدل الحيلولة التي لا تكون الخصوصيات مرتفعة يده عنها بمجرّد تحقّق الحيلولة ، فالاعتبار
- (1 ، 2) في ص352 ـ 353 .
- (3) جواهر الكلام: 40 / 396 .